بوتين: مكانة القرم لدى الروس بمكانة الأقصى عند المسلمين

أكد صمود بلاده أمام تحديات الأزمة الأوكرانية لكنه لم يقفل الباب أمام التعاون مجددا مع الغرب

بوتين أثناء إلقاء خطابه إلى الأمة بحضور أعضاء مجلسي البرلمان في موسكو أمس (أ.ب)
TT

في خطابه السنوي إلى الأمة في حضور أعضاء مجلسي البرلمان (الاتحاد والدوما) وحكام الأقاليم والمقاطعات، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس صمود بلاده أمام التحديات الناجمة عن الأزمة الأوكرانية، معلنا تمسك روسيا بشبه جزيرة القرم. وفيما استعرض عملية ضم بلاده إلى شبه جزيرة القرم في مارس (آذار) الماضي، فإنه أكد مشروعية تلك الخطوة واتساقها مع كل القوانين والتشريعات والمواثيق الدولية.

وفي عرضه لأهمية المنطقة، قال بوتين إن للقرم «أهمية ثقافية هائلة، مقدسة بالنسبة إلى روسيا، على ما هو (المسجد الأقصى) و(جبل الهيكل) في القدس بالنسبة للمسلمين واليهود».

وأضاف الرئيس الروسي أنه بالقرم، «في خيرسونيسوس القديمة (التي أصبحت سيباستوبول لاحقا)، تعمد الأمير فلاديمير قبل أن يبدأ تعميد روسيا». وتابع: «هناك تقع الجذور الروحية للوحدة التاريخية للأمة الروسية وللدولة الروسية المركزية. على هذه الأرض، فهم أجدادنا أنهم شعب واحد، إلى الأبد». وختم الرئيس الروسي: «هكذا، سننظر إلى القرم من الآن وصاعدا».

استهل بوتين خطابه بتحية مواطنيه الذين دعموا سياساته وأيدوها في مواجهة الضغوط الغربية. وأشار بوتين إلى ما تقوم به بلاده من جهد وسياسات من أجل الدفاع عن الحق والعدالة، مؤكدا أنها صمدت في وجه الغزو الهتلري، و«لن يستطيع أي كائن كان أن يفرض إرادته عليها»، في إشارة غير مباشرة إلى محاولات الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب إثناءها عن الدفاع عن مصالحها، وهو ما وصفه بأنه «وقاحة سافرة».

وفيما كشف عن وجود بعض الدول التي قال إنها ترغب في تفكك روسيا مثلما حدث في يوغوسلافيا، انتقد بوتين خطط الولايات المتحدة لبناء درع دفاع صاروخي في أوروبا. وأكد بوتين أن موسكو لن تسمح بذلك، وأن أحدا لن يتمكن من تحقيق التفوق العسكري على روسيا التي تملك جيشا عصريا قويا يصفونه بـ«المهذب» ولكنه رهيب»، وإن أكد أن بلاده لن تنجرف إلى سباق للتسلح باهظ التكاليف. وحرص بوتين في هذا الشأن على الإشارة إلى محاولات المتمردين زعزعة استقرار الشيشان التي تمثلت في هجماتهم الأخيرة التي نجحت الأجهزة الأمنية في مواجهتها وإحباطها، مؤكدا استعداد روسيا لدعم الأجهزة الأمنية بالشيشان في مواجهة ما قد تتعرض له من هجمات.

وفيما استعرض الأوضاع بأوكرانيا وما قدمته روسيا لدعم الاقتصاد الأوكراني بما في ذلك القروض والمساعدات التي بلغت 32.5 - 33.5 مليار دولار، أنحى بوتين باللائمة على الولايات المتحدة، والبلدان الغربية التي قال إنها نسيت معاني الكرامة والسيادة واستقلالية القرار، مؤكدا مسؤوليتها تجاه تفاقم الأوضاع هناك في أعقاب إطاحة الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش في فبراير (شباط) الماضي، وما ترتكبه القوات الأوكرانية من انتهاكات في جنوب شرق أوكرانيا. وعلى أن ذلك لم يمنع بوتين من تأكيد استعداد بلاده للعودة إلى التعاون مع الجميع بما في ذلك الولايات المتحدة والدول الغربية، وإن أكد أولوية علاقات بلاده مع بلدان أوروبا وأميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط.

وقال بوتين إن العقوبات التي فرضتها البلدان الغربية كانت حافزا جيدا للاهتمام بقدرات روسيا الذاتية والسعي لاستنهاض القوى الوطنية. وكشف عن قراره بشأن الإعفاءات والتسهيلات الضريبية وعدم تغيير التشريعات الضريبية خلال الأعوام الأربعة المقبلة، وعدم ملاحقة المتهمين بتهريب الأموال شريطة سرعة إعادتهم إلى هذه الأموال واستثمارها في الداخل بعيدا عن أي تبعات قانونية وعقوبات، إلى جانب التخفيف من سطوة الأجهزة الرقابية. وجاء اقتراح بوتين هذا بعد يومين من تقرير لوزارة الاقتصاد حدد حجم الرساميل الهاربة بنحو 125 مليار دولار، خلال سنة 2014 وحدها، منذ بداية الأزمة الأوكرانية والعقوبات الغربية التي تلت.

وقال بوتين، أمس، أيضا إن روسيا تملك من الأسواق والآليات ما يساعدها على توفير المناخ الملائم لتجاوز هذه العقوبات والتحول نحو الاكتفاء الذاتي والعمل من أجل تحديث الاقتصاد الوطني والدفاع عن مقدرات الدولة. ووعد الرئيس الروسي باتخاذ الإجراءات المناسبة لوقف انهيار العملة الوطنية (الروبل)، مشيرا إلى أن الأجهزة المعنية ليست غافلة عما يفعله المضاربون الذين توعدهم بالعقاب. وقال إنه طلب من البنك المركزي والحكومة التنسيق فيما بينهما واتخاذ الإجراءات الصارمة اللازمة للتعامل مع هؤلاء المضاربين، والحد من تجاوزاتهم في سوق الصرف الأجنبية.

ولم يغفل بوتين الحديث عن «المكاسب الديموغرافية» التي حققتها روسيا خلال السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أن توقعات الأمم المتحدة في مطلع القرن الـ21 كانت تقول بانحسار التعداد السكاني لروسيا، وتناقص عدد مواطنيها مع نهاية عام 2013 حتى 136 مليون نسمة، فيما يؤكد الواقع الراهن أن تعداد السكان يبلغ اليوم 144 مليون نسمة؛ أي بما يفوق ما كانت تتوقعه المنظمة الدولية بـ8 ملايين نسمة، في وقت يبلغ فيه متوسط العمر في روسيا اليوم 71 سنة، معربا عن الأمل في الارتفاع بهذا الرقم خلال السنوات القليلة المقبلة حتى 74 سنة. وتطرق بوتين إلى الحديث عن الصحة والتعليم، مشيرا إلى ما تحقق من إنجازات تبشر بمستقبل واعد، وإن أشار إلى الكثير من القصور في مجال التقدم العلمي، وهو ما قال بضرورة العمل من أجل تجاوزه وربط التعليم باحتياجات الصناعة والأقاليم في روسيا بما يكفل سد الفجوة القائمة والحد من واردات روسيا في مجال التكنولوجيا العصرية من الغرب.