أشهر سرقات المتحف القومي في الخرطوم تطال أشجار الحديقة العتيقة

قيمتها 700 ألف دولار من الصندل وزرعت مع وضع حجر الأساس

معروضات للحضارة النوبية في الشمال
TT

تعرض المتحف القومي السوداني لأطرف عملية سرقة في تاريخه وهي عبارة عن سرقة شجرة صندل مزروعة في فناء الحديقة المترامية الأطراف على جانبي بحيرة صناعية ترمز لنهر النيل تمثل الشجرة المزروعة قيمة تاريخية لأنها زرعت مع وضع حجر الأساس للمتحف في عام 1962 الذي تم إنشاؤه لحاجة عاجلة وهي الخوف من غرق معظم الآثار السودانية في بحيرة ناصر التي نشأت نتيجة لبناء السد العالي في مصر. وكانت حملة عالمية لإنقاذ آثار منطقة النوبة قد قامت بها هيئات عالمية تابعة لليونيسكو ساهمت بخبراء في هذا المجال وتم افتتاحه في مايو (أيار) 1971 (عهد الرئيس الراحل جعفر نميري).

شجرة الصندل المسروقة تمثل قيمتها 4 ملايين جنيه سوداني (700 ألف دولار)، لأن خشب الصندل معروف عنه من أغلى أنواع الأخشاب في العالم بالإضافة إلى أنه من أهم أنواع البخور ويدخل في تركيبة كثير من العطور السودانية والعالمية.

السارق استخدم منشارا كهربائيا لقطع الشجرة وتقطيعها إلى أجزاء حتى يسهل حملها من المساحة الواسعة للحديقة، ووجود باب على مسافة قريبة ساعد اللص على تنفيذ جريمته بسهولة ويسر خاصة أنها تمت في يوم عطلة المتحف وغير معروف كيف تمكن اللص من معرفة أن هذه الشجرة هي شجرة صندل تشتهر الهند بزراعته وبطبيعة الحال جلبت منها هذه الشجرة لتزرع في فناء المتحف. ومن المفارقات أن كثير من العاملين بالمتحف لم يكونوا يعلمون بوجودها أصلا لوجود عدد مقدر من أشجار النيم بالقرب منها.

ويصف السيد الأمين وديع الأمين مراقب متاحف وضع الحديقة وما تحتويه قائلا: بها مقبرة لأمير نوبي من منطقة «دبيرة» بقرب وادي حلفا ومعبد سمنة شرق وسمنة غرب موضعين على ضفتي البحيرة التي تمثل نهر النيل وتوجد أيضا مظلة الكتابات ومعبد بوهين ومعبد عكشا وأعمدة كنيسة فرس، وقد روعي في تصميم الحديقة الوضع الجغرافي لكل هذه الآثار وعلى الطرف الآخر من الحديقة يوجد عدد من الأشجار تتناثر تحتها بعض الآثار الخاصة بطريقة تعذيب السجناء أو آلهة كانوا يعبدونها وتمثل رمز القوة لهم.

ومن جهتها، تصنف السيدة غالية جار النبي أمينة أمانة المتاحف لصوص المتحف بنوعين:

أولا: فئة تستهدف آثارا تعرف قيمتها التاريخية والمادية؟ وثانيا: فئة لا تستهدف سوى الذهب؟

مضيفة أنه من أشهر السرقات التي تعرض لها المتحف القومي هي سرقة 54 قطعة أثرية 2003 تمثل عصورا مختلفة لكن أهم قطعة فيها كانت لجمجمة وتمكنت السلطات من إعادة جميع القطع وهي معروضة الآن بصالة العرض. وفي عام 1991 تمت سرقة ذهب من صالة العرض والسرقة الثالثة أيضا كانت لذهب لم يكن السارق مهتما بالآثار إنما فقط بالذهب الموجود داخل الصناديق الزجاجية التي قام بتكسيرها واحدا تلو الآخر، ومرة أخرى سرق خاتم ذهب تمكنت السلطات من إعادته لاحقا.

وتؤكد غالية أن اللصوص في الغالب يستخدمون السطوح وفتحات التهوية العلوية للولوج إلى داخل المتحف ليتمكنوا بعدها من سرقة ما يشاءون ويخرجون بنفس الطريقة التي دخلوا منها.

وتصف غالية وجود شبكة من خبراء أجانب وذوي خبرات عالية في مجال الآثار الفرعونية زاد من عدد السرقات خاصة خارج المتحف بمعنى أن البعض يكتشف آثارا عن طريق الصدفة ولا يتم التبليغ عنها بل يقومون ببيعها لهؤلاء الأجانب الذين يعرفون قيمتها التاريخية وطريقة تسريبها إلى خارج السودان.

عدم عرض الذهب في صالات العرض في المتحف القومي كان أحد التدابير الوقائية خشية تعرضه لسرقة وتم الاحتفاظ به في خزينة مؤمنة تابعة للمتحف، حسب ما قالته غالية جار النبي.

وأضافت: «إن عدد القطع الموجودة من الذهب في المخزن نحو 80 ألف قطعة أثرية، لا يمكن عرضها كلها في آن واحد لكن نقوم بعملية إحلال من وقت لآخر للقطع حتى يتمكن الجمهور والمهتمون بالآثار من رؤيتها. وأيضا التعاون الدولي تجاه عمليات سرقة الآثار والاتجاه نحو إرجاعها إلى دولها الأصلية ساعد كثيرا في إرجاع القطع المسروقة من الآثار السودانية.

والحديث عن دور الهيئات العالمية المهتمة بالآثار يجرنا إلى التطرق إلى أن الشرطة البريطانية تمكنت من ضبط آثار سودانية مسروقة من المتحف القومي تباع في حوانيت الآثار في العاصمة لندن وقامت بتسليم أثرين ذوي قيمة تاريخية عالية وهما عبارة عن أجزاء تمثل حضارة كوش.

ومن المتاحف العالمية التي تضم آثارا سودانية متحف الأفروأميريكين ويوجد به قطع لأهرامات ملكية في نوري لغرفة دفن الملك اسبالتا، ومتحف بوسطن ومتحف بروكلين للفنون ومتحف المتروبوليتان للفنون، ومتحف ومعهد الدراسات الشرقية في جامعة شيكاغو، ومتحف اللوفر يضم آثارا فرعونية للأسرة 25 التي كانت تحكم مصر والسودان، ومتحف وارسو الوطني، ومتحف بوزنان في بولندا ثم متحف اورتايو الملكي بتورونتو، وأخيرا متحف الدولة بميونيخ الذي يضم ذهب الملكة أماني الذي تم سرقته من الهرم السادس عن طريق مستكشف إيطالي. كل هذه الآثار موجودة بالخارج لم يطالب السودان باستردادها، حسب ما قالته غالية.