مصطفى أمين رائد الصحافة العربية يعود للجدل مجددا في كتاب بالقاهرة

أصدرته ابنته ويتضمن وثائق رسمية تؤكد براءة والدها من تهمة «الجاسوسية»

مصطفى أمين أثناء طباعة العدد الأول من أخبار اليوم 11 نوفمبر 1944
TT

بعد سنوات من رحيله في عام 1997، يعود مصطفى أمين أحد رواد الصحافة في مصر، إلى دائرة الضوء والجدل مجددا، بعد إعداد ابنته كتابا عنه سينزل للأسواق قريبا بعنوان «مصطفى أمين». يأتي هذا الكتاب في أعقاب نشر إحدى الصحف المصرية المستقلة حلقات لمسؤول أسبق بالمخابرات المصرية بعنوان «الثعلب»، أفرد فيها حلقة خاصة عن مصطفى أمين احتوت على الكثير من المغالطات، وبالمصادفة تزامن نشر هذه الحلقات مع صدور هذا الكتاب عنه، والذي حمل في طياته تصحيحا لهذه المغالطات بالوثائق.

«الشرق الأوسط» حاورت صفية الابنة الصغرى للكاتب الراحل عن الكتاب الجديد، وحقيقة هذه المغالطات، والتي أثارت لغطا وطاردت مصطفى أمين وهو حي، ثم وهو ميت في ذمة الله. وتنصب في قضية اتهامه بالجاسوسية عام 1966 وتعرضه للسجن إبان حكم الرئيس جمال عبد الناصر.

تقول صفية: إن هذا الكتاب بمثابة «رد عملي» موثق على هذه التهمة، وما دار حولها. لقد أردت أن أؤرخ لسيرة أبي الراحل وكذلك لمؤسسة «أخبار اليوم» بكل مسيرتها وتاريخها وأثرها في الصحافة المصرية والعربية، تخيلت أنه بعد 50 سنة من الآن يأتي صحافي شاب يبحث في تاريخ «أخبار اليوم» فيجد أمامه ملخصا للتجربة بكل ما فيها من تحديات وصعاب ومواقف وكذلك أحداث تاريخية أثارت جدلا طويلا ربما يكون مستمرا إلى الآن، أردت بهذا الكتاب أيضا أن أضع حدا لكل المزاعم التي نشرت عن والدي والقضية الشهيرة، فكنت أستغرب جدا وأظن أن الجميع من محبيه وقارئيه تابعوا سير القضية ويعرفون جيدا أن العفو كان شاملا وليس صحيا كما يزعم البعض، ولكن الأمر كان عكس هذا تماما! ولذلك نشرنا الوثائق كاملة في الكتاب.

وتضيف: كم كنت أتمنى أن أرى الكتاب في يد الكاتب الراحل أحمد رجب، فقد كان أحد تلاميذ مصطفى أمين وكان نبيلا في موقفه، ويشجعني كثيرا خلال رحلة العمل في الكتاب.

وحول تأخر ظهور الكتاب تروي صفية أنه: في منتصف الثمانينات كان الكاتب أحمد عطية صالح شابا صحافيا متحمسا فذهب إلى مصطفى أمين في مبنى «أخبار اليوم» يسأله «هل أنت حقا جاسوس؟» فأجابه مبتسما: هذا سؤال مهم، لكني لن أجيب عليه لأنه من السهل أن أجيب بالنفي لكن عليك التأكد بنفسك. فأرسله والدي للنائب العام الذي حقق في القضية وكذلك للمدعي العام الاشتراكي حينها د. مصطفى أبو زيد، تم عمل مقابلات وحوارات صحافية وعاد صالح إلى والدي بنتيجة بحثه فأخبره أن هذا لا يكفي، بل عليك الاطلاع على نص حكم صلاح نصر ونص العفو الشامل، وهكذا استمر أحمد عطية صالح يجمع في تقارير ووثائق ومعلومات إلى أن توفي مصطفى أمين، فجاءني بملف ضخم يريد أن يحوله إلى كتاب، فأخبرته أني لا أستطيع أن أنشره هكذا بل علي مراجعته والبحث في وثائق والدي للتأكد من كل كلمة وكل حرف ولقد فعلت هذا إلى أن خرج الكتاب إلى النور.

وحول عدم رفع مصطفى أمين أي دعوى لتبرئة ساحته من تهمة التخابر واكتفائه بالعفو تقول صفية: بالنظر إلى الوثائق المرفقة بالكتاب، فمصطفى أمين طالب بإعادة محاكماته محاكمة علنية في خطابه إلى المدعي العام الاشتراكي حينها، لكن جاءه الرد أن قرارات رئيس الدولة محصنة ولا رجوع فيها! وأنه خلال نظر القضية وخوفا من استخدام الطريق العادي في القضاء الذي سينتهي إلى البراءة صدر قرار الرئيس عبد الناصر بإحالة نظر القضية إلى محكمة أمن الدولة التي تقضي مادتها الثانية من القانون 119 لسنة 1964 بأنه «لا يجوز الطعن بأي وجه من الوجوه في الأحكام الصادرة من هذه المحكمة»، فجاءه الإنصاف مع رئيس الجمهورية التالي الراحل أنور السادات بقرار العفو الشامل.

وتلفت صفية إلى أن ما فعله والدها، ومطالبته المستمرة بمحاكمة صلاح نصر، يعتبر إدانة لعصر كامل مع استمرار كتاب وصحافيين عاصروا تلك الحقبة الزمنية في تزييف الحقائق والمدافعة عن نصر وإنكار كل التعذيب الذي حدث له، ربما لأنهم ينتمون إلى الحقبة ويريدون رد الإدانة بأي شكل من الأشكال.

وتؤكد أن والدها أفنى حياته في عشق الصحافة وتذكر كلماته التي طبعت على غلاف الكتاب «كيف أحسب عمري؟ بالصحف التي أصدرتها أو اشتركت في تحريرها؟ بعدد تلاميذي أم بعدد قرائي؟ بالانتصارات التي حققتها أم بالهزائم التي منيت بها؟ بالمرات التي خفق فيها قلبي أم بالصداقات الحلوة التي تمتعت بها؟ أحسب أن العمر هو كل هذا، ولو كانت هذه القاعدة الحسابية صحيحة فلا بد أني عشت ألوف السنين».

ويقع الكتاب لمؤلفه الكاتب الصحافي أحمد عطية صالح، في 6 أبواب تحكي تاريخ مصطفى أمين من ميلاده في 21 فبراير (شباط) 1914 بمنزل سعد زغلول (بيت الأمة) وحتى وفاته، متناولا قصة «أخبار اليوم» منذ أن كانت فكرة إلى أن أصبحت الآن بعامها الـ75 صرحا عملاقا للصحافة المصرية. ويضم الكتاب وثيقة نص الحكم على صلاح نصر (مدير جهاز المخابرات في عهد جمال عبد الناصر) والتي عرفت بقضية فساد المخابرات، وكذلك ملحقا خاصا بالوثائق يتضمن جزءا من خطاب بخط يد مصطفى أمين يكشف به عن وقائع التعذيب التي تعرض لها أثناء حبسه، وخطابه الموجه إلى المدعي العام الاشتراكي يطالب فيه بمحاكمته محاكمة علنية، ثم نص قرار الرئيس أنور السادات بالعفو عنه وجاء النص كالتالي: «يعفى عن العقوبة المحكوم بها على السيد مصطفى أمين يوسف، في القضية رقم 10 لسنة 1965 أمن دولة عليا، وكذا كافة الآثار والعقوبات التكميلية والتبعية المترتبة على الحكم الصادر» والذي نشر في الجريدة الرسمية حينها. ويذكر أنه بعد إصدار العفو الشامل تم بعد ذلك إعادة المدعي الاشتراكي مصطفى أبو زيد فهمي التصدي للقضية وتأكيده تعرض مصطفى أمين للتعذيب وبطلان الإجراءات التي صدر في ظلها الحكم عليه.

ويضم الكتاب كذلك ملفا للصور من الفترة من (1914 - 2014) منذ ميلاد الأخوين أمين ومراحل حياتهما العائلية والمهنية ولقاءات مع فنانين مثل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وعبد الوهاب ورحلات مع الرئيس عبد الناصر إلى موسكو وزيارة مصطفى أمين إلى زنزانته بسجن طرة وصولا إلى احتفالات دار «أخبار اليوم».

ومن الوقائع الجديدة التي ذكرها الكتاب أنه فور القبض على مصطفى أمين في فيلته في الإسكندرية جالسا مع الضابط الأميركي تمت مهاجمة شقته في شارع صلاح الدين بالزمالك، وضبط ما بها من أوراق ومنها جوازا سفر دبلوماسيان موقعان من الدكتور محمود فوزي وزير الخارجية ومكتوب عليهما: مكلف بمهمات رسمية لدى حكومة الولايات المتحدة الأميركية. وهذان الجوازان اختفيا بمعرفة المخابرات ولم يذكر عنهما أي شيء أثناء التحقيق.

يحكي مصطفى أمين في أحد فصول الكتاب عن لحظة القبض عليه: عندما جاءوا للقبض علي في منزلي بالإسكندرية تصورت أن الرئيس عبد الناصر قد حضر لزيارتي.. ثم تصورت أنه ربما يكون قد حدث انقلاب وأن رجال الانقلاب الجدد جاءوا للقبض علي لأنني أحد المتصلين بالرئيس عبد الناصر.. وعندما تبينت الحقيقة تصورت أن عملية القبض تمت بغير علم الرئيس. فقد سبق أن قبض علي مرة في أول الثورة، وأخرى بعدها ببضعة شهور دون علم الرئيس عبد الناصر.. وعندما علم في المرتين أمر بإطلاق سراحي.

ويضيف: بعد أن أغلق وكيل النيابة المحضر وضعوا القيود في يدي وأركبوني سيارة وخلفها عدة سيارات فيها حرس من جهاز الأمن يحملون المسدسات والمدافع الرشاشة وتم ترحيلي إلى القاهرة.