شيخ الأزهر: «داعش» يحاول تصدير صورة لـ«إسلامهم المغشوش»

المشاركون في مؤتمر «التطرف والإرهاب» بالقاهرة أكدوا تقديرهم لجهود الملك عبد الله لمواجهة الأخطار التي تحدق بالأمة

د. أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر يتوسط البابا تواضروس الثاني بابا الأقباط الأرثوذوكس (يسار) ومحمد يوسف الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى في المغرب أثناء حضورهم مؤتمر «مواجهة التطرف والإرهاب» في القاهرة أمس (رويترز)
TT

أثنى المشاركون في مؤتمر «مواجهة التطرف والإرهاب» الذي يقيمه الأزهر على مدى يومين بالقاهرة، على جهود الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود خادم الحرمين الشريفين في جمع الشمل العربي. وقال الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر إن «الأزهر يقدر حق التقدير جهود خادم الحرمين الشريفين في سعيه الدؤوب لجمع الشمل العربي في مُواجهة التحديات والأخطار التي تُحدق بالأُمة».

في حين قال الدكتور فيصل بن معمر، مستشار خادم الحرمين الأمين العام لمركز الملك عبد الله للحوار بالمملكة العربية السعودية، إن «من أسباب صناعة التطرف، السياسات الخاصة التي تتعامل مع القضايا بالقوة.. لا العدل، فكان ذلك ذريعة للجماعات الإرهابية التي تدعي القيام بالإرهاب للدفاع عن قضايا المسلمين».

وقال مفتي مصر الدكتور شوقي علام لـ«الشرق الأوسط» إن «حضور الكم الكبير من العلماء الذين يمثلون دولا كثيرة هو قادر على أن يعطي من التوصيات ما يمكن أن يخرج بها إلى حيز الفهم الصحيح، بل وإيجاد رسالة قوية للعالم بأن هذا هو الموقف الصحيح للدين الإسلامي».

وافتتح الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أمس أعمال ملتقى «التطرف والإرهاب» الذي يقيمه الأزهر بأحد فنادق القاهرة، بمشاركة أكثر من 120 عالما من مختلف الدول العربية والغربية وممثلين عن الكنائس. وقال الطيب إننا «لا ينبغي أن نغض الطرف عن أفكار الغلو والتطرف التي تسربت إلى عُقول بعض من شبابنا ودفعت بهم إلى تبني الفكر التكفيري واعتناق التفسيرات المتطرفة والعنيفة، مثل: تنظيم القاعدة والحركات المسلحة، التي خرجت من عباءتها وتعمل ليل نهار على مُهاجمة الأوطان وزعزعة الاستقرار، وقد ظهر أخيرا على الساحة تنظيم داعش الذي نادى بالخلافة الإسلامية، وقبله وبعده ميليشيات طائفية أخرى قاتلة، تملكُ قوة دعائية هائلة، عادت - للأسف - بأسوأ العواقب على الإسلامِ والمُسلمين في العالم كُله».

وتابع شيخ الأزهر: «وإنني لأسائل نفسي ليل نهار عن أسباب هذه المحنة العربية، وهذه الفتنة العمياء الممزُوجة برائحة الدمِ والموت، والتفجيرات، وقطع رُؤوس البشر، والتهجيرِ بالملايين والتدمير، وسميت الأوكار التي يُدبر فيها أمر هذه الجرائم باسم (دولة الخلافة الإسلامية)، في محاولة لتصدير صورة لإسلامهم المغشوش بحسبانه دينا جاء للناس بالذبح وقطع رأس كل من يخالفه أو تهجيره من دِياره»، مضيفا أن الباحث في أسباب ظهور هذه التنظيمات المسلحة، وتمددها السريع في الدول العربية والإسلامية، تطالعه تفسيرات شتى، منها: الديني، والاقتصادي، والحضاري، والسياسيّ، ومنها غيرُ ذلك؛ لكنني أود الإشارة إلى سبب آخر يستحق أن نتأمله قليلا، وهو السبب الذي يرى أن ما نُعانيه إن هو إلا مُؤامرة من مؤامرات الأعداء على الشرق العربي، لصالح دولة إسرائيل ومصالحها، وبقائها الدولة الأقوى والأغنى في المنطقة، ونحن لا نستَبعِدُ ذلك؛ لأن دولة العراق قد غزيت عام 2003 تحت أسباب ملفقة، وعلل وأكاذيب فضحتها الصحافة الدولية، واعترفت بتلفيقها كبرياتُ النظم السياسية العالمية. ولقد دخل العراق في دوامة الاقتتال، وظل يسبح في بُحور من دماء، والشيء نفسه يقال على سوريا، وعلى اليمن، وعلى ليبيا، حيث تلعب المؤامرة على الوتر نفسه، وهو التوتر المذهبي والعرقي والطائفي مع إمداد المتوترين بالسلاح لتندلع الحرائق، ويحصد الموتُ أرواح الآلاف من شباب هذه الأُمة.

وأكد الدكتور الطيب في كلمته أن نظرية المُؤامرة ليست هي كل ما هنالك، فهناك سبب أعمق يذهب بعيدا في أطوار تاريخنا العربي والإسلامي، ويكادُ يكون منهجا ثابتا في علاقاتِنا الداخلية، ذلكم هو منهج الفرقة والتنازعِ والاختلاف، ولا أُريد أن أتوقف قليلا ولا كثيرا عند هذه الآفة التي حذرنا القرآن الكريم من مغبتها المهلكة، ولكن أُشير فقط إلى أن أمتنا رغم ما خصنا اللهُ به من بين سائر الأُمم بمقومات الوحدة والاتحاد، ورغم جامعتنا العربية ومُنظمة التعاوُن الإسلامي، وقد مضى على إنشائهما أكثر من نصف قرنٍ، فلا نزال نفتقرُ إلى اتحاد يُشبه الاتحاد الأوروبي، وهو أمر مُمكن، وليس من عداد المُستحيلات، ولا يحتاج إلّا إلى صدق النوايا والنظرة البعيدة واستبعاد الخلافاتِ البينية، والعربُ لا شك مُؤهلون، بل قادرون على صُنع هذا الاتحاد إن أرادوا، لافتا إلى أنه «ليس (داعش) هو الفصيل المُسلح الوحيد على الساحة، بل هناك ميليشيات أخرى طائفية تذبح وتُهجر قَسرا في العراق وسوريا واليمن، وهناك طوائف مذهبية تُحاول جر الأوطان إلى ولاءات إقليميّة خارجية باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان، كما يحدث في البحرين مثلا، ولهم شيوخ ومُفتون يحللون لهم هذه الجرائم، ويدفَعونهم دفعا إلى اقترافها».

وقال الدكتور الطيب: «لقد حُرف مفهوم الجهاد عند هذه التنظيمات المُسلحة المتطرفة والطائفية، وراحوا يقتلون من يشاءون زعما منهم بأنه جهاد، وهذا من أشنع الأخطاء في فهم شريعة الإسلام». وتابع بقوله: «من هنا فإنّ الاعتداء أو التهجير القسري أو التمييز، هي أمور تتنافى وصحيح الدينِ، وإجماع المسلمين. أمّا الفهمُ الخاطئُ لموضوع الخلافة، أو الإمامة عند المسلمين، فمن المُقرّر عند علماء أصول الدِين أن الإمامة من مسائل الفُروع وليست من مَسائلِ الأصولِ، ومن هنا احتملت الرأي والرأي الآخَر، وأصغر طالب في كُلية أصولِ الدين في جامعة الأزهر يحفَظُ من كتاب شرح المواقف المُقرر في علم العقيدة، وهو أحدُ أعمدة كتب المذهب الأشعري، يقولُ فيه المؤلفُ: الإمامة (ليست من أصول الدّياناتِ والعقائدِ عندنا، بل هي عندنا من الفُروع)».

من جانبه، قال البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك لكرازة المرقسية: «في مصر عشنا في كنائسنا نصلي في كل يوم من أجل الجيش والوزراء والجنود.. هكذا تعلمنا الكنيسة أن نصلي للجميع؛ للمرضى والمسافرين والأرامل واليتامى والمساكين».

في هذا السياق، أكد الدكتور شوقي علام مفتي مصر أن المؤتمر بلا شك سيلقى أثره من الحد من ظاهرة الإرهاب والفكر المتطرف، ويكفي أن الأزهر الشريف هو أكبر مؤسسة على مستوى العالم، سيفصح عن رأيه في هذه القضية، وإذا أفصح عن رأيه في هذه المسألة بلا ريب فإن هناك الكثير من العقلاء الذين يستمعون إلى صوته. وأضاف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن المؤتمر سيرسل رسالة قوية للعالم كله أن الأزهر سوف يتصدى للإرهاب بكل ما يملك من علماء، وينبغي التركيز على الفهم الديني الصحيح، مضيفا: «أدنَّا الكثير من أعمال داعش والتنظيمات الإرهابية.. وكل هذا مخالف للدين الإسلامي.. ونقول إن مثل هذه التنظيمات بصرف النظر عن أسمائها، لكن نحن ننظر إلى الأفعال والأعمال التي تقوم بها مثل هذه المنظمات ونقيس هذه الأعمال على الفهم الصحيح للدين الإسلامي، وأصدرنا جملة من البيانات تقول بأن ما تقوم به هذه الجماعات من الهدم والتدمير والإفساد خارج عن نطاق الفهم الصحيح للدين الإسلامي».

وأكد الدكتور فيصل بن معمر، مستشار خادم الحرمين الشريفين والأمين العام لمركز الملك عبد الله للحوار في كلمته بالمؤتمر، أن «هناك اليوم جماعات متطرفة تتلبس بالدين تارة والسياسة تارة أخرى»، مطالبا بضرورة «نشر الوعي السليم للمفاهيم التي يتبناها المتطرفون»، موضحا أن «أخطر مفهوم استخدمه المتشددون وجعلوا منه سببا لإزهاق الأرواح هو مفهوم التكفير الذي له معايير شرعية»، مؤكدا أن من أهم المعايير التي ينبغي القيام بها الحوار مع الغلاة والمتطرفين لتبيين زيف فكر التطرف وإظهار خطئه أمام الناس بحجج دامغة للقضاء على حجج المتطرفين الواهية في فهم الإسلام.

ولفت إلى أن ظهور جماعات التطرف والكفر في العالم الإسلامي «حالة شاذة وستنتهي»، مشيرا إلى أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار لاقت ترحيبا كبيرا حتى من قبل الفاتيكان، وبناء عليها أسس مركز الملك عبد الله للحوار بحيث سيكون له دور كبير في مواجهة فكر الجماعات الإرهابية.

من جهته، قال محمد يوسف، الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى بالمملكة المغربية، إن «الإرهاب وتوابعه من الغلو والتطرف والتشدد ظاهرة مزعجة ومدمرة اشتدت وطأتها على صدر الإنسانية قاطبة وللأمة الإسلامية والعربية بوجه خاص»، مضيفا أن «هذا الإرهاب الذي يشغل بال الجميع لم يحدث من فراغ؛ بل وجد من نمو وتطور وانتشر في بيئات هشة، فكل هذه الأمم هي عرضة للانقضاض عليها من الإرهاب.. والإرهاب هو سبب من أسباب تعثر الأمة الإسلامية والعربية».

وأضاف الشيخ إبراهيم صالح الحسيني، مفتي نيجيريا، أنه «من الضروريات للمسلمين وحدة الصف.. فإن الله أمرنا بوحدة الصف»، مضيفا أنه «لمن المهم تفعيل دور العلماء والدعاة الذين يقومون بتصحيح وكشف زيف وادعاء هؤلاء، فمما ينبغي أن يهتم العلماء به إبداء النصح لمن يتبعهم، وعلى الحكومات تجفيف منابع الإرهاب في كل بقاع الدول العربية».