مسؤول في الأمم المتحدة لـ(«الشرق الأوسط») : رغم استقالة آموس.. مساعدة السوريين هي الأهم

شبكات من النظام والمعارضة المسلحة تسرق المساعدات الإنسانية.. وثورة جياع في «دوما»

أطفال من بلدة دوما بريف دمشق التي يحاصرها النظام منذ أكثر من سنة يشاركون في فعالية دعم نفسي للهلال الأحمر العربي (أ.ف.ب)
TT

قال أمس مسؤول في الأمم المتحدة إن استقالة فاليري آموس، مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للإغاثة، لن تؤثر على مساعدات الأمم المتحدة في سوريا. ورفض المسؤول الحديث عن خلافات في بريطانيا، أو أن رئيس الوزراء المحافظ، ديفيد كاميرون، ربما كان وراء استقالتها.

وقال المسؤول، الذي طلب عدم نشر اسمه أو وظيفته لـ«الشرق الأوسط»: «نحن لا نتدخل في شؤون الدول الأعضاء. نحن نقوم بمسؤوليات دولية باسم كل الدول الأعضاء. وعند اختيار موظفينا، نحن، طبعا، نعتمد على اقتراحات الدول الأعضاء».

ونفى أن المنصب الذي ستتركه آموس في مارس (آذار) القادم سيكون محجوزا لشخص معين. في إشارة إلى مناقشات في صحف وتلفزيونات بريطانية بأن آموس، التي كانت وزيرة للمساعدات الدولية في حكومة حزب العمال السابقة: «أجبرت على الاستقالة ليتولى منصبها أندرو لانسلي، من قادة حزب المحافظين المقربين إلى رئيس الوزراء كاميرون. وأن المنصب الدولي كان ثمن تنحى لانسلي عن قيادة نواب حزب المحافظين داخل مجلس العموم البريطاني».

وعن تصريحات لانسلي بأن الأمين العام للأمم المتحدة هو الذي سيختار مساعده للإغاثة، قال المصدر إن التصريح «ملتو بعض الشيء». وذلك لأن «الأمين العام لا يقدر على رفض ترشيحات الدول الأعضاء لمناصب يعرضها عليها الأمين العام، حسب تقاليد متوارثة داخل الأمانة العامة للأمم المتحدة».

وعن المساعدات إلى سوريا، قال المصدر إنها لن تتأثر. وأضاف أن خبرة، أو عدم خبرة، موظفي الأمم المتحدة «يقررها الأمين العام»، منوها إلى أخبار بأن لانسلي، إذا اختير مساعدا للأمين العام لشؤون الإغاثة، لن تكون عنده خبرة آموس، لأنها كانت وزيرة للإغاثة والمساعدات، بينما هو مسؤول سياسي في مجلس العموم.

وكان الأمين العام قدم تقريرا عن عمليات تقوم بها وكالات مختلفة تابعة للأمم المتحدة، منها: برنامج الطعام العالمي (دبليو إف بي). ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أو سي إتش ايه). وصندوق الأطفال (يونيسيف).

واعترف المسؤول بأن «مشاكل تواجه عمليات التنسيق مع الحكومة السورية». لكنه رفض تفصيل ذلك. وأشار إلى أن عمليات برنامج الطعام العالمي نجحت، مؤخرا، في الوصول إلى عدد من الأحياء في مدينة حمص. وأنها نقلت، في هذه العملية، أكثر من 10 آلاف وجبة طعام، وغيرها، إلى أكثر من ستين ألف مدني، على قرابة 30 شاحنة.

واعترف المسؤول بأن ذلك تحقق «رغم عراقيل في المفاوضات مع مسؤولين سوريين. ورغم القصف العنيف في المنطقة». وأضاف: «يظل الوصول إلى مناطق كثيرة في سوريا محدودا، أو مستحيلا، بسبب القتال هناك».

وكانت آموس تحدثت، مؤخرا، عن جهود الإغاثة في سوريا خلال ما يقرب من 4 أعوام قضتها في المنصب. وقالت إنها حثت مرارا الحكومة السورية، على السماح لقوافل الإغاثة بالوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها الثوار، بمختلف اتجاهاتهم السياسية. وقالت إنها كانت وراء صدور قرار مجلس الأمن، في شهر يوليو (تموز) الماضي، الذي وافق، للمرة الأولى، على وصول المساعدات عبر الحدود السورية من دون إذن الحكومة السورية.

وأول من أمس، قالت آموس للموظفين التابعين لها، في رسالة نشرتها في موقع وكالتها، إنها لا تعرف ما ستفعل في المستقبل. وإنها كانت الشخص الأطول خدمة في هذه الوظيفة. وإنها «فخورة للغاية بالطريقة التي عملنا بها معا لجعل نظام الاستجابة الإنسانية (للكوارث والحروب) أكثر فعالية».

وعدا التحديات البيروقراطية التي تواجهها الأمم المتحدة في تعاونها مع الحكومة السورية في هذا الخصوص، توجد تحديات أخرى تجعل وصول الإغاثة إلى محتاجيها أمرا بالغ الصعوبة والتعقيد، وبحسب الناشط أحمد الدمشقي: «في ظل الصراع الدائر نشأت شبكات من لصوص الأزمات تقوم بعرقلة وصول المساعدات أو الاستيلاء عليها، فيوزع منها جزء ويسرق الباقي ليباع في الأسواق بدءا من سلال الأغذية وحتى الحرامات والخيم». ويلفت إلى أن هذه الشبكات حاضرة بين ميلشيات جيش الدفاع الوطني (الشبيحة) التابعة لقوات النظام، وأيضا في صفوف الكتائب المعارضة. وأضاف الناشط «ثمة تواطؤ خفي بين جميع الأطراف لتقاسم المنافع سواء داخل المناطق الخاضعة لسيطرة النظام أو تلك الخارجة عن سيطرته». مؤكدا وحسب معلوماته أن زعماء تلك الشبكات جنوا أرباحا كبيرة خلال العامين الماضيين، بينما الجوع والحاجة ما يزالان ينهشان بغالبية السوريين. حتى إن مظاهرات خرجت مؤخرا في مدينة دوما في الغوطة الشرقية بريف دمشق، والواقعة تحت سيطرة جيش الإسلام بزعامة زهران علوش كانت أشبه بـ«ثورة الجياع»، بحسب الناشط الذي قال «إن الأهالي احتجوا على احتكار التجار للبضائع التي قفزت أسعارها بشكل هستيري إثر إغلاق معبر مخيم الوافدين، الذي تهرّب منه السلع والمواد الغذائية للغوطة. وقام المتظاهرون باقتحام المستودعات الخاصة بالتجار، وتعرضوا لإطلاق نار من قبل الحراس كما تحركت الجماعات المسلحة المسيطرة لقمعهم، وملاحقة عدد من الناشطين المدنيين الذين اتهموا بالتحريض».

من جانب آخر كشفت آموس التي أثنت على تحقيق قرار الأمم المتحدة «بعض النتائج الطيبة» أن «عدد الذين لقوا مصرعهم منذ اندلاع الأزمة في مارس 2011 بلغ 69 شخصا حتى الآن»، وقالت «على الرغم من الدعوات المتكررة من مجلس الأمن لوقف القتال، لا تزال التقارير تتحدث عن استمرار انتهاكات حقوق الإنسان وقتل المدنيين ووحشية تنظيم داعش كل يوم». مؤكدة على التزام المنظمات الإنسانية بمواصلة عملها داخل سوريا. مشيرة إلى أن عدد النازحين السوريين «يشكل أكبر عدد من النازحين في العالم بسبب النزاع». وأن أكثر من نصف سكان البلاد أجلوا عن منازلهم حيث يبلغ عددهم داخل سوريا 7.6 مليون شخص في حين لجأ 3.2 مليون إلى دول الجوار.

وقالت آموس إن الصراع الجاري في سوريا «يؤثر على كل سوري، فمعدل البطالة يبلغ حاليا 54 في المائة، و75 في المائة من السكان أصبحوا في حالة فقر، وانخفض معدل الحضور إلى المدارس إلى أكثر من 50 في المائة». وقالت: «سبق أن أعربنا عن الأسف لاحتمال وجود جيل ضائع من الأطفال في سوريا، وقد تحول ذلك إلى حقيقة الآن».

من جهة أخرى، قالت منظمة الصحة العالمية إن 3 مصابين على الأقل أصيبوا قرب دمشق بمرض مداري ينتشر عن طريق الذباب لم يظهر من قبل في سوريا. ويرجع انتشار مرض الدودة الحلزونية (النغف) إلى تدهور النظام الصحي ومستوى مياه الشرب. وقالت المنظمة إن هذا المرض لا يهدد الحياة لكن ظهوره مؤشر على ما آلت إليه الأوضاع الصحية المتردية. وقالت إليزابيث هوف ممثلة منظمة الصحة العالمية في دمشق «نشعر بالقلق الشديد ليس فقط على الحالات الـ3 لكن إزاء تدهور وضع المياه والنظام الصحي».

وقالت هوف «إذا كان هناك وصول ملائم لخدمات المياه والصحة فيمكن وقف المرض، تدعو منظمة الصحة العالمية إلى تحسين مستوى المياه والنظام الصحي في المنطقة وتحاول إرسال أدوات للنظافة».