مراكز دراسات مكافحة الإرهاب في أميركا تتجه نحو فهم أعمق للظاهرة

TT

في عام 2012، منح وزير العدل الأميركي إريك هولدر مركز «إن سي تي سي» سلطة جمع وتخزين وتحليل بيانات واسعة النطاق عن مواطنين أميركيين جمعت من مصادر حكومية مثل وكالة الأمن القومي، وغير حكومية. كان الدافع لذلك الاشتباه في تصرفات هؤلاء المواطنين، خاصة خلال تبادل معلومات استخباراتية مع دول أجنبية.

يعد هذا المركز اليوم أحد أهم المراكز المتخصصة في مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة، وهو الذي ينسق العمليات الأميركية والدولية. ويقع مقره في واحدة من ضواحي واشنطن، ضاحية ماكلين (ولاية فرجينيا). وغدا جزءا من مكتب مدير الاستخبارات الوطنية (دي إن آي) الذي يجمع 16 قسما من وكالة الاستخبارات.

ويتخصص «إن سي تي سي» في جمع مجموعات من المتخصصين من الوكالات الفيدرالية الأخرى، بما في ذلك وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، ومكتب التحقيق الفيدرالي (إف بي آي) ووزارة الدفاع.

سبق هذا المؤسسة البحثية تجربة إنشاء مركز تنسيق الخطر الإرهابي «تي تي آي سي»، الذي أسسه الرئيس السابق بوش الابن عام 2003، بعد عامين من هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، وذلك حسب توصية اللجنة الوطنية للهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة، والتي حققت في الهجمات، وكانت أبرز توصياتها أنه «لم تسهم أي من التدابير التي اتخذتها الحكومة الأميركية قبل 9/11 في عرقلة، أو حتى تأخير، مؤامرة منظمة القاعدة». وفي عام 2004، توسع المركز من «تي تي آي سي» إلى الاسم الحالي «إن سي تي سي». ووضع المركز تحت إشراف مكتب مدير الاستخبارات الوطنية.

جدير بالذكر هنا أن المشهد البحثي الأميركي اليوم يعيش تنوعا أكبر في مجمل قراءاته للحالة الإرهابية. وتأتي مراكز مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة في سياقين رئيسيين (حكومية، وخاصة). ففيما تتنوع الدراسات الحكومية بين تحليل العمليات ميدانيا، وأخرى أكاديمية، تنقسم الخاصة إلى نوعين «جامعية، ومراكز غير جامعية».

في عام 1990، بدأ مركز «سي آي إيه سي تي سي» الاهتمام بإنشاء أقسام متخصصة في «حزب الله» في لبنان، وجماعات علمانية مثل الجيش الأحمر في اليابان، والتطرف الإسلامي في الجزائر. إلا أنه في عام 1996، تأسس قسم بن لادن (برئاسة مايكل شوير). وفي تطور لافت، وعكس التنظيمات الجغرافية السابقة، صار الهدف هو التنسيق، وضم موظفين من أجهزة الاستخبارات الأميركية الأخرى. وأسس القسم ما وصفه شوير في ما بعد بأنه «أكبر نشاط جمع معلومات، وعرقلة نشاطات، في تاريخ البشرية».

في عام 2002، بعد هجمات «القاعدة» في نيويورك وواشنطن، بدأت «سي آي إيه» تؤسس مراكز لمكافحة الإرهاب بالتعاون مع أجهزة استخبارات أخرى، لمواجهة الإسلاميين المتطرفين. اليوم، توجد هذه المراكز في أكثر من ثلاثين بلدا حول العالم.

على مستوى المجال الخاص، توجد مراكز لدراسة الإرهاب في كثير من الجامعات الأميركية. تركز في عملها على الدراسات النظرية، ولا تشمل أي عمليات ميدانية.

ومن أهم المراكز الخاصة مركز أبحاث الإرهاب (تي آر سي) الذي يبحث في القضايا العالمية الإرهابية من خلال التعاون مع خبراء أميركيين وأجانب. وأسس المركز خبراء أميركيون في عام 1996. وفي عام 2007، اشترته شركة «بلاك ووتر» الأمنية (كانت تعاقدت مع البنتاغون في العراق بعد غزو العراق عام 2003). وحتى اليوم، يسجل المركز أعلى نتائج محركات البحث التي تبحث عن كلمة «إرهاب». ويتلقى الموقع ما يصل إلى 5.000.000 زيارة في الشهر. كما أشير إليه في الآلاف من الكتب والمقالات الإخبارية والأوراق الأكاديمية.

وفي السياق ذاته، تبرز شركة «آر كي بي» التي تعاقد معها مركز «تي آر سي» لإدارة الموقع. ومؤخرا، اكتشف صحافيون أميركيون أن «آر كي بي» تابعة، بصورة غير مباشرة، لوزارة الأمن الوطني، وأنها هي ذراع الوزارة في مساعدة مراكز مكافحة الإرهاب التابعة للولايات، والمقاطعات، والمدن. وتعمل في المجالين الميداني والأكاديمي.

تحول الإرهاب إلى ظاهرة كونية اليوم، يدفع أكثر فأكثر إلى تبني فهم أبعاد مختلفة من الظاهرة. وتسهم فيه مراكز الدراسات بمجهود تنظيري وفير يسعى إلى إيجاد بدائل تحليلية متجددة. ليس فقط على المستوى الأمني، بل والنفسي والاجتماعي والاقتصادي. وهو مجال يجد توسعا ليس في أميركا فقط بل وفي غالبية دول العالم التي لم يعد أحد منها في منأى عن شظايا الإرهاب المتناثرة.