ميزان التبادل التجاري بين ألمانيا والعالم العربي يشهد تراجعا ملموسا خلال 2014

الصادرات للمنطقة تلامس 26 مليار يورو بزيادة 7.5 % في 9 أشهر

التحولات السياسية في المنطقة أثرت على الصادرات وأخلت بالميزان التجاري مع ألمانيا
TT

يشهد التبادل التجاري بين ألمانيا وبعض البلدان العربية استقرارا وانتعاشا، ويشهد مدا وجزرا مع بعضها الآخر، وذلك نتيجة التحولات السياسية فيها، والتي ما زالت ترمي بظلالها على الوضع الأمني مما جعل أيضا الاستثمارات الألمانية المباشرة وغير المباشرة في تراجع قد تكون نتائجه على المدى البعيد سلبية حسب تقدير خبراء اقتصاد ألمان، إذ إن المستثمرين الألمان قد يبحثون عن مواقع أخرى لهم في العالم.

وبناء على بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي في مدينة فيسبادن، فالصادرات الألمانية إلى الدول العربية خلال الفترة ما بين يناير (كانون الثاني) وسبتمبر (أيلول) 2014 قد زادت 7.5 في المائة لتصل قيمتها إلى 26 مليار يورو، وفي الفترة نفسها من عام 2013 كانت 25.025 مليار يورو.

في المقابل انخفضت واردات ألمانيا من البلدان العربية بنسبة 26 في المائة وهي نسبة عالية جدا لم تشهد السنوات الماضية مثلها، ويعود السبب في ذلك إلى تراجع ما استوردته ألمانيا خاصة من البلدان التي تشهد تغييرات سياسية مثل ليبيا وتونس ومصر والعراق وسوريا، لكن بالدرجة الأولى إلى تراجع ما استوردته من النفط الليبي والسوري، عدا عن ذلك فإن المكتب لا يتوقع تغييرا في حركة التبادل التجاري لما تبقى من أشهر السنة.

لكن ما يجب ذكره أن حجم الصادرات الألمانية إلى البلدان العربية نما في الربع الثالث من 2014 بنسبة ملحوظة بعد أن ظل دون المتوقع وكان حتى يونيو (حزيران) 5.3 في المائة (بقيمة 17.8 مليار يورو) بعدها زاد بواقع 7.55 في المائة، ورجح الكفة زيادة مشتريات البلدان العربية من السلع الإلكترونية والسيارات على أنواعها والأجهزة الكهربائية. بينما أصيب حجم الصادرات العربية إلى ألمانيا بالتراجع الحاد وأحد الأسباب ليس فقط النفط بل سلع أخرى كانت تعبر إلى الأسواق الألمانية بناء على اتفاقيات تجارية بين الاتحاد الأوروبي وبلدان مثل المغرب وتونس.

* الواردات الألمانية من السعودية في تراجع

* ولقد تراجع حجم ما استوردته ألمانيا من البلدان العربية ما بين يناير ويونيو 2014 بنسبة 26.8 في المائة ليستقر التراجع على 26.09 في المائة في الربع الثالث (من يونيو وحتى سبتمبر).

ومن البلدان التي تراجعت مشتريات ألمانيا منها المملكة العربية السعودية بنسبة وصلت إلى 27.33 في المائة، وقبلها ليبيا ووصل التراجع إلى أعلى حد وهو 76.72 في المائة، ثم سوريا 55.32 في المائة (معظمها نفط)، والكويت 64.43 في المائة، لكن أيضا دولة الإمارات العربية المتحدة ونسبة التراجع كانت حتى سبتمبر 15.52 في المائة، وقطر 14.06 في المائة، وهذه النسب في التراجع لم تشهدها الأعوام الماضية بهذه الحدة.

إلا أن الجزائر عاكست الوضع؛ فما استوردته ألمانيا منها زاد بنسبة 45.57 في المائة، وأيضا ما صدرته ألمانيا إليها بزيادة 25.14 في المائة.

من جانب آخر تواصل الإمارات العربية المتحدة تصدر قائمة مستوردي السلع الألمانية من العالم العربي ووصل حجمها للفترة ما بين يناير وسبتمبر عام 2014 إلى 7642 مليون يورو وكانت ما بين يناير ويونيو 4807.8 مليون يورو، تلتها المملكة العربية السعودية بما قيمته 6719.8 مليون يورو ووصلت ما بين يناير ويونيو 4585.2 مليون يورو، فجمهورية مصر العربية 2088.6 مليون يورو وكانت ما بين يناير ويونيو 1349.9 مليون يورو، والجزائر من 1330.4 مليون يورو ما بين شهر يناير ويونيو إلى 1834.8 مليون يورو حتى شهر سبتمبر.

بينما يميل ميزان التجارة لعام 2014 لصالح ألمانيا، أكد بدوره لـ«الشرق الأوسط» الأمين العام لغرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية السيد عبد العزيز المخلافي؛ حيث قال إن التراجع حتى شهر سبتمبر 2014 كان كبيرا ووصل إلى 26 في المائة، مما دفع إلى القول إن الميزان التجاري العربي الألماني بشكل عام يعاني من اختلال لأن العلاقات التجارية الصحيحة تعني أنه يجب أن يكون هناك توازن في المبادلات بين الصادرات والواردات. ألمانيا تصدر إلى البلدان العربية أكثر مما تستورد منها والأسباب كثيرة ولكن أهمها هو أن صادرات العالم العربي الرئيسية إلى الخارج النفط والغاز وكانت ألمانيا تستورد بشكل رئيسي النفط من ليبيا ونتيجة التحديات الموجود في هذا البلد تراجعت طبعا صادراته النفطية أيضا إلى ألمانيا وهذا يشكل السبب الرئيسي لتراجع الواردات من البلدان العربية. لذا من الأهمية بمكان أن تسعى كل المؤسسات التي تعمل في مجال التعاون العربي الألماني على تصحيح الخلل في الميزان التجاري. وكغرفة تجارة وصناعة عربية ألمانية تسعى عبر أنشطتها إلى التركيز على هذا المبدأ بشكل أساسي، رغم ذلك فإن هناك دولا عربية لديها توازن في المبادلات التجارية مع ألمانيا مثل تونس ويعود الأمر بشكل أساسي إلى وجود شركات ألمانية تستثمر وتصنع وتنتج هناك وبالتالي يتم إعادة الصادرات إلى السوق الأوروبية أو السوق الألمانية.

وعن سبب عدم تدفق السلع العربية إلى السوق الألمانية رغم أن بعض الدول العربية أصبحت تنتج سلعا عالية الجودة، نوه الأمين العام لغرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية إلى أمر مهم. فبرأيه دون شك هناك سلع ومنتجات عربية وخليجية كثيرة بإمكانها أن تنافس سلعا في السوق الألمانية وفي السوق الأوروبية لكنها بحاجة إلى خطط ترويج جيدة، لذا يجب أن تكتمل جهود غرفة التجارة والصناعة الألمانية بجهود أخرى داخل هذه الدول من أجل الترويج للصناعات المحلية في الأسواق العالمية والسوق الألمانية بشكل أساسي. وفي زياراته ولقاءاته مع الفعاليات الاقتصادية الألمانية يؤكد دائما أن هناك صناعات محلية في بلدان مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات وغيرها من البلدان العربية أصبحت قادرة على المنافسة عالميا نتيجة تطور الجودة وتطور المنتج، وبالتالي فإن ما ينقص هو التسويق والتعريف بهذه المنتجات في الأسواق العالمية.

وعن مدى إتقان المنتج العربي لتسويق سلعه قال: «نحن مجتمعات ناشئة صناعيا والصناعة كانت مركزة أولا على الأسواق المحلية وكانت معظم الصادرات العربية تتركز في العقود الماضية على سلع خام أولية كالنفط والغاز أو غيرهما من المعادن، لكن الآن حصل تطور في صناعات مختلفة وبدأت هذه الصناعات تأخذ مداها ليس فقط لإشباع الأسواق المحلية ولكن لدخول الأسواق الخارجية أيضا».

وذكّر المخلافي أن ألمانيا ورغم شهرتها العالمية فإن تسويق منتجها ما زال يعتمد على المشاركة المكثفة في المعارض الدولية المختلفة التي تقام في المدن الألمانية وتأتي إليها دول العالم، والغرفة لديها استراتيجية عمل تحاول عبرها بالتعاون مع الغرف المحلية في الدول العربية والمؤسسات الرسمية هناك نقل صورة إلى المنتجين العرب والمصدرين العرب والتركيز على أهمية الوجود في مثل هذه المعارض للتعريف بالمنتج والبحث عن أسواق. وتعمل الغرفة على أن يكون هناك إطار صحي وملائم للعلاقات وهذا يتشكل من خلال توازن في التبادل التجاري أيضا من خلال وجود أكثر للصناعات والشركات الألمانية في المنطقة العربية.

لكنه أضاف: «تشجع ألمانيا الصناعات المحلية وبالذات الشركات الصغيرة والمتوسطة للوجود في الأسواق الدولية سواء من خلال المعارض أو من خلال الأنشطة المختلفة التي تقوم بها الحكومة الألمانية وتدعم بها صغار المصنعين لكن هذا القطاع في العالم العربي ما زال في البداية رغم وجود دول عربية أصبحت تصنع سلعا بجودة عالمية وأصبحت موجودة في الأسواق الأوروبي الواسعة».

وكما حال الصادرات العربية إلى ألمانيا أيضا حال الاستثمارات الألمانية في البلدان العربية، ففي الوقت الذي زادت فيه الاستثمارات العربية في ألمانيا بشكل كبير في قطاعات كثيرة فإن قطاع الصناعة أو المال أو العقارات أو الصناديق السيادية أو الاستثمارات الخاصة تراجع مثل حجم الاستثمارات الألمانية في العالم العربي بشكل كبير، وهذا له أسباب كثيرة حسب تقدير السيد المخلافي من أهمها أن الكثير من الشركات الألمانية كانت تأخذ المنطقة العربية ككتلة واحدة، أي ككل من دون أن تنظر إلى الاستقرار الذي تشهده بلدان كثيرة. فإذا أخذنا اليوم مثلا دول مجلس التعاون الخليجي فإنها أصبحت من أهم المناطق جذبا للاقتصاد في العالم والكثير من الشركات العالمية توجد فيها بشكل مكثف. وحسب خبرة الغرفة التجارية فإن الشركات الألمانية وبالذات الشركات الكبيرة بدأت تفكر في استراتيجيات مختلفة، ففي السابق كانت تنظر إلى الأسواق من أجل تصريف السلع فقط واليوم تقول لا يمكن الاستمرار في هذه السياسة والوجود المباشر في الأسواق والإنتاج في الأسواق يجذب مزيدا من المنافع، ولذلك هناك الكثير من الشركات الكبيرة مثل «سيمنز» و«بي إس إف» وغيرهما من الشركات الحاضرة هناك والمثال على ذلك وجودها المكثف في المملكة العربية السعودية وهو وجود واعد.

ومع أن الوضع الأمني غير مستقر في بعض البلدان العربية حتى اليوم فإن غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية تواصل نشاطها إن في إقامة ورش عمل أو في مؤتمرات، وهنا يقول السيد المخلافي: «إن الأحداث القائمة لا يمكن لأحد إنكارها، وتشهد المنطقة تحديات سياسية وتنموية وتحديات مختلفة ولكن الحياة لم تتوقف بل تتواصل والنمو في المنطقة العربية يتواصل مع اختلاف الحال من بلد إلى آخر. لكن ما يستطيع الإنسان أن يؤكده بشكل أساسي أن مؤشرات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن النمو في البلدان العربية على المدى الطويل إيجابي جدا، والأمثلة على ذلك اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي أو اقتصاديات المغرب أو الأردن أو غيرها من البلدان. فرغم التحديات تحقق اقتصادياتها نموا مرتفعا».