بين الخطأ والصواب

TT

* السمنة والسرطان من الأخطاء الجسيمة في المجتمعات المتحضرة أن تظل ظاهرة السمنة وزيادة الوزن من أولى سماتها ومظاهر حضارتها، رغم ارتباط السمنة بأكثر أمراض العصر خطورة كأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري وارتفاع ضغط الدم وأخطر أنواع السرطان.

إن مما تشير إليه التقارير وإحصاءات مركز مكافحة الأمراض CDC بأتلانتا أن نحو 500.000 حالة سرطان جديدة تسجل سنويا مرتبطة بالبدانة. ووفقا لدراسة دولية عالمية أجريت في عام 2012 ونشرت نتائجها في المجلة العلمية المتخصصة «لانسيت لعلم الأورام The Lancet Oncology» وقام بها باحثون من الوكالة الدولية لبحوث السرطان في ليون (فرنسا)، فإن ما يقرب من 3.6 في المائة من جميع حالات السرطان الجديدة سنويا - وتحديدا بالأرقام 481.000 حالة - هي بسبب السمنة. كما وجد أن هذا العبء الصحي الخطير يتركز بشكل أعلى بكثير في البلدان المتقدمة عنه في البلدان النامية.

تم في هذه الدراسة استخدام بيانات من 184 بلدا في العالم، وقدر العلماء المشاركون في هذه الدراسة أن نحو ربع جميع حالات السرطان المرتبطة بالسمنة (118.000) يعزى السبب فيها إلى ارتفاع مؤشر كتلة الجسم BMI، الذي ظل يرتفع منذ عام 1982 بشكل مطرد. ونصح العلماء بضرورة العمل الجاد على مكافحة السمنة بكافة الوسائل.

لقد وجد أيضا أن السمنة لها تأثير أقوى على النساء من الرجال، وهذا ما اتضح من أن 5.4 في المائة من حالات السرطان الجديدة في النساء (345.000) كانت مرتبطة بالسمنة، في حين كان هذا الوضع في 1.9 في المائة فقط من الرجال (136.000). إن ثلاثة أرباع السرطان المرتبطة بالسمنة في النساء (250.000 حالة) كانت بسبب سرطان الثدي بعد انقطاع الطمث، سرطان بطانة الرحم، أو سرطان القولون والمستقيم. أما في الرجال، فشكل سرطان القولون والكلى أكثر من ثلثي (90.000 حالة) هذه الأمراض.

وقد ثبت بالفعل أن هذه المشكلة في البلدان المتقدمة هي أكثر انتشارا، حيث وجد أن 8 في المائة من حالات السرطان في النساء و3 في المائة في الرجال كانت حالات لأناس كانوا يعانون من السمنة من قبل، مقارنة بالبلدان النامية مع 1.5 في المائة فقط من السرطانات عند النساء و0.3 في المائة في الرجال. كان نصيب منطقة أميركا الشمالية من العالم الربع تقريبا - 23 في المائة - من جميع حالات السرطان في جميع أنحاء العالم المرتبطة بالسمنة. في المقابل، وجد أن أدنى نسبة انتشار للسرطان المرتبط بالسمنة كان في منطقة جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية. أما عن قارة أوروبا، فوجد أن المشكلة تتركز بشكل أكبر في أوروبا الشرقية.

وتوصل الباحثون إلى أن نسبة الانتشار العالمي للسمنة عند البالغين قد تضاعفت منذ عام 1980.

إن مخاطر انتشار السرطان ستكون، بالتأكيد، أكبر مستقبلا إذا ما استمر الوضع الصحي مترديا ولم تتخذ إجراءات أكثر حزما لمكافحة السمنة بدءا من مرحلة الطفولة التي شهدت زيادة في معدل السمنة خلال آخر 30 عاما.

* النقرس وآلامه

* ظل النقرس مرضا غير شائع لقرون كثيرة مضت، وظلت مسبباته مختفية وراء اعتقادات علم وظائف الأعضاء الغربي القديم بأن هناك «مزيجات 4» يتكون منها جسم الإنسان وتحدد ملامح وصفات كل شخص ومستواه الصحي، إحداها مادة لزجة تتسرب من الدم ثم تترسب في المفاصل مسببة آلاما مبرحة. وبعد ذلك عرف النقرس باسم «فتنة الأغنياء» ثم أطلق عليه «داء الملوك»، لأنه أكثر شيوعا بين الأرستقراطيين والنبلاء الذين لديهم إمكانية الوصول إلى الأطعمة الفاخرة والخمور.

هذا الاعتقاد القديم ليس بعيدا جدا عن الحقيقة، حيث أثبت العلم الحديث أن النقرس يتسبب فعلا نتيجة ترسب بلورات حمض اليوريك المفرط في المفاصل، بسبب خلل في عمليات التمثيل الغذائي التي يقوم بها الجسم للتخلص من الكمية الزائدة من هذا الحمض.

إنه اضطراب معقد، ومرض منتشر في الولايات المتحدة والكثير من الدول المتقدمة، فهناك تقريبا مليونان إلى 5 ملايين أميركي، 90 في المائة منهم رجال في سن الـ40 أو أكبر، يعانون حاليا من هذا المرض.

وفي عام 2011، أعلنت الكلية الأميركية لأمراض الروماتيزم أن النقرس يؤثر بالفعل في 6 في المائة من الذكور و2 في المائة من الإناث في الولايات المتحدة. وتشير الدراسات إلى أن نسبة الإصابة بالنقرس ترتفع عند النساء بعد انقطاع الطمث بسبب توقف إفراز هرمون الاستروجين الذي يساعد الكلى في إفراز حمض اليوريك، فيبدأ مستوى الحمض في الزيادة.

لا ينبغي أن يؤخذ النقرس على محمل البساطة، فألمه شديد ومبرح وطرق علاجه والتخفيف من ألمه لا تقتصر على أخذ الأدوية والمسكنات، بل هناك طرق طبيعية لتخفيف وعلاج ومنع هذه الحالة المؤلمة على نحو فعال، بالتركيز على النظام الغذائي اليومي والاعتناء بما نأكل.

فلقد وجد أن النظام الغذائي الأميركي الحديث، الذي يعتمد على الأطعمة الجاهزة المشبعة بالدهون والناقصة في عناصرها الغذائية الأساسية، هو السبب الرئيسي لارتفاع نسبة الإصابة بمرض النقرس لديهم في الآونة الأخيرة.

وللوقاية من هجمات النقرس، ينصح خبراء التغذية والأطباء المتخصصون في علاج داء النقرس على الاعتناء بالمواد والعناصر الغذائية في الوجبات الـ3 على النحو التالي:

* الإكثار من تناول الكرز الطازج والفراولة فهما يساعدان في الحد من هذا المرض.

* تجنب الكحول، واعتبره المعالجون أمرا حاسما لنجاح العلاج من النقرس.

* الحد من الأطعمة المصنعة والإكثار من تناول الخضار والدهون الصحية.

* شرب الماء النقي الصحي بكثرة، فالدم والكلى والكبد وكافة عمليات الأيض تحتاج للماء لإزالة السموم والتخلص من الفضلات مثل حمض اليوريك من الجسم.

* الحصول على حاجة الجسم من فيتامين دي D من المصدر الطبيعي وهو التعرض للشمس، فقد أثبتت الدراسات الدور الشمولي لفيتامين دي في صحة الإنسان، وهو أهم عنصر غذائي يحتاجه الجسم، ويلعب دورا رئيسيا في الوقاية من الأمراض مثل السكري وأمراض القلب والسرطان، وفي إتمام العمليات الحيوية بالجسم.

* التحكم في التوتر والإجهاد اليومي.

* الحصول على قسط كاف من النوم ذي الجودة العالية.

وأخيرا لا بد أن نتذكر أن العقاقير الخطرة ليست دائما أفضل خيار لعلاج النقرس، بل يجب التركيز على معالجة السبب الكامن وراء هذه الحالة المؤلمة باستخدام وسائل طبيعية وبسيطة.

استشاري في طب المجتمع مدير مركز المساعدية التخصصي ـ مستشفى الملك فهد بجدة [email protected]