مجلس النواب الفرنسي يناقش اليوم مشروع قرار يدعو للاعتراف بدولة فلسطين

السفارة الإسرائيلية وجهت رسائل لجميع النواب لتنبيههم إلى خطورة هذه الخطوة

TT

يرجح بعض المراقبين أن تفشل حملات الضغط والتهويل التي تقوم بها إسرائيل وأصدقاؤها في فرنسا لمنع النواب الفرنسيين من التصويت على مشروع قرار يدعو الحكومة الفرنسية للاعتراف بالدولة الفلسطينية، على غرار ما فعلته السويد، وما قام به البرلمان الإسباني والبريطاني.

ومشروع القرار الذي يدعو الحكومة الفرنسية «للاعتراف بالدولة الفلسطينية من أجل الوصول لتسوية نهائية للنزاع»، والذي جرى تقديمه من طرف النواب الاشتراكيين، سيحظى بدعم الأكثرية الساحقة من النواب الذين يرفضون الخضوع لتحذيرات رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وسفيره في باريس يوسي غال، والمجلس التنفيذي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، ومجموعات الضغط الدائرة في فلكها.

وسيحصل التصويت الرسمي في الجمعية الوطنية في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وسيتبعه تصويت مشابه في مجلس الشيوخ في 11 من الشهر نفسه.

وحتى صباح اليوم، استمر الطرف المؤيد والمعارض في شحذ أسلحتهما، وعرض الحجج التي يرفعانها لتبرير التأييد أو الرفض، أو الامتناع. وبعكس ما جرى في إسبانيا وبريطانيا، حيث توصلت الأكثرية في البلدين إلى ما يشبه الإجماع للتصويت لصالح نص لا يرتدي طابع الإلزام، فإن المبادرة التي حمل لواءها في مجلس النواب الفرنسي وزيرة العدل السابقة ورئيسة لجنة الشؤون الخارجية إيزابيل غيغو، ووزير التربية السابق بونوا هامون، لم يحصل حولها إجماع، رغم أن أصحابها عمدوا إلى تليين عباراته لجعلها مقبولة من كل الأطراف، وربما لقطع الطريق على مبادرة تعد أكثر تشددا، كان سيتقدم بها النواب الشيوعيون واليسار. ورغم ذلك فإن الضغوط الإسرائيلية والحسابات السياسية الداخلية والانتخابية جعلت عددا من النواب يبدون أكثر تطرفا من نواب الليكود.

وأعلن رئيس الجمهورية السابق اليميني نيكولا ساركوزي، الذي يسعى للحصول على زعامة اليمين السبت المقبل، أنه «يطلب من أصدقائه التصويت ضد مشروع القرار». ويؤكد ساركوزي، الذي جعل من الحفاظ على أمن إسرائيل «معركة حياته»، حسب قوله، أن «الاعتراف الأحادي بعد أيام قليلة من هجوم دامٍ (على كنيس في القدس) وفي ظل توقف مسار السلام لا معنى له».

وفي السياق ذاته، قال كريستيان جاكوب، رئيس مجموعة نواب اليمين في البرلمان الفرنسي، إن مسألة الاعتراف «ليست من صلاحيات مجلس النواب الذي ليس له أن ينظر فيها»، بل هي من صلاحيات السلطة التنفيذية. ويبدو أن هذه الحجة مسخرة لرمي الكرة في ملعب الحكومة وتلافي الإحراج. وقد ذهب بعضهم إلى اتهام الاشتراكيين باستغلال موضوع الاعتراف لاستعادة تعاطف الناخبين من أصول عربية ومسلمة، خاصة بعد الجفاء الذي قام بينها وبين الرئيس هولاند، عقب بيانه الشهير في يوليو (تموز) الماضي عن الحرب في غزة و«حق إسرائيل» في استخدام «كل الوسائل» للدفاع عن مدنييها، وهو ما اعتبر وقتها تفويضا للجيش الإسرائيلي ليفعل ما يشاء.

ومنذ أن بدأ تداول مشروع القرار الاشتراكي، ضاعفت السفارة الإسرائيلية من جهودها للي ذراع النواب الراغبين في تفعيل القرار. وقد قامت السفارة بتوجيه رسائل خطية لجميع النواب، تنبههم فيها إلى «خطورة» الاعتراف. وأول من أمس، قدم السفير الإسرائيلي يوسي غال للصحافة الدبلوماسية في باريس عرضا متكاملا لموقف حكومته، اعتبر أن هذا الاعتراف «سيطلق جولة جديدة من العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين.. وسيؤجج الصراعات والعنف في فرنسا نفسها»، مستعيدا ما حصل خلال مظاهرات الصيف الماضي، احتجاجا على حرب إسرائيل على غزة، ومنبها أيضا إلى تصاعد الأعمال المعادية لليهود على التراب الفرنسي.

وكان نتنياهو قد وجه تحذيرا للنواب الفرنسيين لدى استقباله وفدا صحافيا فرنسا في إسرائيل، إذ وصف التصويت بـ«الخطأ الخطير» وبـ«الفخ» الذي يتعين على فرنسا تحاشيه.

وحتى الآن، بقيت الدبلوماسية الفرنسية على غموضها. وقد حرص الوزير فابيوس في تصريحات له حول الموضوع على عدم الالتزام بشيء محدد، والتأكيد على أن فرنسا «مع الاعتراف بدولة فلسطينية، وهو ما يشكل موقفها التقليدي». لكنه استدرك أن هذا الاعتراف مربوط بـ«اللحظة المناسبة»، وبمدى فائدته، وبوجود مسار سلام ومفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.

بيد أنه سيتحتم على فابيوس، الذي يفتتح المناقشات اليوم ببيان باسم الحكومة، أن يعبر عن موقف واضح. وبحسب تسريبات دبلوماسية نقلها الموقع الإلكتروني لمجلة «لو بوان» عصر أمس، يبدو أن الوزير الفرنسي سيقوم بإطلاق مبادرة لعقد «مؤتمر باريس للسلام» في الشرق الأوسط، بحضور الطرفين المعنيين أولا، والدول الـ5 الكبرى ودول عربية، مثل مصر والأردن.