أوقاتك تحلو بالأزهار والورود

ساعات تحاكي اللوحات الفنية وتنافس التحف في قيمتها

كارتييه - بوشرون - فاشرون كونستانتين - بياجيه - كارتييه
TT

سحر الورود لم يطل المرأة أو صناع العطور فحسب، بل وصل إلى صاغة المجوهرات وصناع الساعات. ومثلما قال النحات الفرنسي أوغست رودان، إن الورود تتحاور مع الفنانين من خلال لغة خاصة «تتمايل فيها سيقانها وتتفتح فيها بتلاتها بألوان تكاد تغني»، برهن الصاغة أنهم أيضا يتمتعون بحس فني يستطيعون من خلاله أن يتقنوا هذه اللغة ويستمعوا لموسيقاها، والدليل أنهم غاصوا في الحدائق الغناء بحثا عن النادر والعجيب منها ليغرفوا منها ويترجموا في باقات صغيرة مرصعة بالأحجار الكريمة ما يحاكي اللوحات في فنيتها والتحف في قيمتها.

هذا الموسم، كما المواسم الأخيرة، اتفق كثير من صناع المجوهرات والساعات على إمتاعنا بباقات ورد في غاية الجمال والدقة. كارولين شويفيليه، الرئيس المساعد والمدير الإبداعي في «شوبارد» تفسر هذا الاتجاه بقولها: «من هي المرأة التي لا تحب الزهور، خصوصا إذا كانت ستمتلك زهرة من الألماس لن تذبل؟». ولأنها على حق، لم يكن غريبا أن تنتشر هذه الموجة مثل النار في الهشيم في معامل وورشات سويسرا وفرنسا، بعد أن شعر صناع الساعات والجواهر أنها تلمس وترا حساسا بداخل المرأة والرجل على حد سواء، على اختلاف الأسباب والغايات، وبالتالي تحقق الربح. فيليب ليوبولد متزيغر، الرئيس التنفيذي لدار «بياجيه»، مثلا، لا يخفي عشقه للنباتات والورود ومدى قوتها، فقد اعترف بأنه قضى وقتا طويلا في الآونة الأخيرة، يتجول في حديقة «قصر دي مالميزون»، وهو القصر الذي كان يضم نابليون وجوزفين بونابرت سابقا، وتفننت جوزفين، المولودة بجزر المارتينيك، في جعله يعبق بالنباتات النادرة والكائنات الغريبة التي جلبتها من الكاريبي مثل الطيور الدخيلة وحيوانات اللاما والغزال والكنغر التي كانت تحوم وتتجول بحرية شبه كاملة.

على مدى أكثر من 15 سنة، استوردت جوزيفين شتى النباتات والورود من العالم بأسره، وغرست في حديقة قصرها أكثر من 200 نبات دخيل في مستنبتات شيدتها في سنة 1805. تشمل حديقة الورود في قصر «مالميزون» أكثر من 250 فصيلة من الورود. المستنبتون الفرنسيون يعتبرون مجموعة ورودها كنزا حقيقيا.

تأثر رئيس «بياجيه» بهذه الحديقة تمثل في إحياء ذكرى الإمبراطورة جوزيفين من خلال مجموعة من الساعات والجواهر المستوحاة من الورود، لكن ليس هذا هو السبب الوحيد الذي جعل الدار تتفنن في تصاميمها، فمؤسس الدار، إيف بياجيه، أيضا، كان يستمد سعادة كبيرة وسكينة نفسية حين يعمل في حديقته يشذب نباتاتها أو يزرعها ويقطف ثمارها، وكوفئ شغفه بالأزهار في سنة 1982 عندما سُميت جائزة المنافسة التي صنعتها دار «ميلاند»، المختصة في زراعة البساتين، باسم «وردة إيف بياجيه». يمكن التعرف على وردة «إيف» بسهولة بفضل بتلاتها الـ80 المسننة (روز بينك) وبفضل عطرها الزكي والفريد. من ضمن المجموعة التي أبدعتها الدار هذا العام نذكر مجموعة «لايم لايت» التي جاءت هذه المرة تحمل اسم «روز باسيون»؛ أي شغف الورود، تتحول فيها العلبة إلى زهرة بـ8 بتلات عندما تتم إدارتها على الرسغ، إضافة إلى أخرى أطلقت عليها الدار اسم «روز باشن» وتم فيها استبدال ظلال البتلات بقطع أحجار بتقنية تظهر فيها تموجات رقيقة على الإبزيم، إضافة إلى تقنيات أخرى تشبه التطريز بالإبرة لإضفاء خدع بصرية (ترومبلوي).

دار «شانيل» أيضا لها اهتمام كبير بالأزهار والورود وعلى رأسها زهرة الكاميليا، التي أصبحت لصيقة بها، وقد ظهرت هذا العام في قرص ساعة «مادموزيل بريفيه». وإذا كانت وردة بياجيه تلعب على التصوير الثلاثي الأبعاد من حيث الاهتمام بالتفاصيل، واللعب على الخدع البصرية، فإن زهرة الكاميليا من «شانيل» أشبه بلوحة من الفن الانطباعي.

وتعتقد كارولين شويفيليه أن الأزهار تؤثر على كثير من مناحي الحياة، بما فيها الموضة، كما لها جانب مرح وممتع، وتقول إن الورود تتيح لها ابتكار تصاميم أنثوية للغاية لا تفتقد إلى التقنيات المتطورة والوظائف المعقدة.

لكن لا يمكن الحديث عن الأزهار والورود من دون التطرق إلى السيد كريستيان ديور، الذي كان يجد راحة نفسية كبيرة، وهو يعتني بحديقة بيت العائلة في غرانفيل، منذ أن كان طفلا صغيرا يساعد والدته. ولا تزال الدار تستغل هذا العشق وتطرح منتجات متنوعة مستوحاة من أزهار هذه الحديقة الفرنسية، بدءا من الأزياء والعطور إلى ساعات اليد والجواهر المرصعة بالأحجار الكريمة وشبه الكريمة مثل الألماس والغارنيت الأخضر الغامق والأوبال والياقوت واللآلئ، على أساس أن الأحجار للجيولوجيين مثل الزهور لعلماء النباتات.

ولا شك أن صناع الجواهر يتكيفون مع هذه الموجة أكثر من غيرهم، وأكبر مثال على هذا ساعة «أنا أفكر بك» (Je Pense à Toi) من دار «بوشرون»، التي وصلت إلى القائمة النهائية في مسابقة الجائزة الكبرى لصناعة الساعات في جنيف في نهاية العام الماضي، جمالها يكمن في أن باقة البنفسج التي اعتاد فردريك بوشرون إرسالها لزوجته، كانت دائما تحمل بطاقة يكتب فيها: «أنا أفكر بك». لكن بغض النظر عن الطابع الرومانسي لهذه التصاميم وما تعنيه من مشاعر ورسائل، فهي أيضا استعراض لمهارات مميزة، نظرا لما تتطلبه من دقة ومهارة، مثل ساعة «بافوت ميستريو» من دار «فان كليف أند أربلز» التي استوحتها من زهرة الخشخاش، أجمل ما فيها أن قرص الوقت لا يبدو واضحا فيها من النظرة الأولى، لكن ما إن يتم الضغط على البتلات ويفتح قلب الزهرة حتى يظهر قرص مرصع بعرق اللؤلؤ. وتماشيا مع تاريخ «فان كليف أند أربلز»، فيما يخص الجواهر المتحولة، يمكن إزالة زهرة الخشخاش وارتدائها كبروش.

من جهتها، أطلقت دار «فاشرون كونستانتين» في الصيف الماضي مجموعة من الساعات تحمل تصاميم لها أهمية تاريخية ترجع إلى نهاية القرن الـ18، لأنها استمدتها من كتاب «معبد فلورا» للدكتور روبرت جون ثورنتون، الذي نشر في عام 1799، يحتوي الكتاب على صور ملونة يدويا تمثل نباتات نادرة تجمع بين الدقة العلمية والبراعة الفنية التي تفوق الوصف، استلهمت منها «فاشرون كونستانتين» الكثير عند تصميمها أقراص ساعاتها المطلية بالمينا، تطلبت الزخرفة بالمينا مهارة عالية للحصول على درجات الألوان الصحيحة في عملية مرهقة، كما تطلبت الكثير من مراحل الصقل تحت درجات حرارة مختلفة في الفرن.

في بداية العام قدمت «كارتييه» أيضا تحفا فنية كثيرة نذكر منها واحدة يظهر في قرصها ببغاء، وعند التمعن فيها يظهر جزء معقد ومزين ببتلات ورود صغيرة جدا، تزيد من جمال الساعة وتجعلها تبدو وكأنها ريش تنفشه نسمات هواء.

للحصول على هذا التأثير، تم حقن بتلات الورود البيضاء بمحاليل ملونة، وبعد ذلك تم تقطعيها ووضعها على القرص، لتكون النتيجة تحفة فنية لا تقدر بثمن.