مقهى «أنتيكو» في روما.. أسسه يوناني من بلاد الشام عام 1760

متحف خاص للجمهور يحتوي على 300 لوحة فنية

«أنتيكو» أشهر المقاهي في روما - مقهى راق يجذب الشعراء والكتاب والفنانين
TT

إنها أشهر المقاهي في روما وإذا لم تزرها تعتبر زيارتك للعاصمة الإيطالية لاغية. سميت قهوة اليوناني القديمة أو «أنتيكو كافيه غريكو» لأن مؤسسها عام 1760 نيقولا ديلا مادلينا اليوناني الأصل قدم من بلاد الشام أثناء الحكم العثماني ليفتتح مقهى راقية جذبت الشعراء والكتاب والفنانين في الرسم والموسيقى. الفكرة جذابة لأنها تخلط الفن والشعر بالقهوة الإيطالية من الاسبريسو (لا الاكسبريسو) إلى الكابوتشينو (القهوة بالحليب) حيث تجلس على الكراسي والطاولات الصغيرة الفخمة وترى الجدران مزينة باللوحات الجميلة. حين تزور وسط روما وساحة إسبانيا بالذات وتمر على أشهر شارع للتسوق الفخم المسمى « فيا كوندوتي» سترى أقدم مقهى في روما بجوار محلات برادا وغوتشي.

قابلت داميانو مانيلي مدير المقهى والمهندس كارلو بيليغريني المسؤول عن إدارة هذا الصرح التاريخي وكانا يتفحصان مذاق الحلوى التي يتم إنتاجها في الطابق العلوي للمقهى ليعطيا الأذن بتقديمها للزبائن. معيار الحكم هو كيف تشبه الحلويات المقاييس التي كانت تستعملها الجدات في تحضير الكعكة وحلويات اللوز (تورونيه أو نوغا) وعجن وخبز المرقوق والفطائر والحلويات الصغيرة. قال مانيللي إن «سر النجاح يكمن في تقديم الحلويات الطازجة كل يوم والقهوة التي لم يمض على تحميصها أكثر من شهر».

لهذه الأسباب والمواصفات لتأمين الجودة العالية أصبح المقهى علامة مميزة لروما، فإذا استعرضنا لائحة طويلة للمشاهير والزبائن الذين قصدوه عبر التاريخ نرى الأسماء التالية: ملك بافاريا (قبل الوحدة الألمانية) لودفيغ الثاني والمخرجين السينمائيين باسوليني واورسون ويلز والكتاب هانز كريستيان أندرسن وغوته وشاتوبريان وستندال وتورجنيف وهنري جيمس وابسن وجيمس جويس ومارك توين وتوماس مان وألبرتو مورافيا والشعراء بايرون وكيتس وغابرييل داننزيو ومؤلفي الموسيقى الكلاسيكية فاغنر ومندلسون وبيزيه وبرليوز وليست وغريغ وروسيني والمايسترو توسكانيني ومن الفلاسفة نيتشه وشوبنهور وماريا زامبرانو والرسامين والنحاتين كورو وكانوفا وانغرس وانجيلكا كوفمان واورفيو تامبوري وريناتو غوتوزو (وله لوحة شهيرة معروضة في المقهى) وكذلك زميله المشهورجورجيو دي كيريكو وشخصية معروفة في الغرب الأميركي وأيام رعاة البقروهو بافالو بيل. أغلب الزبائن حاليا (70 في المائة) من السياح الأجانب الروس والصينيين والأميركان والألمان وغيرهم والأقلية (30 في المائة) من أهل البلد الذي يعاني من الانكماش الاقتصادي.

يكلف فنجان القهوة الآن إذا جلست على الطاولة 6 يوروهات (أو 7 دولارات ونصف) وإذا تناولته واقفا فينخفض الثمن إلى يورو واحد و30 سانتيما (أي دولار واحد و60 سنتا). الحلويات المرغوبة والأكثر طلبا من الزبائن، حسب ما ذكره مانيلي، هي من النوع المعروف في نابولي (باستييرا نابوليتانا باللوز والكريمة) وكعكة الفستق وكعكة جبن الريكوتا الطازجة من حليب الغنم. وبوظة (أو جيلاتي) الفواكه وتصنع أيضا في المقهى، ويقدمون أيضا بعض الأطباق المحدودة لطعام الغذاء بالإضافة إلى الشطائر والساندويتشات مثل كعكة الباذنجان بالطماطم والجبن ولحم العجل مع صلصة سمك التن. يقول بيلليغريني إنه ينوي مع مانيلي زيارة قطر والإمارات في الشهر القادم لبحث إمكانية فتح فروع لهذا المقهى المحبوب في البلاد العربية لكي يتمتع الزبائن العرب بالحلويات الإيطالية الطازجة والقهوة الإيطالية الأصلية.

إذا أردت الاستمتاع بزيارتك لهذا المقهى التاريخي القديم والأكثر شعبية في روما عليك أن تأخذ مكانك على طاولة رخامية وتجلس على كرسي تقليدي مغلف بالمخمل الأحمر وتنادي الندل بلباسه الرسمي الأسود وكأنه يعمل في القصر الجمهوري لتشعر أنك انتقلت إلى الأيام الغابرة، وعليك أن تتأمل 300 لوحة منتشرة في القاعة وكأنك في متحف من أحد 4000 متحف في إيطاليا. إذا انتبهت جيدا ستلاحظ لوحة ثمينة للمقهى نفسه من الداخل رسمها غوتوزو (1912 – 1987) وأصله من مدينة باقرية في جزيرة صقلية والحائز على جائزة لينين للسلام عام 1972 ويظهر فيها الرسام دي كيريكو (1888 – 1978) والكاتب المسرحي والشاعر الفرنسي غليوم ابولينير ومعهم بافالو بيل (واسمه الحقيقي ويليام كودي وهو من أبطال الحرب الأهلية الأميركية في القرن التاسع عشر ورعاة البقر المشهورين)، أما أهم لوحة فهي «قارب الحياة» (باركا ديلا فيتا بالإيطالية) للرسام المشهور بلوحاته التاريخية دومينيكو موريللي (1826 – 1901). كلفة زيارة هذا «المقهى - المتحف» هي 10 دولارات ثمن ألذ قهوة للكابوتشينو في روما. نظرت حولي فرأيت عروسا إيطالية بثوب العرس الأبيض وهي تتناول الكابوتشينو بتلذذ مع رفيق حياتها وكأن زيارة أنتيكو كافيه غريكو هي جزء من احتفالات الزفاف.