لبنان بكل أطيافه ودّع صباح في مأتم رسمي وشعبي حضره الآلاف

تلبية لرغبتها اتسمت أجواء وداعها بالفرح والابتسامة.. البطريرك بشارة الراعي وصف غيابها وسعيد عقل بغصنين ينكسران من أرزة الوطن

نعش صباح ملفوفا بالعلم اللبناني يدخل كاتدرائية مار جرجس وسط بيروت (إ.ب.أ) - صباح في عز تألقها أثناء تصوير فيلم «الأيدي الناعمة» (أ.ف.ب)
TT

ودّع لبنان بعد ظهر أمس الفنانة صباح في مأتم رسمي وشعبي، حضره الآلاف من محبيها ومن الشخصيات الفنية والسياسية والإعلامية التي عرفتها. كما ترأس الصلاة على راحة نفسها بطريرك أنطاكية للموارنة بشارة بطرس الراعي مع لفيف من المطارنة ورجال الدين.

وكما في حياتها كذلك في وداعها انشغل اللبنانيون بالإطلالة الأخيرة لفنانتهم التي يلقبونها بـ«الأسطورة»، فتجمّع المئات منهم على طول الطرقات التي مرّ فيها موكب نعشها ليشاركوا في إلقاء النظرة الأخيرة عليها. وتلبية لرغبتها اتسمت أجواء وداعها بالفرح والابتسامة، فرقص اللبنانيون الدبكة على أغانيها ونثروا الورود والزهور على نعشها.

انطلق موكب تشييع الفنانة الراحلة من فندق «برازيليا» (مكان إقامتها) في الحازمية نحو كاتدرائية مار جرجس للموارنة وسط بيروت، وذلك في الحادية عشرة والنصف صباحا بمواكبة سيارات قوى الأمن وسيارات بلديات القرى المحيطة ببلدتها بدادون. وفي انتظار وصول النعش إلى وسط بيروت عزفت الفرقة الموسيقية للجيش اللبناني والمؤلفة من ستين عازفا موسيقى أغانيها: «تسلم يا عسكر لبنان» و«تعلى وتتعمّر يا دار»، و«عامر فرحكم» و«شفتو بالقناطر». ومن ثمّ سجّي جثمانها داخل الكنيسة لمدة ساعة ونصف (من 12.30 ظهرا حتى 2 بعد الظهر)، ليلي ذلك مراسم الجنازة.

حضر مراسم الجنازة أقاربها ولفيف من نجوم الفن والسياسة والإعلام، وفي مقدمهم ابنها صباح شماس الذي وصل من مقر إقامته في أميركا منذ يومين لوداع والدته، بينما غابت ابنتها هويدا عن المناسبة لإصابتها بانهيار عصبي، كما تردد. ومن الفنانين الذين توافدوا إلى مكان تشييع صباح، نجوم من مصر كإلهام شاهين وسمير صبري وبوسي شلبي ولبلبة، ومن لبنان نجوى كرم وراغب علامة وزين العمر وأسامة ومروان الرحباني وغيرهم من الممثلين والمطربين الذين أبوا إلا أن يشاركوا في وداعها الأخير. كما حضر كل من منى الهراوي (أرملة رئيس جمهورية لبنان الراحل إلياس الهراوي) وجويس الجميل (زوجة الرئيس الأسبق أمين الجميل)، والوزراء إلياس بوصعب ورمزي جريج، وكذلك عدد من النواب أمثال أنطوان زهرة وحكمت ديب وغيرهما. ووصف البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي الفنانة الراحلة بالإنسانة التي زرعت الفرح أينما حلّت، إن من خلال أعمالها الفنية وأناقتها أو بابتسامتها الدائمة وتواضعها وحبها للغير. وختم الراعي بالقول بأنها رحلت وهي في ذروة فرحها كونها ماتت فقيرة لملاقاة ربّ العالمين كما هي، وبأنه مع غيابها وغياب الشاعر سعيد عقل ينكسر غصنان من أرزة لبنان.

وعند انتهاء مراسم الدفن حمل نعش صباح الملفوف بالعلم اللبناني على أكفّ بعض الفنانين ومن بينهم أنطوان وديع الصافي، بينما راح المحتشدون في الكنيسة وخارجها ينثرون الورود على نعشها. وبعيد ذلك سار موكب تشييع الفنانة الراحلة إلى مثواها الأخير في بلدتها بدادون، ولكن قبيل وصولها إلى هناك عرّج به وبناء على أمنيتها الأخيرة إلى كنيسة القديسة تيريزا (شفيعتها) وذلك في بلدة الفياضية، وبعدها أكملت مشوارها الأخير إلى بلدتها بدادون مرورا بمناطق الحازمية والفياضية وحومال ووادي شحرور، فتم استقبالها في كل بلدة من هذه البلدات بحفاوة من قبل أهاليها ومحبيها، الذين رفعوا لافتات تحمل عبارات مؤثرة في وداعها الأخير كـ«راجعة على ضيعتها وعالأرض اللي حبتها» و«طلّت صباح وغرّد العصفور وعزفت نشيد المجد أرزتنا» و«مرحبتين مرحبتين وينن هالدبيكة وين». وفي مسقط رأسها بدادون رفع أهاليها صور ابنة الضيعة العائدة إلى ترابها بحجم عملاق على أبواب كنيسة البلدة، ولافتات كتب عليها «عطر نعشك ريحتو بخور وشلال صوتك نبع فرحتنا».

ولم تخلُ مراسم تشييع الفنانة الراحلة من بعض الإشكالات بين المصورين الصحافيين وحرس كاتدرائية مار جرجس حيث جرت مراسم جنازتها، بسبب منعهم من الدخول إلى الكنيسة للقيام بمهمتهم كون الحق الحصري لنقل وداع صباح أعطي لقناة «إم تي في»، الأمر الذي أثار استياء الإعلاميين بشكل عام من مختلف الوسائل المرئية والمكتوبة والمسموعة.

من ناحية أخرى ودّعت الفنانة فيروز صباح على طريقتها، فأرسلت إكليل ورد وضع على نعشها وقد كتبت عليه «شمسك ما بتغيب»، بينما كتب نجلها زياد الرحباني على صفحته في «فيس بوك» راثيا الفنانة الراحلة بالقول: «عطيتكن عمرها صباح.. عطيتنا كلنا عمرها، الله يرحمها، الحمد الله انو ربنا سبحانه وتعالى قرر بعد كل هالعذاب انو يرحمها مننا»، بينما كتب الإعلامي نيشان على حسابه الخاص على موقع «تويتر» من مكان الجنازة يقول: «كلنا للوطن... والوطن يودّع صباح، وداعا حبيبة أمّها»، ووصف الفنان راغب علامة الفنانة الراحلة بصلة الوصل الحقيقية بين لبنان والعالم، ورثاها الممثل رفيق علي أحمد بالقول: «لطالما كانت حجرا من حجارة الأساس التي عمّرت لبنان بينما كان السياسيون في المقابل يدمرونه».

أما الممثلة إلهام شاهين فأكدت أنها وصلت خصيصا من مصر لوداع «الصبوحة» وأنها تعود إلى بلدها فور انتهاء مراسم التشييع.

وكانت وسائل الإعلام المرئية في لبنان قد خصصت برامجها ليوم أمس، منذ الصباح الباكر، للفنانة الراحلة فاستضافت «ال بي سي» فنانين عرفوها عن كثب كالمخرج سيمون أسمر والملحن نور الملاح، بينما خصصت محطة «إم تي في» برنامجا نقلت وقائعه مباشرة من باحة كاتدرائية مار جرجس، قدمته الإعلامية ريما نجيم واستضافت فيه بعض أهل السياسة والإعلام والفن الذين توافدوا إلى هناك للمشاركة في جنازة «الأسطورة» صباح. أما وقائع الجنازة والصلاة على نفسها فقد نقلتها مباشرة المحطات التلفزيونية المذكورة إضافة إلى محطات أخرى كـ«الجديد» و«المستقبل» وتلفزيون لبنان الرسمي.