الغنوشي يقنع المرزوقي بالتراجع عن تكليف السبسي بتشكيل الحكومة الجديدة قبل نتائج الرئاسيات

«النهضة» تؤكد عدم دعمها لأي مرشح للرئاسة.. وبعض قيادييها لا مشكل لديهم في دعم السبسي

TT

أكد الرباعي الراعي للحوار الوطني في تونس عن نجاح مساعيه الرامية إلى إرجاء ملف التكليف بتشكيل حكومة تقودها حركة «نداء تونس» إلى ما بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية.

ويقول الدستور التونسي الجديد إنه على رئيس الجمهورية تكليف زعيم الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية بتشكيل الحكومة، وهذا ما أثار جدلا في تونس حول الرئيس الذي سيكلف زعيم «نداء تونس»، وهو الفائز في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي انتظمت في تونس في 26 من الشهر الماضي، لأن رئيس البلاد وهو المنصف المرزوقي مرشح للانتخابات الرئاسية، وهذا ما جعل الأطراف السياسية في تونس والراعية للحوار الوطني تجتمع وتقرر تأجيل التكليف لما بعد الرئاسيات، لكن المرزوقي فاجأ الجميع بإرساله طلب تكليف من السبسي، مما أثار المشكل من جديد، وعده المتابعون تصعيدا مقصودا من المرزوقي تجاه منافسه في الانتخابات السبسي.

وتدخل راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة لدى المنصف المرزوقي لتجاوز الخلاف الحاصل بينه وبين الباجي قائد السبسي. وقال الغنوشي في تصريح إعلامي إن الرباعي الراعي للحوار الوطني وعلى رأسه حسين العباسي رئيس أكبر نقابة عمالية في تونس (الاتحاد العام التونسي للشغل) كلفه بإقناع المرزوقي بوضع حد لموضوع تكليف الحزب الفائز بالمركز الأول في الانتخابات البرلمانية بتشكيل الحكومة الجديدة.

وأضاف أن الرباعي دعاه كذلك إلى إقناع المرزوقي بسحب الطعون المتعلقة بنتائج الدور الأول من الانتخابات الرئاسية، وقال الغنوشي إن المرزوقي أعلمه أنه سيعمل على اختصار آجال الطعون بأقصى ما يستطيع دون أن يعبر عن تخليه عن تلك الطعون.

وكان الغنوشي قد تحول صباح أمس للقاء المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية المؤقت الذي قبل رسميا قبول التكليف بتشكيل الحكومة المقبلة بعد الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، ليضع بذلك هدنة قصيرة بين المرشحين وينهي حدة الأزمة السياسية التي اندلعت خلال الأسبوع الماضي بين الرجلين.

وفتح المنصف المرزوقي ملف التكليف بتشكيل الحكومة بمراسلة وجهها إلى الباجي قائد السبسي يدعوه خلالها إلى تقديم تشكيلة الحكومية الجديدة في غضون أسبوع واحد كما ينص على ذلك الفصل 89 من الدستور التونسي الجديد الذي يحدد مدة أسبوع لتشكيل الحكومة الجديدة بعد الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية.

وثبت المرزوقي موقفه من هذا التكليف بالاعتماد على غموض في نص الدستور، إذ إن الدستور لم يحسم أمر من يدعو إلى التكليف، هل هو الرئيس المؤقت أم الرئيس المنتخب؟. وزاد تقديم الانتخابات البرلمانية على الانتخابات الرئاسية في تعقيد المسألة، إذ أبقى على الرئيس في نفس خطته الدستورية في انتظار الدور الثاني من الانتخابات.

وفي المقابل وجه رئيس «نداء تونس» الخميس الماضي رسالة إلى المرزوقي قدم من خلالها قراءته لأحكام الدستور التونسي وخلص إلى أن من يحق له تكليف الحزب الفائز في الانتخابات بتشكيل الحكومة هو الرئيس المنتخب وليس الرئيس المؤقت. وتمسكت رئاسة الجمهورية بموقفها وردت على الفور بمراسلة أخرى تؤكد من خلالها على أن الفصل 89 من الدستور لم يفرق بين الرئيس الحالي والرئيس المنتخب.

ووفق خبراء في القانون الدستوري، فإن الرسالة التي وجهها المنصف المرزوقي إلى الباجي قائد السبسي باعتباره الحزب صاحب الأكثرية في مجلس نواب الشعب (البرلمان)، تندرج بالخصوص في نطاق المنافسة الحادة بين الرجلين في الانتخابات الرئاسية وليس لها تأثير مباشر على الصلاحيات الدستورية لكل طرف من أطراف السلطات الثلاثة. وأضافت المصادر ذاتها أن المرزوقي كان يعلم أن مصير تلك المراسلة سيكون الرفض من قبل الباجي ولكنه وجهها في محاولة للتأثير على مسار الانتخابات الرئاسية في طورها الأول والتأكيد على أنه هو الرئيس التونسي المباشر.

واجتمع الرباعي الراعي للحوار الوطني يوم أمس بشكل عاجل للنظر في المأزق الدستوري الذي خلفته مراسلة المنصف المرزوقي الرئيس التونسي المؤقت. وأعلن عن نجاح المساعي الرامية إلى تطويق الجدل القانوني والسياسي فيما يتعلق بتكليف رئيس الحكومة وإرجائها إلى ما بعد الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية.

ودعا قيادات الرباعي الراعي للحوار التونسيين إلى «الابتعاد عن كل خطاب من شأنه المساهمة في التوتر السياسي وعدم الانسياق وراء دعوات التفرقة»، وذكر المرشحين إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية بضرورة «التهدئة والتنافس على قاعدة البرامج والتصورات وفي إطار القانون والاحترام المتبادل وحق الاختلاف والتصدي لدعوات العنف والتفرقة وتجنب الإثارة».

وفي السياق ذاته، تدخلت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات للحد من التصعيد بين المرشحين للدور الثاني من منافسات الرئاسة ودعتهما إلى «تغليب المصلحة العامة وتفادي كل أسباب التشنج وتعكير المناخ الانتخابي». واعتبرت في بيان لها نشرته يوم أمس أن الدعوة إلى العنف والتعصب والتمييز تعد «خرقا لأهم مبادئ الدعاية الانتخابية»، وهي على حد نص البيان «جريمة انتخابية» قد تؤثر على النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية.

وتلتقي عدة تحاليل سياسية حول بحث المرشحين إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، عن نقاط ضعف بعضهما البعض وأن مسألة التكليف بتشكيل الحكومة أو تعقب تصريحات الخصم وتأويلها وتوجيه الرأي العام الانتخابي لن تنتهي عند هذا الحد وستتواصل خلال بقية المدة التي تفصلهما عن موعد الانتخابات.

ولئن عبرت بعض الأحزاب السياسية خاصة من التيار اليساري والليبرالي عن دعمها ترشح الباجي قائد السبسي خلال الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، فإن موقف حركة النهضة قد يحدد الكثير من أسباب نجاح أحد المرشحين في الوصول إلى كرسي الرئاسة.

وفي هذا الشأن، جدد راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة موقف حزبه بالتزام الحياد تجاه المرزوقي والباجي تنفيذا لتوصيات مجلس شورى الحركة، غير أن تصريحات بعض القياديين لا تبدو متفقة مع هذا الموقف العام، إذ ذكر العجمي الوريمي القيادي في الحزب في تصريح إعلامي أن «الباجي قائد السبسي صديق للنهضة وربما ندعمه في الدور الثاني» وهو ما أضاف غموضا على الموقف النهائي لحركة النهضة، إذ إنها واقعة في الوقت الحالي تحت ضغط عدة أطراف سياسية دعتها إلى تحديد موقف ثابت من المرشحين للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية.