سليم الجبوري خارج دائرة التقليد

من مطارد بتهمة «الإرهاب» إلى رئيس للبرلمان العراقي

TT

على الرغم من أن أبرز ما يؤخذ على العملية السياسية في العراق هو أنها تعيد إنتاج نفسها منذ عام 2003 بكل زعاماتها وقادة أحزابها وكتلها ومكوناتها، فإن ما يبدو الأكثر لفتا للنظر هو وصول 3 شخصيات وإن بدت بمواصفات أكاديمية خاصة، فإن المصادفات لعبت دورا في اختيارهم.

سليم الجبوري رئيس البرلمان العراقي الذي اختاره العرب السنة ممثلا لهم في رئاسة البرلمان هو أحد هذه الشخصيات، بالإضافة إلى كل من رئيس الجمهورية الدكتور فؤاد معصوم، ورئيس الوزراء حيدر العبادي.

بالنسبة للجبوري، لم يتصل الأمر بمصادفة الاختيار لهذا المنصب بعد أن تراجعت فرص رئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي في الاحتفاظ ليس بالمنصب فقط بل حتى بزعامة السنة في العراق بعد تراجع كتلته «متحدون للإصلاح» من المرتبة الأولى في الانتخابات السابقة بحصولها على 23 مقعدا في انتخابات عام 2010 لتتراجع إلى 12 مقعدا في انتخابات عام 2014.

الأمر بدا مختلفا تماما للجبوري الذي بقيت تهم الإرهاب تلاحقه طوال الأعوام الأربعة الماضية أيام كان رئيسا للجنة حقوق الإنسان في الدورة البرلمانية السابقة. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد كان أحد أربعة نواب جدد في الانتخابات الأخيرة لم تصادق مفوضية الانتخابات على فوزهم بسبب مذكرات القبض التي كانت قد صدرت بحقهم والتي طالما اتهم رئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي بعدم ترويجها من خلال رفع الحصانة عنه. الجبوري الذي يحمل شهادة الدكتوراه في القانون والذي يحتفظ بهدوئه في أصعب المواقف، تعامل مع تهم الإرهاب الصادرة ضده بنوع من اللامبالاة حتى انتهاء الدورة البرلمانية.. فما إن رفعت الحصانة النيابية عنه، حتى توجه بنفسه إلى القضاء للدفاع عن نفسه حيال أكثر من 9 مذكرات قبض صدرت بحقه. وفي هذا السياق يقول مقرر البرلمان العراقي السابق محمد الخالدي القيادي في كتلة «متحدون» للإصلاح في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك الكثير من مذكرات إلقاء القبض كانت صدرت بحق عدد كبير من النواب، ربما أكثر من 15 نائبا ليسوا كلهم من العرب السنة، لكن من بينم سليم الجبوري، بل هناك من كتل أخرى لا سيما من التحالف الوطني، وكان رئيس البرلمان آنذاك أسامة النجيفي يحيلها إلى اللجان المختصة بعكس ما كان يشاع أنه كان يحتفظ بها في درج مكتبه لأسباب سياسية». ويضيف الخالدي أن «النجيفي كان يتصرف بمهنية في مثل هذه الأمور، وكان واضحا أن الكثير من هذه التهم كانت كيدية أو لأغراض التسقيط السياسي، وهو أمر درجنا عليه للأسف في الدورة السابقة».

الجبوري الذي حصلت كتلته «ديالى هويتنا» على 8 مقاعد في البرلمان العراقي ربما لم يكن هو المرشح السني الأوفر حظا لرئاسة البرلمان حتى الأيام الأخيرة من نهاية الدورة وبدء التفاعلات السياسية الخاصة برفض إعادة تولية رئيس الوزراء نوري المالكي لدورة ثالثة. وبينما كانت قوى التحالف الوطني الشيعي (الصدريون والمجلس الأعلى)، بالإضافة إلى الأكراد والعرب السنة، يصرون على منع المالكي من الولاية الثالثة، لم يكن هناك موقف سلبي حاد من النجيفي إلى أن ضاق الخناق على المالكي تماما فأعلن النجيفي تخليه عن المطالبة برئاسة البرلمان في حال تخلي المالكي عن الولاية الثالثة.

* رب ضارة نافعة

* في تلك الأثناء وبعد أن أعلن القضاء خلو ساحة سليم الجبوري من أي تهمة إرهابية، فقد بدأت أسهم سليم الجبوري ترتفع لجهة كونه الأقرب لرئاسة البرلمان حتى بدا الأمر وكأنه مقايضة من نوع ما حين ظهر الجبوري في مؤتمر صحافي قبيل تشكيل «تحالف القوى العراقية» الذي ضم كل الكتل السنية في كيان واحد، ليعلن أن «تحالف القوى» يؤيد مرشح التحالف الوطني لرئاسة الوزراء. لقد بدا هذا التصريح وكأنه بمثابة إقرار ضمني من الجبوري ومن معه من قيادات ظهرت في المؤتمر بالقبول بالمالكي لولاية ثالثة. ليس هذا فقط، فإن الجبوري وحال إعلان القضاء تبرئته من تهم الإرهاب، التقى المالكي في أوج معركة الأخير بشأن الولاية الثالثة، وهو ما تم تفسيره على أنه نوع من التأييد المعلن هذه المرة للمالكي. ولأن الجبوري يحتفظ دائما بهدوء يحسد عليه، فإنه ترك أسهمه ترتفع على صعيد اقترابه من رئاسة البرلمان بعد أن تحول «تحالف القوى العراقية» إلى كيان متفق عليه. وفي هذا الإطار يقول عضو البرلمان العراقي عن «تحالف القوى العراقية» طلال الزوبعي لـ«الشرق الأوسط» إن «ظهور الجبوري في المؤتمر الصحافي قبيل الإعلان عن تشكيل التحالف لم يكن من أجل تأييد المالكي رغم أن هناك من فهم ذلك بهذه الطريقة، لأن الولاية الثالثة كانت مرفوضة من قبل الجميع، ولكن ما تم إعلانه هو أننا نريد أن نتعامل مع مؤسسة هي التحالف الوطني الذي يتعين عليه ترشيح شخصية من قبله ولن يكون المالكي لأن هناك إجماعا على ذلك»، مؤكدا أن «هدف الجبوري كان تحويل المفاوضات إلى إطار مؤسساتي لكي نستطيع طرح مطاليبنا بطريقة صحيحة ومع طرف يمكن أن نبرم اتفاقا ملزما معه، وهو ما حصل فيما بعد بالفعل».

* حقوق الإنسان أيضا

* وفي الواقع، لم يكن ملف الجبوري بوصفه متهما سابقا بالإرهاب هو الوحيد الذي كان جزءا من الإشكالية التي ظل يعاني الجبوري منها، بل رئاسته للجنة حقوق الإنسان في البرلمان السابق. فمن بين أبرز ما تم تسجيله على الجبوري لدى قيادات وقوى في التحالف الوطني الشيعي على الجبوري هو مشاركته في مؤتمر الاتحاد الأوروبي بشأن حقوق الإنسان في العراق. فقد قوبلت مشاركته بانتقادات واسعة من قبل تلك الأطراف من منطلق أن النواب السنة كانوا منسحبين من جلسات البرلمان العراقي آنذاك. ليس هذا فقط، فقد كان الجبوري وقف بقوة ضد ما عرف بمجزرة الحويجة في أبريل (نيسان) عام 2013، حيث أبلغ «الشرق الأوسط» وقتها خلال رئاسته للجنة التحقيق البرلمانية أن «اللجنة توصلت إلى أدلة قاطعة بشأن ما وقع من أحداث مشينة ومؤلمة، وأن اللجنة سوف تقدم في غضون يومين تقريرها إلى البرلمان»، مؤكدا أن «التقرير يتضمن إدانة لضباط كبار يجب أن يقدموا للمحاكمة على ما اقترفوه من جرائم بحق الأبرياء». وأضاف الجبوري أن «الأمر لم يقتصر على عملية الاقتحام، التي تؤكد كل الحيثيات والوقائع أن عمليات إعدام وقتل وقعت (خلالها)، حيث إن بعض المرضى والجرحى تم الإجهاز عليهم، وهذه بحد ذاتها جريمة ضد الإنسانية، كما أن العملية كانت مبيتة مسبقا».

وبشأن تصريحات وزير الدولة لشؤون البرلمان القيادي بائتلاف دولة القانون صفاء الدين الصافي، بأن الجيش العراقي الذي دخل الحويجة لم يكن يحمل سوى خراطيم المياه، قال الجبوري إن «هذا الكلام كذب صريح، والوقائع تثبت ذلك، حيث إن الجيش كان يحمل أسلحة وهراوات وخراطيم مياه». وأكد الجبوري أن «الأمور باتت في غاية الخطورة ما لم يتم تدارك هذه العملية بشكل سريع ومسؤول». وبشأن الفارق بين ما حصل في حلبجة التي أدين فيها ضباط كبار في الجيش العراقي السابق وحكم على بعضهم بالإعدام من منطلق استخدام الجيش ضد الشعب، وما حصل في الحويجة، قال الجبوري: «إننا لا نجد أي فارق بين ما حصل بالأمس وما يحصل اليوم، وبالتالي، فإن هؤلاء الضباط لا بد أن يدانوا، وإننا مصرون على ذلك».

مع ذلك، فإن وصول شخصية مثل سليم الجبوري إلى رئاسة البرلمان رغم ما يبدو عليه سجله من وضوح وصراحة في مواقف من هذا النوع، وهو ما جعل تهم الإرهاب تلاحقه حتى بعد إغلاق صناديق الاقتراع ليضمن ليس فوزه بل فوزا كاسحا لقائمته «ديالى هويتنا» في واحدة من أكثر المحافظات سخونة في العراق، يعني أن معادلات كثيرة تغيرت في العراق. وإن أبرز ما يمكن ملاحظته على هذه المعادلات هي أنها طالت هذه المرة رأس الهرم السياسي رغم عدم تغيير قواعد اللعبة حسب ما أخبر به «الشرق الأوسط» رئيس السنّ للبرلمان العراقي مهدي الحافظ، قائلا إن «وصول الدكتور سليم الجبوري إلى رئاسة البرلمان كان أمرا حتميا بسبب طبيعة التوافقات السياسية رغم قناعتي أنها خاطئة ويجب أن تتغير بالكامل».

ويضيف الحافظ: «من جانبي حاولت أن أغير قواعد هذه اللعبة عندما تم الترشيح لرئاسة البرلمان، حيث إنه وطبقا لقواعد المحاصصة الطائفية والعرقية، فإن منصب رئاسة البرلمان للسنة ومرشحهم هو الجبوري، ولكني فتحت باب الترشيح لمن يرغب في ذلك من منطلق اللجوء للفضاء الوطني، وبالفعل فقد تقدمت السيدة شروق العبايجي للترشيح في مقابل الجبوري (الجبوري حصل على 194 صوتا مقابل 19 للعبايجي)، لكنه فاز بسبب التوافقات المسبقة». وأشار الحافظ إلى أن «الأمر تكرر عند الترشيح لمنصب نائب رئيس البرلمان الذي كان المرشح له حيدر العبادي حيث رشح أحمد الجلبي نفسه أمامه ولم يتمكن العبادي من الفوز إلا عندما تنازل الجلبي، وكذلك الأمر مع منصب رئيس الجمهورية، حيث تقدم أكثر من 100 شخصية للترشح لهذا المنصب». الحافظ أوضح أن «قواعد اللعبة السياسية الحالية في العراق هي سبب كل ما يعانيه البلد بصرف النظر عن هذه الشخصية أو تلك، لأن هناك نهجا خاطئا يجب أن يتغير حتى يمكننا الحديث عن إصلاح البلد».

وبالمقارنة بين أداء الجبوري الحالي وأداء سلفه أسامة النجيفي، فإن الجبوري لا يزال يحتفظ بهدوء خاص في إدارة جلسات البرلمان مع شيء من الحزم. وانطلاقا من مواصفاته الشخصية، فإن الانطباع السائد داخل أجواء البرلمان تذهب إلى أن هذا الهدوء ليس من ذلك النوع الذي يسبق العاصفة. يضاف إلى ذلك أن المرحلة اختلفت إلى حد كبير. فما بدا كأنه صراع شخصي بين النجيفي والمالكي، لم يعد مرشحا الآن لأن يستنسخ نفسه بين الجبوري رئيسا للبرلمان، وحيدر العبادي رئيسا للوزراء.

وفي سياق عمل الرئاسات الثلاث في العراق كفريق واحد، فإن الجبوري ومن خلال انفتاحه على المحيط العربي يمكن أن يكون له تأثير في سياق عودة العلاقات العراقية – العربية، لا سيما الخليجية منها، إلى مجراها الطبيعي، لا سيما إلى تاريخ ما قبل عام 1990، وهو تاريخ غزو العراق للكويت. ولذلك كانت زيارته إلى المملكة العربية السعودية التي تلت زيارة الرئيس العراقي فؤاد معصوم، محطة مهمة في هذا السياق. يضاف إلى ذلك زيارته الحالية إلى دولة قطر، وهو ما يؤكد أن النهج الذي يسير عليه الجبوري مثله في ذلك مثل رئيس الوزراء حيدر العبادي، يختلف عن نهج سلفيهما نوري المالكي رئيس الوزراء السابق، وأسامة النجيفي رئيس البرلمان السابق.