الطريق إلى جحيم «داعش»

سائقو الشاحنات في رحلات يومية يعبرون أميالا من الأراضي غير خاضعة لسيطرة القانون يهيمن عليها قطّاع الطرق والميليشيات

في الطريق من الأردن إلى العراق
TT

قد يكون هذا الطريق الأكثر خطورة أمام الشاحنات على مستوى العالم، وهو الطريق الممتد من الحدود الأردنية عبر قلب الأراضي الخاضعة لسيطرة «داعش».

أحيانا يغامر العشرات فقط، وأيام أخرى تصل أعدادهم للمئات، من سائقي الشاحنات المتعطشين لكسب مبالغ كبيرة بالمضي عبر الطريق لنقل مختلف السلع من التفاح وحتى المضادات الحيوية إلى عراقيين مدنيين، يعيش الكثيرون منهم تحت الحصار في مناطق تسيطر عليها الجماعة الإسلامية المتطرفة. وتسلط الرحلة التي يخوضها سائقو الشاحنات الضوء على منطقة خطيرة زادت رعبا، منذ سيطرة «الأصوليين» على شمال وغرب العراق هذا العام، تحول الطريق إلى ممر عبر الجحيم، حسب وصف السائقين.

في الطريق إلى بغداد، يواجه السائقون أميالا من الأراضي خالية غير الخاضعة لسيطرة القانون، والتي يهيمن عليها قطاع طرق وميليشيات. ويزداد الأمر سوءا جراء الحواجز التي يضعها «داعش» على الطريق. وأشار السائقون إلى أن الطريق إلى الموصل أسوأ بما يضمه من خطوط لأنابيب النفط وطرق ضيقة مرصوفة بالحصى، ويخلو من البشر فيما عدا مقاتلي «داعش» وعصابات التهريب.

من جانبه، يعمل صلاح علي الدين، عراقي من الفالوجة، سائقا منذ ربع قرن، حيث عايش عهد صدام حسين ثم الغزو الأميركي والاحتلال ثم عقد من حركات التمرد السنية وانتفاضات «القاعدة»، والآن سيطرة «داعش». وأكد أنه خلال مشوار عمله، لم يرَ الطريق على هذه الدرجة من الخطورة قط.

وشرح الوضع بقوله خلال مقابلة معه قرب الحدود الأردنية: «هناك قوات حكومية عراقية تسقط القنابل من السماء، بينما تقع المدن تحت الحصار، وتنتشر نقاط التفتيش وانعطافات عبر الطريق، بجانب لصوص، حيث يرغب الجميع في الاستيلاء على جزء من حمولتك. وما بين (داعش) والميليشيات الشيعية، تتحرك حاملا حياتك على كفيك».

ورغم أن مدينة الرويشيد ليس بها ما يجذب الأنظار، فإن سائقين كثرا أمثال علي الدين يجدون فيها ملاذا لهم أثناء الذهاب والإياب. تعج المدينة بحركة الشاحنات، وتنتشر بها التحصينات العسكرية، بجانب مجموعة من المحال التي تعرض إطارات سيارات مستعملة وأكشاك تبيع وقود قادم من العراق. وعلى امتداد العين، لا ترى إلا الصحراء والرمال ووجوه سائقين يبدو عليها الإرهاق.

وذكر سائق آخر علي الدين بأن يذكر الطائرات التابعة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة التي تحلق فوق رؤوسهم.

وهنا صاح علي الدين: «نعم بالطبع! هذه الضربات الجوية تقتلنا رعبا». ووصف سائق آخر في القافلة التي كان بها علي الدين، ويدعى نجم محمود «داعش» بأنهم «مافيا».

يذكر أنه لم يكن لدى أي من سائقي الشاحنات العراقيين الذين التقيناهم معرفة مباشرة بأي سائق تعرض للاختطاف أو القتل، لكنهم يدركون جيدا الوحشية التي يشتهر بها المسلحون. كان طريق الشاحنات من الأردن إلى العراق من الطرق المزدهرة ذات يوم، حيث قدرت حركة التجارة عليه بمليار دولار سنويا، تبعا لبعض التقديرات. خلال عهد صدام حسين، بلغ عدد الشاحنات التي تدخل العراق يوميا قادمة من الأردن 2.000 شاحنة، لكن هذا الرقم ظل يتناقص باستمرار حتى بلغ 400 شاحنة خلال سنوات الغزو الأميركي، تبعا لما أفاده «اتحاد مالكي الشاحنات بالأردن».

ومنذ سيطرة «داعش» على الموصل وأجزاء واسعة من محافظة الأنبار في يونيو (حزيران)، تراجع العدد إلى 30 شاحنة في بعض الأيام، حسبما ذكر محمد خير داود، رئيس الاتحاد. بيد أنه مع تعمق الصراع داخل العراق، ارتفع الطلب على السلع الأردنية في غرب العراق. ويطلب المستوردون وتجار الجملة والتجار، بل وأفراد عاديون، آلاف الأطنان من السلع الجافة والمواد الطبية والخضراوات ومواد البناء، وهي مواد تعيش المدن المحاصرة مثل الفالوجة والرمادي والموصل بمعزل عنها في معظمها.

وعليه، لا تزال مجموعة من الأردنيين والباكستانيين واليمنيين والعراقيين يخوضون هذه المغامرة، منجذبين بأجور تبلغ ضعف و3 أضعاف ما اعتادوا الحصول عليه من قبل. ويحرص السائقون على التحرك في شكل قوافل.

وعلق داود على الأمر بقوله: «حاليا يشكل الأردن شريان الحياة لغرب العراق، ورغم تحذيرنا لسائقي الشاحنات حيال الخطورة البالغة للطريق، فإنه يتعذر عليهم رفض إغراء المال».

يذكر أن السائقين العاملين في النقل التجاري للعراق بإمكانهم كسب 3 أضعاف راتبهم الشهري البالغ 280 دولارا خلال أسبوع واحد. وذكر الاتحاد أن شركات الشحن تعرض أيضا على السائقين العاملين عبر ذلك الطريق علاوات وبدل مصاعب وبدلات أخرى إضافية للطعام والوقود. وبمقدور السائقين الذين يعملون على شاحنات مملوكة لهم كسب 2.000 دولار في الرحلة الواحدة، لكنهم أوضحوا أن الرحلة التي كانت تستغرق عدة أيام من قبل قد تمتد الآن لأسبوع أو أكثر.

من ناحيته، قال داود إن أحدا من أعضاء الاتحاد لم يتعرض للقتل أو الاختطاف، حسب علمه. إلا أنه لا يعلم تحديدا الحال بالنسبة للسائقين العراقيين الذين يهيمنون حاليا على الطريق التجاري بين البلدين. وفي الوقت الذي توجد قوات الأمن بكثافة على الجانب الأردني من الحدود، يبدو الجانب العراقي صحراء قاحلة فحسب.

* خدمة «واشنطن بوست» ــ خاص بـ»الشرق الأوسط»