جهود لإنقاذ الشباب الهندي من قبضة «داعش»

جدل حول انجذاب شباب مسلم من الطبقة الوسطى إلى التنظيم المتطرف

أريب ماجد مثل أمام محكمة هندية بعد عودته من التحاقه بـ «داعش»
TT

جرى نقل أريب ماجد ليمثل أمام المحكمة، مرتديا ملابس تقليدية بسيطة وغطاء يحجب وجهه. وبمجرد رفع الغطاء عن وجهه داخل قاعة المحكمة، سارع بتغطية رأسه بطاقية سوداء صغيرة. ومقارنة بصوره المعروضة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بدا أكثر نحافة ومن دون لحية.

كان أريب المحتجز حاليا من قبل سلطات التحقيق الهندية، يقاتل في العراق في صفوف «داعش»، وتم نقله إلى الهند في إطار عملية سرية نفذتها الاستخبارات الهندية. وقد أعلنت جماعة «أنوار التوحيد» الإرهابية، مقرها باكستان، استشهاد أريب عبر موقعها الإلكتروني في أغسطس (آب).

كان أريب (23 عاما) طالب هندسة، واحدا من بين 4 أشخاص من مومباي توجهوا للعراق للانضمام لـ«داعش» ومنذ أيام قلائل، اتصل بأسرته من تركيا، طالبا معاونتهم له في العودة للهند. من جانبها، اتصلت الأسرة بالحكومة الهندية، وأعقب ذلك سفر فريق من الاستخبارات الهندية لتركيا وألقوا القبض عليه في مطار إسطنبول.

وقد أجرينا اتصالا بمنزل أسرته للحصول على تعليق، لكن والده لم يكن متاحا، بينما قالت والدته، إن «عودة أريب أشبه بمعجزة. وأدعو الله أن تتكرر هذه المعجزة مع الآباء والأمهات الآخرين. نحن سعداء بعودة ابننا»، إلا أنها امتنعت عن الإدلاء بالمزيد.

وعندما زرنا مقر إقامته في كاليان، اتضح أن منزل أسرة أريب مغلق، ومن المعتقد أنهم انتقلوا لمنزل آمن لم يتم الكشف عنه، حيث يجري التحقيق فيه حاليا مع أريب.

وقال شاهيد خان، الجار بالمنزل الملاصق لمنزل الأسرة، إن «والد أريب اضطلع بدور بناء في إقناع نجله بالعودة، ومنذ حدوث ذلك شعر أفراد الأسرة براحة بالغة. وأتمنى أن يعود أريب سريعا بعد انتهاء التحقيق معه ويعاود التواصل مع كل ما فقده خلال الشهور الستة الماضية»، إلا أنه رفض الكشف عن أي معلومات بخصوص مكان الأسرة حاليا.

من جهته، وصف حارس المبنى الذي يضم مسكن الأسرة، فيريندرا سنغ، أريب بأنه صبي متعاون يتعامل مع الجميع باحترام، مضيفا أن «أحدا لم يوجد بالمنزل خلال الأيام القليلة الماضية».

وبعد عودة أريب ازدادت الآمال لدى أسر الـ3 الآخرين الذين رافقوه في رحلته للانضمام لـ«داعش»، وهم فهد شيخ وسهيم تانكي وأمان تاندل، في عودة أبنائهم قريبا.

وقال د. تنير شيخ، والد فهد: «ناشدنا الحكومة محاولة إعادته، وآمل أن يعملوا على ذلك».

وأضافت والدته: «ليس بوسعنا سوى الدعاء بتحقق معجزة عودة أبنائنا، مثلما حدث مع أريب».

يذكر أن فهد أكمل دراسته بمجال الهندسة الميكانيكية قبل أن يختفي مع أريب.

أما نعيم تاندل، والد أمان، فقال: «نحن سعداء بسماع هذه الأخبار، ونأمل في أن تتمكن الحكومة من إحضار أبنائنا أيضا. لقد كان سجل ابني نظيفا قبل هذا الحادث، ولم يؤذِ أحدا. وخلال الشهرين الماضيين، لم نتلقَ أي اتصالات من أمان. وإذا تلقينا أي اتصال منه سنسارع بإخطار سلطات التحقيق الهندية ونطلب منهم معاونتنا في إعادة أبنائنا أيضا».

وأكد أقارب الشباب أن أبناءهم أبرياء، وأنه ينبغي محاسبة الشخص المسؤول عن التغرير بهم وغسل أدمغتهم.

أما سهيم تانكي فاتصل بأسرته في أكتوبر (تشرين الأول)، وأخبرهم بأنه مريض للغاية وطلب منهم الاعتناء بأنفسهم، مؤكدا أنه سيعود حتما، لكن لم يحدد موعدا لذلك، حسبما ذكر أحد أقاربه رفض ذكر اسمه.

من ناحية أخرى، أخبر أريب الاستخبارات الهندية بأن هناك قرابة 13 شابا هنديا يقاتلون في صفوف «داعش» بالعراق.

وفي ظاهرة مثيرة للقلق وتثير الجدل، بدأت تظهر مؤشرات على انجذاب شباب هنود من الطبقة الوسطى المتعلمة إلى «داعش». من جهتها، تبقي الوكالات الهندية رقابة وثيقة على نشاطات قرابة 5 آلاف شاب هندي يبحثون عن الخطابات والكتابات الجهادية الصادرة عن «داعش» عبر الإنترنت.

وقد جاء القبض مؤخرا على موظف سابق في شركة «غوغل» يبلغ 30 عاما، بمثابة صافرة إنذار حول تنامي انجذاب الشباب الهندي المسلم نحو «داعش». وكان مهندس البرمجيات، منواد سلمان، قد ترك وظيفته بشركة «غوغل» العملاقة، وخطط للحصول على فيزا لدخول دولة شرق أوسطية، بحيث ينتقل منها للعراق، إلا أن الشرطة ألقت القبض عليه بعد رصد اتصالات بينه وبين عناصر من «داعش» عبر الإنترنت. ولاحقا، تم إطلاق سراحه بعد استشارة أسرته وفي قضية أخرى، ألقي القبض على 4 فتيان آخرين (تتراوح أعمارهم بين 23 و25 عاما) من خريجي كليات الهندسة، كانوا يعدون خطة للسفر للعراق للانضمام لـ«داعش».

ومن الواضح أنه تم تنبيه الشرطة للأمر من جانب والدي اثنين من الشباب الـ4 بعدما تشككوا في نشاطات ابنيهما. وبالفعل، راقبت الشرطة هواتفهم الجوالة وتم احتجازهم أثناء محاولتهم العبور إلى بنغلاديش ليسافروا منها للعراق.

واعترف الـ4 بوقوعهم تحت تأثير دعايات «داعش» على مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، وأنهم قرروا الانضمام للجماعة الجهادية. وفي نهاية الأمر، تم إطلاق سراحهم.

وفي سياق متصل، قال مستشار الأمن الوطني الهندي، أجيت دوفال، إن عدد المسلمين الهنود الذين انضموا لـ«داعش» في العراق وسوريا لا يتجاوز 12 فردا. وأضاف أن آباء وأمهات هؤلاء الأفراد هم من اتصل بالشرطة والاستخبارات وسعوا لنيل مساعدتهم في منع أبنائهم من الانضمام للجماعة الجهادية. وتكمن المفارقة في أن عدد مسلمي الهند يقدر بـ170 مليون نسمة، بينما نجد في دولة مثل فرنسا أنه انضم ألفان من شبابها المسلم لـ«داعش» رغم ضآلة أعداد المسلمين هناك مقارنة بالهند. وأكد دوفال أنه تجري مراقبة جميع من يزورون مواقع إلكترونية تروج لـ«داعش» والشباب الذين تبدو نشاطاتهم عبر شبكة الإنترنت مريبة.

جدير بالذكر، أن تقريرا صدر عن الاستخبارات الهندية كشف عن أن «داعش» يسعى لتجنيد شباب من ولايات مثل ماهارشترا وتاميل نادو وكيرالا وجامو وكشمير للقتال بصفوفه في العراق وسوريا ودول أخرى بالشرق الأوسط.

الواضح أن حكومة ناريندرا مودي تتبع توجها إنسانيا حيال الشباب الهندي المشتبه في قتالهم بجانب «داعش» وتهتم وزارة الداخلية بدراسة ما إذا كان من الممكن تحويل هؤلاء الشباب بعيدا عن التوجهات الراديكالية لدى عودتهم من العراق، بدلا من الإسراع بالزج بهم في السجون. وتقوم هذه السياسة على فكرة أن الحبس سيخيف الشباب ويمنعهم من العودة للوطن، كما سيحول دون إقدام ذويهم على إبلاغ الشرطة. وأشار مسؤول من وزارة الداخلية لحالة شاب من مومباي تحول للفكر الراديكالي عبر الإنترنت واستقى إلهامه من «داعش»، ما دفعه للتخطيط لتفجير مصالح أميركية داخل الهند.

وبعد مراقبة السلطات الهندية لنشاطات أنيس أنصاري (24 عاما) ألقت القبض عليه من داخل مكتب شركة دولية حيث يعمل. واعترف أنصاري خلال التحقيق بأنه وقع تحت تأثير أبو بكر البغدادي زعيم «داعش»