مؤتمر لندن «فرصة ذهبية» لمستقبل أفغانستان بعد انسحاب القوات الأجنبية

ممثلون لـ60 دولة شاركوا بينهم كيري وغني وعبد الله

الرئيس الأفغاني أشرف غني وديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني في مؤتمر لندن للمانحين بلانكاستر هوس في العاصمة البريطانية أمس (أ.ب)
TT

جرى حث القادة المجتمعين في لندن لدراسة خطط بشأن مستقبل أفغانستان أمس على ألا يفوتوا فرصة ذهبية السانحة للعمل معا لترسيخ مستقبل أفضل للدولة التي مزقتها الحرب، بمحادثات تهدف إلى تعزيز الآمال الخاصة بأفغانستان بعد مغادرة أغلب القوات القتالية الأجنبية هذا الشهر. وحضر ممثلون من 59 دولة اجتماعات بشأن مستقبل أفغانستان بعد إنهاء عمليات التحالف العسكري بقيادة منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) القتالية نهاية العام.

ويأتي الاجتماع الذي يتشارك في استضافته رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، والرئيس الأفغاني أشرف غني، على خلفية موجة جديدة من الهجمات من جانب متمردي طالبان.

وتطالب هيئات الإغاثة العاملة في أفغانستان المجتمع الدولي بتقديم التزامات مالية طويلة الأجل وإلا فإن الدولة قد تتعرض لخطر الانهيار. ويأتي هذا المؤتمر بعد التصاعد الأخير في الهجمات التي تشنها حركة طالبان. من جانبه، تعهد الرئيس أشرف غني، الذي تولى مقاليد السلطة في شهر سبتمبر (أيلول)، بإحلال السلام بعد عقود من الصراع.

وسعى المؤتمر من أجل الحصول على التأييد لما يعرف بخطة (عقد التحول) خلال الفترة من 2015 - 2024، وكذلك الحصول على تعهدات بأن عمليات سحب القوات لن يتبعها سريعا تخفيضات في المساعدات المالية. من جانبه قال المتحدث باسم الرئاسة، نظيف الله سالارزاي، للتلفزيون الأفغاني: «نظرا لأن أفغانستان لديها التزام بإدخال إصلاحات، فإنها قالت للمجتمع الدولي، وخصوصا الجهات المانحة في المؤتمر، هذا هو جدول أعمالنا للإصلاح وبناء على ذلك، ينبغي عليهم مساعدتنا وتقديم الدعم لنا».

وقال خبراء في الشأن الأفغاني لـ«الشرق الأوسط» من « لانكاستر هوس» مقر المؤتمر في العاصمة لندن أمس، إن الرئيس غني عليه أن يعلم كذلك أنه ينبغي عليه إعادة بناء الثقة بين أفغانستان وشركائها الدوليين. وأكد الخبراء الذين التقتهم «الشرق الأوسط» في مؤتمر المانحين أمس، أن مؤتمر لندن جاء ليؤكد تعهدات المانحين المالية التي التزموا بها من قبل في مؤتمر طوكيو، من أجل تدريب وتجهيز القوات الأفغانية لتكون قادرة على درء الأخطار بعد انسحاب القوات الأجنبية من العاصمة كابل نهاية الشهر الحالي. وأوضح الخبراء: «إن المؤتمر يوفر فرصة للحكومة الأفغانية الجديدة لتحديد أولوياتها ورؤيتها فيما يتعلق بالإصلاحات، وكذلك ليؤكد المجتمع الدولي تضامنه مع أفغانستان، حيث تعهد المجتمع الدولي بتقديم الدعم للحكومة الأفغانية، والتي بدورها التزمت ببرنامج إصلاحي عبر اتفاقية عرفت بـ(إطار عمل طوكيو للمساءلة المشتركة)، كما يشكل مؤتمر لندن المرحلة الأولى من عملية تتألف من مرحلتين، بحيث يعقبه اجتماع لكبار المسؤولين في كابل في 2015».

ورغم الاتفاق في كابل على أن المؤتمر حقق بداية جيدة ولكن هناك خيبة أمل تتمثل في أنه هو وعبد الله عبد الله - رئيس الوزراء الفعلي - لم يتفقا بعد على التشكيلة الوزارية، حسب ما يقول الخبراء. ويعتبر تعيين وزراء في الحقائب الوزارية الأمنية الرئيسية من الأمور التي تعتبر عاجلة بهدف تحسين التنسيق بين الشرطة والجيش الأفغانيين. ويرى الخبراء أن خلق الإدارة الأفغانية الجديدة فرص عمل سيكون أحد المؤشرات بأن عجز الحكومة في طريقها إلى الزوال. والحديث في أروقة «لانكاستر هوس» لم يتوقف أمس عن زيادة معدل عمليات العنف والإرهاب في العاصمة الأفغانية بعد تولي الرئيس أشرف غني الإدارة الجديدة خلفا للرئيس الأسبق حميد كرزاي.

ويجيء مؤتمر لندن بعد الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية في سبتمبر ومع انتهاء المهمة القتالية لقوات الحلف الأطلسي وعلى خلفية تصعيد في الهجمات التي تشنها حركة طالبان ضد أهداف أجنبية في كابل. وسينضم إلى غني وعبد الله مسؤولون دوليون كبار من بينهم وزير الخارجية الأميركي جون كيري ورئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون. فيما أكد مسؤول بريطاني «هذا ليس مؤتمرا لوعود مالية»، وبالتالي نحن لا نتوقع أرقاما كبيرة، المسألة تتعلق بمنح غني منصة لتوضيح رؤيته لمستقبل البلاد. وصرح دانيال فيلدمان الممثل الأميركي الخاص إلى أفغانستان وباكستان أمام صحافيين الأسبوع الماضي بأن المؤتمر الذي يستمر يوما واحدا «يشكل فرصة للولايات المتحدة والشركاء الدوليين الآخرين لتأكيد التزامها إزاء أفغانستان». وأضاف فيلدمان «وربما الأهم انه فرصة لغني وعبد الله من أجل عرض سياستهما من أجل مستقبل أفغانستان السياسي والاجتماعي والاقتصادي». ومع أن الأسرة الدولية خصصت مليارات الدولارات لدعم أفغانستان بعد إطاحة نظام طالبان في 2001، إلا أن علاقاتها كانت متوترة مع الرئيس الأفغاني السابق حميد كرزاي. ويأمل الكثير من الدبلوماسيين في أن تتحسن العلاقات مع الرئيس الجديد الخبير السابق لدى البنك الدولي. ويفترض أن ترحل القوات القتالية للحلف الأطلسي بحلول 31 ديسمبر (كانون الأول) على أن توكل إلى المهمة الجديدة للحلف والتي أطلق عليها اسم «الدعم الحازم» مهمة المساعدة على تكوين الجيش الأفغاني. وسيبقى 12500 جندي تقريبا من بينهم 9800 أميركي بعد 31 ديسمبر ومهمتهم مساعدة وتدريب الجيش الأفغاني. ومع أن الرئيس الأميركي باراك أوباما تعهد بانتهاء المهمة القتالية للقوات الأميركية في أفغانستان بحلول نهاية العام، إلا أن مسؤولين قالوا الشهر الماضي إن القوات الأميركية سيظل بإمكانها مساعدة الجيش الأفغاني والشرطة على محاربة طالبان في بعض الحالات. وقال مسؤولون إن القوات الأميركية تؤمن مؤقتا النقص الذي يتراوح بين 400 و700 جندي من قوات التحالف خلال شتاء 2015.

كما تراجعت المساعدات إلى أفغانستان في السنوات الأخيرة مع تقليص عديد القوات الأجنبية ونفاد صبر الغرب إزاء كرزاي. والهدف الآخر للمؤتمر هو ضمان أن تفي الدول المانحة بالتعهدات التي قطعتها في مؤتمر سابق بهذا الصدد في طوكيو في 2012. وتعهدت بريطانيا بتقديم 178 مليون جنيه إسترليني (225 مليون يورو) سنويا حتى عام 2017. وقال المسؤول البريطاني ردا على سؤال لوكالة الصحافة الفرنسية: «نبقى ملتزمين جدا حيال هذا الأمر. أعتقد أن (الدول) الأخرى ستجدد تعهداتها لطمأنة غني». وكتبت كريستينا رورز من شبكة محللي أفغانستان ومقرها كابل هذا الأسبوع، أنه «يبدو أن التعاطف الذي فقد في السنوات الماضية يعود ببطء إلى الأسرة الدولية». وأضافت أن غني إذا تمكن من تشكيل حكومة وإجراء إصلاحات فعلية بشكل سريع نسبيا فإن «النيات الحسنة يمكن أن تستمر». وقبل المؤتمر، حثت منظمتا العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش الدول المانحة على التشديد على أهمية حقوق النساء وغيرها من قضايا حقوق الإنسان. وقال براد أدامز مدير مكتب آسيا لهيومان رايتس ووتش، إن مؤتمر لندن لحظة حاسمة لتحديد ما إذا كانت حكومة أفغانستان الجديدة ستتخذ إجراءات ملموسة لوضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان وما إذا كانت الدول المانحة تريد الاستمرار في الدفاع عن حقوق الأفغان بعد 2014.

وأضاف أدامز: «من دون ضغوط دولية ومساعدات محددة من أجل وقف انتهاكات حقوق الإنسان، فسيكون من السهل تبديد الكثير من المكاسب التي تم تحقيقها في غضون 13 عاما».

وترى صحيفة «ذي تايمز» أنه «من دون استراتيجية شاملة للمساعدة، ومن دون حوكمة صلبة وتمويل آمن، فإن البلد حيث قتل 453 جنديا بريطانيا و2210 جنود أميركيين، قد ينهار فعلا. وكان جنديان أميركيان واثنان من العاملين بالسفارة البريطانية قتلوا في هجمات منفصلة الأسبوع الماضي، كما قتل وأصيب العشرات من الأفغان. واقتحم مهاجمون السياج الأمني لمعسكر باستيون البريطاني. ويسعى الرئيس أشرف غني للحصول على الدعم لخطته لجعل العام المقبل بداية «عقد التحول» الذي سوف يشهد مساندة سلطة الحكومة.

تولى غني مقاليد الحكم في سبتمبر بعد مساومات طويلة ما بعد الانتخابات شهدت ظهور منافسه السابق عبد الله عبد الله كرئيس الوزراء الفعلي تحت الدور الذي يحمل لقب «الرئيس التنفيذي». ويتعرض غني للضغط لبذل مزيد من المجهود للتصدي للفساد أكثر مما فعله سلفه حميد كرزاي إبان مدة حكمه التي استغرقت 10 سنوات، والالتزام بتحسين حقوق المرأة.