متقاعدو المناطق الانفصالية.. آخر ضحايا الحرب الأوكرانية

توقف الحكومة عن مد الشرق بالأموال قسم البلاد عمليا ودفع كثيرين إلى الاستجداء

متقاعدون ينتظرون في المحطة لمغادرة دونيتسك الواقعة شرق أوكرانيا من أجل الحصول على معاشاتهم في مناطق أخرى غير خاضعة لسيطرة المتمردين (أ.ف.ب)
TT

بدأت نينا التي توقف راتبها التقاعدي في مدينة دونيتسك بشرق أوكرانيا، الاستجداء «لشراء أدوية للقلب»، وتقول إنها لم تكن تتصور أن يصل بها العمر لتواجه «هذا العار». وعلى غرار نينا نيكيفوروفنا، بات مئات آلاف الأشخاص في المناطق الانفصالية التي تأثرت كثيرا بالنزاع المستمر منذ أكثر من 7 أشهر وعمليات القصف شبه اليومية، لا يتسلمون رواتبهم التقاعدية التي تعد مصدر دخلهم الوحيد.

فمع مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، قررت سلطات كييف التوقف عن إمداد المناطق التي يسيطر عليها المتمردون بالأموال المخصصة لهم في الميزانية، وبالتالي دفع المساعدات الاجتماعية ورواتب التقاعد، مؤكدة بذلك تقسيم البلد بفعل الأمر الواقع. وأقدمت أول من أمس على خطوة إضافية تمثلت في وقف الخدمات البريدية بين الشرق وبقية أنحاء البلاد.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها حول الموضوع أمس عن يفغيني شيبالوف المتطوع في هيئة «مواطنون مسؤولون» التي تقدم مساعدات إلى السكان، قوله إن «السلطات الأوكرانية جعلت بهذا القرار الوضع الصعب أصلا لا يحتمل».

ويلقي رئيس الوزراء الأوكراني أرسيني ياتسنيوك باللائمة على روسيا، المسؤولة الوحيدة كما قال عن «الكارثة الإنسانية» التي يعيشها أكثر من 650 ألف متقاعد في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون. فمنذ أكثر من 4 أشهر يتعين في الواقع على المتقاعدين في هذه المناطق التوجه إلى المنطقة التي يسيطر عليها الجيش الأوكراني، أملا في الحصول على مستحقاتهم، رغم عقبات إدارية لا تحصى. لكن إذا كان في إمكانهم في أغلب الأحيان الاكتفاء بتقديم عنوان وهمي في الأراضي الأوكرانية، فقد بات عليهم تقديم مبرر للإقامة والاستفادة من وضع اللاجئ.

وسرعان ما أدى هذا القرار في بلد ينخره الفساد إلى ظهور وسطاء يعرضون أوراق الإقامة المطلوبة مقابل 500 هريفنيا (نحو 34 دولارا) لمتوسط راتب تقاعدي يبلغ 1670 هريفنيا (111 دولارا). لكن المتقاعدين يواجهون أيضا صعوبات للوصول إلى الأراضي الخاضعة للسلطات الأوكرانية. فصباح أول من أمس، شكل مئات الأشخاص صفا طويلا في محطة دونيتسك آملين في الحصول على بطاقة قطار تمكنهم من الذهاب من أجل استصدار الأوراق الضرورية. وقالت ايكاتيرينا التي تبلغ الـ70 من العمر «لقد ذهبت قبل أكثر من شهر إلى كراماتورسك للحصول على وثائق تتعلق بتقاعدي. والآن، يتعين علي مجددا الانتظار في البرد، ولست متأكدة أني سأصل إلى نتيجة».

وما زال في كل أنحاء الشرق متقاعدون لا تتوافر لديهم الوسائل ولا الأموال لمغادرة المنطقة. وذكر المتطوع يفغيني شيبالوف «في دونيتسك وحدها هناك نحو 30 ألف شخص لا يستطيعون الانتقال إلى منطقة أخرى أو الحصول على مساعدة من عائلاتهم. ويحتاج كثيرون منهم إلى الأدوية الضرورية، ويجدون أنفسهم اليوم على حافة الموت». وأعربت تاتيانا سولوفييفا (76 عاما) عن أسفها قائلة: «يتركوننا نموت. لا يستطيع أحد أن يقول لنا متى سينتهي هذا الوضع ويحدد لنا المدة التي ما زال يتعين علينا العيش فيها مع الجوع». وتساءلت هذه السيدة التي تقيم في مدية ماكييفكا الصناعية في الأراضي الانفصالية «أنا بلا عائلة، أعيش فقط من راتبي التقاعدي، لكنني بت اليوم من دون هذا الراتب. كنت أطلب المساعدة من جيراني، لكنهم صاروا هم أيضا لا يحصلون على رواتبهم. كيف سأتمكن من العيش في هذا الوضع؟».