اجتماعات وزارية أوروبية تبحث مكافحة الإرهاب مع التركيز على ملف المقاتلين الأجانب

تناقش استجابة العدالة الجنائية بشكل فعال لمنع تسفير الشباب للقتال في الخارج

المقاتلون الأجانب.. وحشية عابرة للحدود («الشرق الأوسط»)
TT

تسعى الحكومات الأوروبية إلى تنسيق المواقف والقوانين في إطار التعامل مع ملف المقاتلين الأجانب وما يمثله من قلق مستمر، وخاصة من مسألة عودة المقاتلين الأجانب من مناطق الصراعات في الخارج ولا سيما في سوريا والعراق، وما يشكله من خطر على المجتمعات الأوروبية وفي هذا الإطار انطلقت في بروكسل الخميس اجتماعات مجلس وزراء العدل والداخلية الأوروبية ولمدة يومين للبحث في مدى استجابة العدالة الجنائية وبشكل فعال في التعامل مع ملف ظاهرة المقاتلين الأجانب وأيضا مناقشة تطورات التعاون المشترك بين الدول الأعضاء في إطار مكافحة الإرهاب.

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط»» حول ما قامت به الحكومة البلجيكية للتعامل مع ملف سفر المزيد من الشباب إلى مناطق الصراعات في الخارج قال ديديه رايندرس نائب رئيس الوزراء إن بلاده قامت بخطوات متعددة «ولكن يجب القيام بإجراءات أكثر وخاصة فيما يتعلق بالتعاون مع دول أخرى في مجال تبادل المعلومات الأمنية وأيضا تبادل طرق التعامل مع نشر الفكر المتشدد، وهذه مهمة غاية الصعوبة». وأضاف الوزير البلجيكي «هذه المهمة لن تتحقق في غضون شهور أو أعوام قليلة وإنما للأجيال القادمة».

ويأتي ذلك بعد ساعات من اختتام مؤتمر التحالف الدولي ضد «داعش» في مقر الناتو ببروكسل وما صدر عنه من تأكيد على ضرورة التصدي لتسفير المزيد من الباب للانضمام إلى «داعش» في سوريا والعراق وتجفيف منابع هذا التنظيم وكشف حقيقته أمام الجميع وأن الإسلام بريء مما يحدث من ممارسات على الساحة تقوم به عناصر «داعش»، ولكن البيان الختامي أشار إلى أن الأمر يحتاج إلى فترة من الوقت.

وبدأت في بروكسل الخميس اجتماعات وزراء العدل في دول الاتحاد الأوروبي، على أن تتوسع الاجتماعات الجمعة بانضمام وزراء الداخلية، وتتركز مناقشات اليوم الأول على عدة ملفات تتعلق بحماية الأفراد فيما يتعلق بمعالجة البيانات في إطار ما يعرف بحماية البيانات العامة وملف إنشاء مكتب المدعي العام الأوروبي ووكالة التعاون في العدالة الجنائية ثم يتمحور النقاش على غداء عمل حول مدى استجابة العدالة الجنائية وبشكل فعال لملف المقاتلين الأجانب الذين يسافرون إلى الخارج للمشاركة في العمليات القتالية وبعدها سيتم بحث ملف إجراءات المطالبات والاعتراف المتبادل بالوثائق العامة على أن يكون ملف مكافحة الإرهاب مطروحا بشكل أوسع في الاجتماع المشترك الجمعة وعلى غداء عمل ظهر نفس اليوم سيبحث وزراء الداخلية ملف إدارات تدفق الهجرة وسير العمل في منطقة شنغن الأوروبية للتأشيرة الموحدة. ويبحث الوزراء - وفق مصدر أوروبي في بروكسل - ورقة عمل أعدها المنسق الأوروبي لشؤون إدارة الإرهاب جيل دي كريشوف وتضمن مقترحات محددة لتطوير الرد القضائي على التعامل مع المقاتلين الأجانب. كما يبحث الاجتماع تحسين طرق تبادل المعلومات الأمنية حول هذه الإشكالية. وعدّ المنسق الأوروبي لشؤون الإرهاب أنه يجب تطوير تبادل معطيات نظام شنغن الأمني وتحسين التنسيق بين جهاز وكالة تطبيق القانون الأوروبية (يوروبول) والشرطة الدولية (إنتربول) وهيئة القضاء الأوروبية الموحدة (يوروجيست).

وكان أبرز المتحدثين في المؤتمر، جيل دي كريشوف المنسق الأوروبي لشؤون مكافحة الإرهاب، وشخصيات أمنية من العراق ومصر وتركيا والمغرب والأردن ولبنان والجزائر وتونس وسويسرا والدنمارك وهولندا وألبانيا ودول أوروبية أخرى ومسؤول من مكتب الشرطة الأوروبية (يوروبول) وفي ظل المخاوف والهواجس الأوروبية بسبب ملف المقاتلين الأجانب وإعلان بروكسل عن وجود 3 آلاف شخص من الأوروبية بين المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق، رعت المفوضية الأوروبية قبل أيام مؤتمر للخبراء الأمنيين حول هذا الصدد وحسب مصادر مقربة من الاجتماعات: «ناقش المؤتمر كيفية التصدي لعمليات تجنيد وتسفير المزيد من الشباب إلى مناطق الصراعات وخاصة إلى سوريا والعراق وسبل تنسيق التعاون والعمل المشترك بين الأجهزة الأمنية في الدول التي شاركت في المؤتمر لمواجهة هذا الأمر خاصة أن الذين يسافرون للقتال في الخارج يشكلون خطرا وتهديدا للمجتمعات التي يعيشون فيها بعد أن اكتسبوا خبرات قتالية وتعرفوا عن قرب بعناصر قيادية في الفكر المتشدد وبالتزامن مع هذا توصل البرلمان الأوروبي والمجلس الذي يمثل الدول الأعضاء، إلى اتفاق حول اختيار جيوفاني بوتاريللي لمنصب المشرف على حماية البيانات الأوروبية ولفترة تستمر 5 سنوات، واختير رافائيل ويروسكي نائبا له ولنفس الفترة.

وتبدأ فترة ممارسة مهام المنصب اعتبارا من أمس وعقب توقيع على القرار من جانب رئيس البرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي، وتتركز مهمة المشرف على حماية البيانات الأوروبية على التأكد من أن الحقوق الأساسية وحريات الأشخاص وخاصة حقهم في الخصوصية، تحترم من قبل المؤسسات والهيئات التابعة للاتحاد الأوروبي، وينص القرار على أن يتولى نائب المشرف نفس المهام في حال تغيبه ويساعده في تنفيذ مسؤوليات المنصب.

وأصبحت مسألة المقاتلين الأجانب الذين يحاربون في الشرق الأوسط، أحد الموضوعات الهامة على الأجندة العالمية، بعدما اتسع انتشار تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا، وبعد أن سلط الإعلام الضوء على الوسائل والممارسات التي يستخدمها التنظيم لتوسيع رقعة نفوذه.

وتصدّر فرنسا العدد الأكبر من المقاتلين الأوروبيين إلى سوريا والعراق، تليها بريطانيا ثم ألمانيا، حيث يقدر عدد الذين سافروا من فرنسا للقتال في العراق وسوريا حتى الآن بـ900 شخص، في حين يقدر عدد الذاهبين للقتال من بريطانيا بـ500 شخص، ومن ألمانيا بـ400 شخص.

وأشار تقرير الإرهاب لعام 2014 الذي أعدته وكالة تطبيق القانون الأوروبية (يوروبول)، إلى الارتفاع المتزايد لعدد مواطني دول الاتحاد الأوروبي الذين يشتركون في القتال بسوريا، لافتا إلى زيادة التهديد الأمني المحتمل الذي سيمثله هؤلاء المقاتلون على الاتحاد الأوروبي حال عودتهم إلى بلادهم.

وهناك تخوفات فرنسية من تمدد هذه الظاهرة، لذا تأخذ الحكومة الفرنسية خطوات جادة لوقفها منها مشروع قانون ينص على منع المشتبه في سعيهم للسفر إلى مناطق القتال، من مغادرة منطقة الشنغن، وإصدار مذكرات اعتقال دولية بحق من يخرق هذا الحظر منهم، وينص مشروع القانون كذلك على تشديد الرقابة على مواقع الإنترنت من أجل اكتشاف الجماعات المتطرفة التي تنشط داخل فرنسا.

ألمانيا بدورها تتعامل بحذر مع هذا الموضوع الشائك، فإعلان وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيير أنه لا يمكن تصنيف جميع العائدين من العراق وسوريا على أنهم إرهابيون محتملون، عزز مطالب منع دخول المقاتلين العائدين إلى ألمانيا، الأمر الذي يصعب تطبيقه قانونيا نظرا لأن معظم هؤلاء حاملون للجنسية الألمانية، أو حاصلون على إقامات دائمة في ألمانيا، ويطالب بعض السياسيين الألمان بسحب الجنسية الألمانية من هؤلاء المقاتلين. وفيما يخص بريطانيا اتخذت عدد من الخطوات لمنع المشاركين في القتال بالعراق وسوريا من العودة إلى بريطانيا، وتمثلت أولى تلك الخطوات في تشريع يقضي بمنح الشرطة البريطانية صلاحية سحب جوازات سفر الأشخاص الذين يثبت مشاركتهم في القتال هناك.