تراجع طفيف لأسعار الأراضي البيضاء في السعودية

عقاريون: اشتراط «ساما» توفير الدفعة الأولى يضغط على القطاع العقاري

«ساما» أصدرت في وقت سابق اللائحة الجديدة التي تنص على وجوب توفير30% من قيمة العقار عند الرغبة في الشراء («الشرق الأوسط»)
TT

تشهد أسعار الأراضي البيضاء في السعودية، انخفاضا طفيفا سببه عزوف كبير وشبه توقف في عمليات البيع، التي انخفضت معدلاتها إلى أدنى مستوياتها نتيجة لائحة «ساما» التي تصر على وجوب توفير دفعة أولى تلامس الـ30 في المائة من قيمة العقار أو الأرض، يصاحبها ارتفاع في قيمة العقار، الأمر الذي لم تستطع شريحة كبيرة من المواطنين مجاراته.

ويعتبر هذا الانخفاض بداية حقيقية لنزول وشيك في أسعار العقارات في البلاد، التي تئن تحت وطأة ارتفاع الأسعار إلى مستويات كبيرة، بحسب تأكيدات متعاملين عقاريين أشاروا إلى أن أي ارتفاع أو انخفاض في أسعار العقار عالميا يبدأ من أسعار الأراضي.

ودفع هذا الانقسام العقاريين إلى التنبؤ بمستقبل العقار الذي يعيش فترة عصيبة من التموج في الإقبال والأرباح، فمنهم من أكد أن العقار لن ينخفض نتيجة تحمل المستثمرين أموالا طائلة، خصوصا لمن تعامل في السنوات الأخيرة، ومنهم من أكد أن العقار سينخفض لا محالة خصوصا أن العرض يسجل أدنى مستوياته في سوق تحتاج إلى المزيد من الانخفاض ليجاري المشترين الأسعار الحالية، خصوصا لمتوسطي الدخل الذين يمثلون الشريحة الكبرى من الراغبين في التملك، إلا أن الفترة المقبلة كفيلة بأن توضح نتيجة الضغوطات التي يعيشها العقار السعودي.

وكشف تركي القيضي المستثمر في القطاع العقاري، أن هذا الانخفاض حقيقي ولا يعتبر مفاجئا نتيجة الضغوطات الكبرى التي تعرضت لها السوق في ظل انخفاض الطلب لمستويات كبيرة، واشتراط «ساما» وجود دفعة أولى، الأمر الذي دفع بكثير من المشترين إلى التوقف، رغم أن التمويل العقاري دفع لفترة بسيطة بالمبيعات نحو مستويات أفضل، إلا أن اشتراط الدفعة أعاد الأمور إلى المربع الأول.

وتوقع أن تنزل الأسعار إلى مستويات أكبر نظرا لحاجة كبار المستثمرين إلى السيولة للمضي قدما، وهو الأمر الذي قد يدفعهم للرضوخ بالأسعار نحو الانخفاض والتنازل بنسبة لا بأس بها من الأرباح.

وحول أسباب هذا الانخفاض المفاجئ أكد القيضي، أن الركود الذي طال قطاعات كبيرة من الأنشطة العقارية، لم تستطع معه التحمل أكثر من ذلك خصوصا أن بعض المستثمرين، الذين يمتلكون مساحات شاسعة من الأراضي، بدأوا يتخوفون من المستقبل ومن انهيار أكبر في الأسعار وعودتها إلى وضعها الطبيعي الذي كان قبل قرابة العقد، في ظل الدعم الذي تنفذه الدولة التي ما زالت تعتزم تقديم حزمة أخرى من التسهيلات، خصوصا أن المستثمرين ظلوا محتفظين بأراضيهم لفترة طويلة دون أن يجدوا لها مشتريا، وهو ما انعكس على تراجع الأسعار، والتلويح من فترة إلى أخرى بفرض الضريبة على الأراضي البيضاء.

وكانت مؤسسة النقد العربي السعودي قد أصدرت في وقت سابق اللائحة الجديدة للتمويل العقاري التي تنص على وجوب توفير 30 في المائة من قيمة العقار عند الرغبة في الشراء من جهات التمويل، واستكمال الـ70 في المائة المتبقية عن طريق شركات وبنوك التمويل.

ورغم الجدل الكبير الذي حدث حول جدوى القرار، فإن الأيام المقبلة كفيلة بأن توضح مدى جدوى تطبيقه من عدمها، وهو ما تراهن عليه «ساما» بأنه سيكون ذا انعكاس إيجابي على الأسعار وعلى السجل الائتماني للمواطنين، وحماية المؤسسات المالية والاقتصاد من تعثرات محتملة نتيجة التوسع في إعطاء القروض.

وفي ذات السياق، برر بدر التميمي المتعامل في السوق العقارية، هذا الانخفاض بأنه ما هو إلا استجابة طبيعية للعزوف عن الشراء، خصوصا من قبل الراغبين في التملك وليس الاستثمار.

ولافت إلى أن هناك - فعلا - انخفاضا في أسعار الأراضي البيضاء، ولكن ليس بالشكل المطلوب ولا المأمول، وأن الانخفاض يتركز في بعض الأحياء القديمة، وذلك لتوفير سيولة لدى المستثمرين من أجل الشراء في المخططات الجديدة، وأنهم يعولون عليها في تحقيق الأرباح أكثر من المخططات القديمة التي يمتلكون أراضي فيها، مقدرا نسبة الانخفاض بأنها تلامس الـ5 في المائة وهي نسبة كبيرة إذا ما قيست بسعر العقارات.

وتطرق التميمي إلى أن خفض السعر ليس إلا خيارا يجب الخضوع له، خصوصا أن المستثمرين ظلوا صائمين عن تحقيق الأرباح طوال الفترة الماضية، لافتا إلى أن الانخفاض جاء رغبة من المستثمرين في تحريك السوق وفتح جبهات تجارية جديدة، تمكنهم من جني الأرباح بشكل مضاعف.

وأشار إلى أن السوق لا يمكن أن تستمر في مواجهة الواقع لفترة طويلة، مبينا أنه في حال انخفاض الأسعار فإنه من المتوقع أن تزيد نسبة الإقبال رغم التشدد في منح القروض، لافتا إلى أن المشترين يقاتلون عند الرغبة في شراء العقار ويقدمون جميع التنازلات من أجل الظفر بمنزل العمر، وهذا هو الأمر الذي تراهن عليه السوق مستقبلا.

يشار إلى أن السعودية موعودة بعهد جديد من فرص التملك والبناء، مما أهلها لاحتلال مكانة متقدمة من بين الدول من حيث تزايد المشروعات العقارية الإنشائية، خصوصا أن الحكومة تسعى جاهدة لتسهيل عملية تملك المواطنين للمساكن، مما ينبئ بمشروعات إضافية ضخمة وطفرة عمرانية مرتقبة ستعيد إلى السوق توازنها وتضعها في وضعها الطبيعي.

من جانبه، بيّن عاصم الصعوي الخبير العقاري، أن السوق العقارية بشكل عام ستشهد تراجعا في الأسعار، وفي أقل الأحوال ستعود الأسعار إلى سابق عهدها، ولن يكون انهيار في الأسعار كما حدث في الأسواق الأميركية، نظرا لأن الطلب هنا مرتفع، وأن ما يمنع من الشراء هو الارتفاع المبالغ فيه، بعكس الانهيار الأميركي.

وأوضح الصعوي أنهم كعقاريين غير متخوفين من فكرة انهيار السوق، ملخصا ذلك بقوله إنه مهما كان هنالك ارتفاع في الطلب فلن تخرج السوق عن مسارها، فقط ستعدّل الأسعار، لتسير الحركة العقارية من جديد.

وعرج الصعوي بالحديث نحو شريحة كبيرة من المستثمرين الذين يقاومون لبقاء الأسعار على ما هي عليه، نتيجة شرائهم واستثمارهم في السوق في أوج ارتفاعاتها، وهو سبب يرى أنه كافٍ لقتالهم حتى آخر رمق للحفاظ على ارتفاع الأسعار لاستخراج الأرباح، خصوصا أن هناك أعدادا لا بأس بها تبيع وتخرج من السوق فورا لحين وضوح الرؤية، وعدم المخاطرة في الاستثمار في جو يسوده الضبابية والمجاذبات.

وبيّن أن هذا الأمر هو أكبر دليل على انخفاض وشيك في الأرباح، ولن يكون في يوم وليلة، إلا أنه سيحدث في يوم ما ولن يكون بعيدا، خصوصا في تسجيل السوق انخفاضات جديدة لم يشهدها منذ سنوات طويلة.

وكانت السوق السعودية قد دخلت منحنيات كثيرة وتقلبات منذ فترة طويلة، إلا أن نقص الإقبال كان هو السمة الرئيسية فيها في ظل ارتفاع الأسعار، ورغم توسع الحكومة المحلية في التصريح لطرح الكثير من المخططات الجديدة، وسن القوانين من أجل تحريك عمليات التملك، فإن الحالة العامة للسوق شهدت تباطؤا، إن لم يكن توقفا في تحقيق المزيد من النمو، في دولة تحتاج إلى خطوات كبيرة ومتسارعة، لسد عجز الإسكان الذي يشكل مشكلة رئيسية.