الجوع يهدد عشرات آلاف اللاجئين السوريين في لبنان إثر تعليق المساعدات الغذائية

هادي البحرة يبدأ حراكا دوليا من الدنمارك للدفع إلى تأمين التغطية اللازمة لبرنامج الغذاء العالمي

وزير الخارجية الدنماركي مارتن ليدغارد ورئيس الائتلاف السوري المعارض هادي البحرة خلال مؤتمر صحافي مشترك عقد أمس في كوبنهاغن (أ.ف.ب)
TT

طرق الجوع أبواب عشرات آلاف اللاجئين السوريين في لبنان وتركيا والأردن والعراق ومصر في أول يوم من سريان قرار برنامج الأغذية العالمي بتعليق المساعدات الغذائية لغياب التمويل. وكان حجم المأساة أكبر في الدول حيث لا مخيمات منظمة تصلها مساعدات من الحكومات المضيفة أو الجمعيات الأهلية، وبوجه خاص في لبنان.

ولم يستوعب بعد نحو 70 ألف لاجئ سوري في بلدة عرسال الحدودية الواقعة شرق البلاد، حيث أكبر تجمع للاجئين في لبنان، تداعيات القرار عليهم، وهم من كانوا ينتظرون دوريا الساعة 12 ظهرا من خامس يوم من كل شهر، للاستفادة من 30 دولارا كان برنامج الأغذية يقدمها للفرد الواحد في العائلة على شكل مبلغ مالي عبر بطاقة إلكترونية.

وحذّر مسؤول «اتحاد الجمعيات الإغاثية» في عرسال حسن رايد من تداعيات قرار وقف المساعدات الغذائية، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «المئات سيموتون من الجوع.. هذه البطاقة كانت كل ما لديهم، بعدما توقفت الجمعيات المحلية عن مدّهم بالمساعدات نظرا للأوضاع الأمنية المتوترة في البلدة وصعوبة الوصول إليها».

وفي وسط عرسال، تجمع العشرات من اللاجئين عساهم يسمعون أخبارا جديدة، تعيد بعض الطمأنينة إلى نفوسهم، لجهة رجوع برنامج الأغذية عن قراره. وبعدما فقدوا الأمل من هذه الإمكانية، وقفوا ينتظرون وصول جمعيات محلية تأتيهم بما قد يملأ بطون أطفالهم الجائعين في المخيمات.

أسعد درة (50 عاما) الذي نزح وزوجته وأطفاله الـ6 من القلمون السورية، لم يستطع أن يقف عاجزا بانتظار معجزة، أخذ يتنقل بين محلات البلدة بحثا عمّن يقبل أن يعطيه ربطة خبز يدفع ثمنها لاحقا، فقد فاق حجم دين درة لدى أحد المحال التجارية في البلدة الـ500 ألف ليرة لبنانية أي ما يعادل الـ333 دولارا أميركيا وبالتالي رفض صاحب المتجر أن يعطيه مزيدا من الطعام خاصة وبعدما علم بتوقف المساعدات الغذائية للاجئين.

وقال درة لـ«الشرق الأوسط»: «أنا مريض بالديسك، واستنفدت كل الوسائل لتأمين الطعام لأولادي الـ6 الذين ينتظرون عودتي إلى الخيمة مع ربطة خبز»، وأضاف: «نحن منذ يومين نأكل البطاطا المسلوقة واليوم لم يعد لدينا إلا بعض الخبز الذي نبلله بالشاي».

«العالم ميتة من الجوع»، هكذا يجيب محمد (22 عاما) والذي نزح مع والدته وأختيه من حمص إلى عرسال، من يسأله عن الوضع العام، مضيفا: «قد تعتبرون أنني أبالغ بالحديث عن الموت من الجوع، لكن هذا هو الواقع تماما.. كنّا نعتمد على البطاقة وعلى الـ30 دولارا شهريا، اليوم بتنا من دون أي مساعدة على الإطلاق، أضف لكل هذا أن لا أعمال يمكن مزاولتها في عرسال لسد احتياجاتنا». محمد كعشرات غيره يعيشون في مخيم «المحبة» في عرسال، يقتات على «الزيت والزعتر إذا توفرا».

لم يكن وقع قرار وقف المساعدات سهلا أيضا على موظفي برنامج الأغذية العالمي الذين اضطروا قبل أيام لزيارة اللاجئين في مخيماتهم لإبلاغهم بالخبر. وقالت المتحدثة باسم «البرنامج» في لبنان ساندي مارون لـ«الشرق الأوسط»: «كانت خطوة اضطرارية قمنا بها، ولم تكن سهلة لا علينا ولا عليهم.. اليوم نسأل أنفسنا هل سيتمكنون من التأقلم مع الواقع الجديد؟ هل سيقللون من عدد الوجبات التي يتناولونها؟ كيف سيتأثر أمنهم الغذائي خاصة أنّهم صرفوا كل مدخراتهم؟»، وأعربت مارون عن تخوفها من تفاقم حالات اجتماعية غير سليمة بعد قرار وقف المساعدات، كعمالة الأطفال والتسول وغيرها، وأضافت: «والتخوف الأكبر هو من انعكاس الأمر على الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية في لبنان».

وكان وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني رشيد درباس دقّ ناقوس الخطر في الجلسة الحكومية الأخيرة منبها من «كارثة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي» بعد قرار برنامج الأغذية العالمي، لافتا إلى أنّه «لن يؤثّر فقط على السوريين، بل على البيئة الحاضنة لهم، لا سيما أنّ وجودهم يتركّز بشكل أساسي في مناطق فقيرة، في الشمال والبقاع»، مبديا خشيته على الاستقرار اللبناني.

وكان برنامج الأغذية العالمي أعلن الاثنين الماضي تعليق المساعدات الغذائية التي تتم بواسطة قسائم شراء لمئات آلاف اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان وتركيا والعراق ومصر، بسبب نقص الأموال.

وأطلق البرنامج يوم الأربعاء حملة تبرعات على شبكات التواصل الاجتماعي لجمع مبلغ 64 مليون دولار الضروري لاستئناف المساعدة الغذائية، من خلال دعوة كل فرد حول العالم للتبرع بدولار واحد.

وكشفت مارون أن البرنامج نجح في اليوم الأول من الحملة التي انتهت ليل أمس السبت، في جمع 21 مليون دولار، لافتة إلى أنّه سيتم الكشف عن مجمل المبلغ الذي تم تأمينه في الساعات المقبل: «على أن يتم تحويل الأموال مباشرة إلى بطاقات اللاجئين ليستفيدوا منها لتأمين الغذاء».

وقد بدأ البرنامج مساعداته للاجئين السوريين في يونيو (حزيران) 2012 من خلال توزيع سلة مواد غذائية شهرية، استبدلت لاحقا بقسائم ورقية وصولا في سبتمبر (أيلول) 2013 لتوزيع بطاقات إلكترونية أشبه بـcredit cards يتم تحويل 30 دولارا إليها عن الفرد الواحد كل شهر.

وطلب رئيس الائتلاف السوري المعارض هادي البحرة من وزير الخارجية الدنماركي ماتن ليدغارد الذي التقاه يوم أمس الجمعة في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، مساعدة حكومة الدنمارك في طرح قضية المساعدات اللازمة لبرنامج الغذاء العالمي كيلا يتم إيقاف الدعم عن 1.7 مليون لاجئ سوري، مشددا على ضرورة سد العجز المالي الذي يواجهه البرنامج.

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) حذّرت من أن «تعليق المساعدات الغذائية يزيد من المخاطر الصحية ويهدد السلامة خلال شهور الشتاء»، محذرة من أن «الملايين من أطفال اللاجئين السوريين الأكثر هشاشة قد يأوون إلى الفراش ببطون خاوية، إثر تعليق برنامج الغذاء العالمي مساعداته لنحو 1.7 مليون سوري».