شارع «بدارو» يستعيد لقب «القلب النابض» لبيروت

استعراضات أوروبية ومعارض فنية وأكثر من 30 مقهى ومطعما شاركت في افتتاحه رسميا وشعبيا

قرية «سانتا كلوز» التي استحدثت في شارع بدارو
TT

«القلب النابض» لبيروت كان اللقب الذي رافق شارع «بدارو» لسنين طويلة قبيل اندلاع الحرب في لبنان عام 1975. فهذا الشارع الذي لا يتجاوز طوله الكيلومتر الواحد، والذي أهمل لأكثر من 30 عاما بسبب موقعه الجغرافي؛ إذ كان يقع على خطوط التماس الفاصلة بين مناطق عين الرمانة والشياح والطيونة، استعاد اليوم حيويته ليرتدي حلّته الجديدة وليعود يشكّل ملتقى رجال الأعمال وأهل السياسة والإعلام والفن في مقاهيه ومطاعمه التي يفوق عددها الـ20.

فبحضور فعاليات رسمية، وبرعاية وزير السياحة في لبنان ميشال فرعون، تم تدشين هذا الشارع الذي بلغت تكلفة إعادته إلى الحياة 15 مليون دولار، تولّاها كل من مجلس الإنماء والإعمار في لبنان وبلدية بيروت.

تضمنت هذه المناسبة التي نظّمتها لجنة تجار «بدارو» وعلى مدى يومين متتاليين، استعراضات غنائية ومسرحية من لبنان وروسيا وإنجلترا وفرنسا، إضافة إلى أسواق عامة مفتوحة أمام الجميع وقرية «بابا نويل»، وعروض للأزياء وغيرها من النشاطات التي استقطبت أصحاب مطاعم من خارج منطقة بدارو أيضا، فأقاموا منصات خاصة بهم وصل عددها مجتمعة بمقاهي بدارو إلى الـ30 مطعما.

الحياة بكل ألوانها استمتع بها زوار الشارع المذكور، فالكبار منهم تجولوا بين خيم سوقه «Marche de noel»، والتي فاق عددها الـ100، وراحوا يختارون منها حاجات زينة الأعياد وهداياه على وقع موسيقى شرقية وغربية، في حين وجد فيه الأطفال فسحة تسلية لهم فتنقلوا ما بين هذا الاستعراض وذاك، يشاهدون شخصيات شهيرة من الرسوم المتحركة التي استقدمت خصيصا للمناسبة من «أورو ديزني» كـ«سانتا كلوز» و«شترومف» و«جينجل بيلز»، وغيرها.

وتمتع الصغار في متابعة استعراض «led snow bells» من لندن، و«الحسناء النائمة» من فرنسا، والتقطوا صورا تذكارية في «قرية الميلاد» التي امتدت على مساحة 100 متر مربع، وشاركوا في أعمال الرسم والطبخ الدائرة في زوايا خاصة من المهرجان، كما دونوا تمنياتهم ومطالبهم والألعاب التي يرغبون في الحصول عليها لمناسبة الأعياد في رسائل موجهة إلى «سانتا كلوز».

أما المسنون من أهل المنطقة ومن سكان هذا الشارع بالذات، فراحوا يستعيدون في ذاكرتهم أوقاتا سبق أن عاشوها في أيام الشباب، عندما كانوا يجلسون في مقاهي شارع بدارو المشهورة، كـ«بدارو إن» و«لابارات» و«أورينتال»، وغيرها.

وقال أحدهم ويدعى نبيل كرم ويعمل في مجال الهندسة المعمارية، إنه يتذكر هذا الشارع في أوائل السبعينات عندما كان واحدا من روّاده الدائمين؛ إذ كان يجتمع وأصدقاؤه في مقهى «بدارو إن» يتسامرون حتى ساعات متأخرة من الليل. أما نوال الديب التي كانت تتجول في الشارع مع ابنتها فقالت: «ليت ابنتي تعرّفت إلى هذا الشارع في السبعينات؛ إذ كان لديه عطر خاص به يميزه عن باقي شوارع بيروت القديمة، سواء في هندسته المعمارية أو في مقاهيه ومطاعمه، وأنا سعيدة اليوم كوني عايشت شارع بدارو ما قبل الحرب واليوم».

5 مراحل مرّ بها هذا الشارع منذ 3 سنوات حتى اليوم ليستعيد مكانته على خارطتي الاقتصاد والسياحة اللبنانيتين.

ففي المرحلتين الأولى والثانية أعيد تجديد بنيته التحتية التي شملت التمديدات الكهربائية، وشبكات لمياه الشرب وأخرى لتصريف مياه الأمطار وغيرها. أما المرحلة الثالثة فقد شهدت إنشاء مركز ثابت لحرس بلدية بيروت، في وسط الشارع الرئيسي والطرقات الممتدة منه وإليه، وصولا إلى المرحلة الرابعة التي نتج عنها استثمارات مالية بهدف افتتاح مقاهٍ ومطاعم عدة كـ«الشاورمنجي»، و«كوديتا كافيه»، و«دون بايكر»، و«سبوت»، و«أورينت إكسبرس»، و«مام آند آي»، و«لو برازييه»، و«ليناز»، وغيرها من المقاهي التي فاق عددها الـ20. كما تم إنشاء أول فندق في المنطقة «Smallville»، والذي شكّل نقطة الانطلاق إلى المهرجان. فقد سار المدعوون إلى هذه المناسبة على سجادة حمراء افترشت أرض الشارع الممتد ما بين موقعه (قرب متحف بيروت)، وصولا إلى شارع «بدارو» الرئيسي، والذي شهد قطع شريط افتتاحه من قبل وزير السياحة ميشال فرعون ورئيس لجنة تجار شارع بدارو جورج براكس.

وأشار جورج براكس، رئيس لجنة تجار بدارو، إلى أن القيمين على إعادة إحياء هذا الشارع عمدوا إلى أن يظهر في أبهى حلّة، وأن يتضمن أفضل المقومات الاقتصادية والأمنية المطلوبة ليكون على أعلى مستوى تنظيمي في هذا الصدد، يمكن أن يدرجه ضمن قائمة أفضل الشوارع وأجملها عربيا وعالميا. ولفت إلى أن «شارع بدارو» يشكّل بوابة بيروت الإدارية (من الناحية الجنوبية الشرقية)، كما أنه يحتل المرتبة الأولى في لائحة المناطق الجاهزة لمزيد من فرص الاستثمار. ومن المتوقع أن يتم استحداث مساحة خضراء في منطقة بدارو، تحمل اسم مشروع «الواحة الخضراء» الممول من قبل جمعية فرنسية (ريجيون دي فرانس)، ويتضمن توسيع وتشجير الأرصفة في الشارعين الرئيسيين في بدارو، إضافة إلى إنشاء طريق خاص للدراجات الهوائية ومقاعد للعموم.

وأكد براكس في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن لجنة بدارو أخذت في عين الاعتبار ما أصاب المناطق الأخرى في بيروت كالجميزة مثلا، والتي عانى أهلها وسكانها من الضوضاء الناتجة عن المشاريع الخدماتية السياحية المقامة فيها، فنسقت مع جميع المقاهي والمطاعم لاتخاذ الاحتياطات التنظيمية اللازمة في هذا الموضوع.