بن عيسى: العالم العربي يجابه مخاطر التفكك بسبب الفتنة التي عمَّت كثيرا من دوله

أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة يرى أن العرب فشلوا في إقرار اندماج اجتماعي حقيقي

TT

قال محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، ووزير خارجية المغرب الأسبق، إن الطريق للتصدي لأي مشروع يهدف إلى إعادة تقسيم الخريطة الجيوسياسية للعالم العربي «يتطلب منا مراجعة الذات والإقدام بجرأة وشجاعة وثقة في النفس على ترسيخ المؤسسات الدستورية وتثبيت دعائم الأمن والاستقرار، وتحقيق مستويات مقبولة من التنمية».

وأوضح بن عيسى، الذي كان يتحدث أمس في مداخلة حول «مشروع الشرق الأوسط الجديد» ضمن ندوة «التكامل العربي: حلم الوحدة وواقع التقسيم» المنظمة ضمن فعاليات مؤتمر فكر السنوي الثالث عشر (فكر13 )، أنه من خلال ذلك يمكن أن تُفتح الأبواب بصورة فعلية لجملة من الإصلاحات السياسية، التي تضمن الحرية والكرامة للمواطن العربي، وتيسر نشوء بيئة مناسبة للإبداع والنهوض، مما يُمَكِّن العرب من تحصين أنفسهم وفرض احترامهم، في عالم لا يحترم إلا الأقوياء، واسترجاع مكانتهم، واستئناف دورهم الحضاري.

وأضاف بن عيسى أنه بغير ذلك «فإننا، باستثناءات قليلة، نجدنا نسير على طريق يعرّض الوجود العربي للخطر وربما للاضمحلال. نحن في حقيقة الأمر أمام مقاربة قد تبدو وهما أو افتراضا، لكننا في الواقع أمام مقاربة مضمونها: نحن العرب، إما أن نكون أو لا نكون». وأشار بن عيسى إلى تعامل عدد من الباحثين والإعلاميين العرب مع مشروع «الشرق الأوسط الجديد» على أساس أنه مؤامرة سياسية أو دسيسة تتربص بهم. بينما اعتبره آخرون مجرد بديل لما قد تؤول إليه الأمور في المنطقة العربية وجزء من المنطقة الإسلامية الآسيوية، حفاظا على المصالح الأميركية وعلى النفوذ الغربي عموما في المنطقة.

وقال بن عيسى «نحن في العالم العربي نجابه مخاطر التفكُّك والشرذمة بصورة فعلية.. ليس بسبب مشروع (الشرق الأوسط الجديد).. وإنما بحكم الفتنة التي عمَّت كثيرا من الدول العربية وقيام منظمات إرهابية.. ذلك أننا نُخَصِّب الأرضية التي تؤهل مشروع (الشرق الأوسط الجديد) لتحقيق أهدافه والتحكم في اقتصاديات المنطقة واستراتيجياتها».

وحتى نفهم هذه الدينامية في إطارها الصحيح، ونكون قادرين على التعاطي معها، قال أمين عام منتدى مؤسسة أصيلة «يجب أن نميز، في ما يخص هذه الحالة، بين العوامل الموضوعية، التي تسير وفق منطق التاريخ والجغرافية والعلاقات الدولية، وبين العوامل الذاتية، التي نتحمل فيها مسؤوليتنا كعرب، والتي يجب أن نعمل على مراجعتها وتصحيحها». فمن حيث العوامل الموضوعية، يرى بن عيسى أن بعض أهم ما انبلجت عنه الحرب العالمية الأولى وبعدها الحرب الباردة «إعادة تقسيم الخريطة الجيوسياسية للعالم. وقد شاهدنا كيف سيطرت أوروبا على العالم بعد حرب 1914 وقسمت دوله وشتتت شعوبه وأقامت نظما استعمارية جديدة ما زلنا نعاني من تداعياتها إلى اليوم». وأضاف أن انهيار الاتحاد السوفياتي السابق فرخ عددا هائلا من الدول على مرتكزات إثنية بالأساس، مشيرا إلى أن عددا من هذه الدول، التي كانت جزءا من حلف وارسو، انضمت إلى الحلف الأطلسي، وأصبحت جزءا من الطوق الذي يحيط بالخاصرة الروسية.

وأشار بن عيسى إلى تغير الأولويات الاستراتيجية للولايات المتحدة، وقال «لا شك أن التحولات العميقة التي عرفها العالم في نهاية القرن الماضي كانت مشجعة للولايات المتحدة على مراجعة استراتيجيتها»، مشيرا إلى أن الرئيس باراك أوباما وعددا من مساعديه أعلنوا، منذ 2012، عن التوجهات الجديدة التي جعلت منطقة المحيط الهادي تغدو على رأس أولوياتهم، وهو ما يعني ضرورة وضع الترتيبات النهائية في منطقة الشرق الأوسط، للمحافظة على المصالح الأميركية التقليدية بها.

واضح بن عيسى أن السمة الأساسية لهذه الترتيبات هي مراعاة المصالح الأميركية، على المدى البعيد. وقال إنها تكمن في إقصاء القوى المنافسة الصاعدة، والإبقاء على موازين القوى الحالية، وتقليص الكلفة البشرية والمادية، بتجنب حروب قد تضطر الولايات المتحدة إلى الانخراط فيها، وحماية حلفائها الاستراتيجيين، وضمان استمرار تدفق المواد النفطية بأسعار معقولة.