اختتام فعاليات منتدى مراكش وسط ارتياح المنظمين.. والحقوقيون يضربون موعدا في الأرجنتين

سخونة النقاش في المنتدى العالمي لحقوق الإنسان تنسي المشاركين برودة طقس مراكش

TT

أجمعت كلمات المشاركين في حفل اختتام فعاليات الدورة الثانية من المنتدى العالمي لحقوق الإنسان في مراكش أمس على أن حقوق الإنسان نضال متواصل على المدى الطويل. وقال إدريس اليزمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إن «المنتدى لم يتمخض عن إعلان واحد، بل عن عشرات الإعلانات، نظرا لتعدد المواضيع المبرمجة وقيمة التوصيات والمقترحات».

ومن جهتها، قالت نافي بيلاي، المفوضة السامية السابقة لحقوق الإنسان، «إنها فخورة بأن تكون في المغرب، ثاني دولة تنظم المنتدى العالمي لحقوق الإنسان، بعد البرازيل، في انتظار الأرجنتين التي ستستقبل فعاليات الدورة الثالثة، العام المقبل»، وسجلت بيلاي أن هذه الدول الـ3 تحسب على الجنوب وهي في تطور ونمو، الشيء الذي يؤكد أن حقوق الإنسان ليست خاصة بدولة أو مجموعة بشرية بعينها، بل موروث إنساني. وبعد أن توقفت بيلاي عند الأبعاد التي يمثلها المغرب، بوجوده في منطقة تطرح تحديات حقوقية على عدة أوجه، حيت بيلاي العاهل المغربي الملك محمد السادس خاصة فيما يتعلق بدعوته في رسالة الافتتاح أفريقيا إلى أن تنتج الحقوق لا أن تستهلكها.

ووزعت فيرينا تايلور، ممثلة الأمين العام لمجلس أوروبا لحقوق الإنسان، كلمتها على محاور كونية حقوق الإنسان ودور المجتمع المدني والتحديات والآفاق الجديدة لحقوق الإنسان؛ ورأت أن حقوق الإنسان ليست نظريات وأحلاما طوباوية، مشددة على أنه لن يكون هناك قانون دون حقوق إنسان، وبالتالي لن تكون هناك تنمية. وقالت تايلور إن «حقوق الإنسان مفهوم واسع كلما كسبنا حقوقا طمعنا في المزيد». كما شكرت تايلور العاهل المغربي على الرسالة القوية التي وجهها إلى المشاركين، وأثنت على سلطات بلاده التي حضرت أسباب نجاح التظاهرة، وأشادت بالأشواط التي قطعها المغرب على درب حقوق الإنسان، التي كرسها في دستور 2011

من جهته، سجل ميشيل فورست، المقرر الخاص المعني بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، أنه غالبا ما ينظر إلى المدافعين عن حقوق الإنسان كمشبوهين، مشددا على أن السلام الحقيقي يمكن أن نصل إليه عبر احترام الحقوق الأساسية. ودعا الناشطين الحقوقيين إلى إقناع الدول والحكومات بتتبع الممارسات الفضلى فيما يتعلق بحقوق الإنسان.

من جهته، شدد ميشال توبيانا، رئيس الشبكة الأورو - متوسطية لحقوق الإنسان، على حق الفلسطينيين في أن يعيشوا داخل دولتهم، منتقدا الغياب التام للعدل فيما يخص حقوق الفلسطينيين. وبعد أن سجل عدم تحقق الآمال في مصر وليبيا والجزائر وسوريا والعراق، تأسف للانغلاق الذي يلاحظ في الضفة الشمالية من حوض البحر الأبيض المتوسط، وهو انغلاق يجعل من الحوض المتوسطي مجالا للتمييز، منتقدا صعود تيار محافظ ورجعي ينادي بغلق حدود أوروبا.

كما تدخلت بسمة بلعيد، زوجة شكري بلعيد، النائب والحقوقي التونسي المغتال؛ فيما أكد الفنان اللبناني مارسيل خليفة أنه كتب موسيقاه للدفاع عن حقوق الإنسان، قبل أن يطلب من القاعة أن تغني معه أغنية «منتصب القامة أمشي».

وأكد المنظمون في بيان جرى تعميمه بعد نهاية أشغال المنتدى أن التظاهرة عرفت حضور 7000 مشارك من 95 دولة وتحولت قرية المنتدى، على مدى 4 أيام، إلى تجمع عالمي أو بالأحرى إلى سوق عكاظ حقوقية يناقش كل الإشكاليات والقضايا المرتبطة بحقوق الإنسان عبر العالم. وجعل تنوع وغنى المواضيع المطروقة وقيمة المتدخلين عددا من المهتمين والمتتبعين لقضايا حقوق الإنسان، في حيرة من أمرهم، بين أن يميلوا إلى هذا اللقاء من دون الآخر.

وأبرزت الأرقام الخاصة ببرنامج فعاليات المنتدى أهمية الحدث وقيمته، من خلال 50 منتدى موضوعاتيا، 12 منها خاصة بالمرأة، و11 ورشة تكوينية، و15 لقاء خاصا، و18 لقاء داخليا، و20 نشاطا ثقافيا، و41 نشاطا مسيرا بشكل ذاتي. وخلفت الكلمة التي وجهها الملك محمد السادس إلى المشاركين في المنتدى، خلال حفل الافتتاح، والتي جاءت قوية في مضمونها الحقوقي، بأبعاد وطنية وقارية وعالمية، ارتياحا كبيرا وإشادة قوية من طرف المتتبعين للتحولات الإيجابية التي شهدتها المملكة المغربية في السنوات الأخيرة.

وقال مصدر مطلع لـ«الشرق الأوسط» تابع الخطاب الملكي، إن «هذا الأخير يمثل خارطة طريق، والتزاما قويا فيما يتعلق بالدفاع عن حقوق الإنسان». وأضاف المصدر ذاته أن «الحضور العددي والنوعي في مراكش يؤكد المكانة التي أضحى يمثلها المغرب فيما يتعلق بتعزيز حقوق الإنسان».

وعلى عكس برودة الطقس وتواصل هطول الأمطار بغزارة على مراكش، تميزت فعاليات المنتدى بسخونة لافتة، خصوصا فيما يتعلق بالمنتديات الموضوعاتية والورشات واللقاءات الخاصة المبرمجة، إذ أنست النقاشات المشاركين طقس مراكش الماطر.

وأكد خوسي لويس رودريغيث ثاباتيرو، رئيس الحكومة الإسبانية السابق، أن الديمقراطية وتعزيز التكامل والتعاون بين البلدان يشكلان شرطين أساسيين لإقرار السلام وحماية حقوق الإنسان عبر العالم. وقال ثاباتيرو، خلال لقاء مناقشة نظم ضمن أشغال المنتدى، إن «الديمقراطية هي أفضل نظام سياسي يقود إلى السلام ويقلل العنف ويحد من خروقات حقوق الإنسان في دول العالم»، داعيا إلى العمل على نشر الديمقراطية، لأن ذلك يقلل مخاطر العنف داخل المجتمعات وعلى الصعيد الدولي، مشددا على ضرورة استخلاص الدروس من حالات العنف والصراع التي طبعت تاريخ البشرية، مبرزا أن الفضاء الأوروبي طالما كان معتركا للحروب والنزاعات، لكنه تحول اليوم، بفضل تعزيز الديمقراطية داخله، من قارة متوحشة إلى فضاء كبير للسلام والاندماج. وأشار ثاباتيرو إلى أن التاريخ علمنا أن التعصب، سواء كان قوميا أو دينيا أو اقتصاديا، يشكل خطرا على السلام، مؤكدا، في السياق ذاته، أن الاتحاد والتعاون بين الأديان وتعزيز حوار الحضارات كفيل بتبديد هذا الخطر. واعتبر ثاباتيرو أن غياب مؤشرات على حرب عالمية اليوم يعود إلى كون الديمقراطية تعززت بشكل واضح خلال الـ20 سنة الأخيرة عبر العالم، موضحا أن التعصب والديكتاتورية والفقر وتجارة المخدرات عوامل تزيد احتمالات غياب السلام، مشيرا إلى أن التوافق حول مشروع مشترك لتعزيز الديمقراطية كان هو سبب نجاح تجارب التغيير التي جاءت مع الربيع العربي في بلدان من دون أخرى افتقدت إلى هذا التوافق.

وشدد مصطفى الخلفي، وزير الاتصال (الإعلام) الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، في ندوة حماية الصحافيين ومكافحة الإفلات من العقاب، على ضرورة تطوير آليات وطنية للرصد والتوثيق بشأن حالات الاعتداء على الصحافيين. فيما سجل عبد الله البقالي، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، تزايد حالات الاعتداء على الصحافيين عبر العالم، وإن كانت تعرف تفاوتا من بلد لآخر، مؤكدا أن الاعتداء على الصحافيين يعد جريمة مكتملة الأركان، وأنه لا يمكن اعتبار ذلك مجرد ممارسة تنظيمية من طرف قوات عمومية. وأبرز البقالي أن تقارير المنظمات الدولية المعنية تشير إلى أن الدول الـ10 التي تتصدر قائمة الاعتداء على الصحافيين هي تلك البلدان التي تغيب فيها السلطة المركزية ويقل فيها منسوب الديمقراطية وتضعف فيها دولة الحق والمؤسسات.

وشكلت ندوة حقوق الطفل مناسبة لبحث الرهانات ذات الصلة بحقوق الطفل على المستوى الإقليمي والدولي، وفضاء لاغناء النقاش حول التحديات التي يتعين بلوغها، لضمان غد مشرق يمنح الطفولة حقوقها الكفيلة لتأمين حياة كريمة لها.

وبعيدا عن سخونة النقاش الذي طغى على القاعات التي غصت بالمشاركين، اختار بعض الحقوقيين تنظيم وقفات جماعية أو اعتصامات فردية، داخل قرية المنتدى. وكان لافتا للانتباه مصادفة قياديين وأعضاء في منظمات وجمعيات حقوقية مغربية أعلنت مقاطعتها المنتدى، في قرية المنتدى، الشيء الذي عده أحد المتتبعين للشأن الحقوقي والسياسي في المغرب مقاطعة على الطريقة المغربية. وقال أحد المنظمين لـ«الشرق الأوسط» إن «الأغلبية المطلقة للفاعلين في المجتمع المدني شاركت في منتدى مراكش، وأسهمت في تعزيز قضايا حقوق الإنسان، في الوقت الذي اختارت فيه أقلية أن تبقى خارج هذا النقاش العالمي، حيث قامت بمنع نفسها بنفسها، بتفضيل أجندتها السياسية الخاصة بعيدا عن الدفاع عن قيم حقوق الإنسان».