المؤسسات التعليمية الأميركية المستفيد الثاني من الأعمال الخيرية

تقرير حول إمكانية الإفادة من المليارات التي يتبرع بها المانحون إلى التعليم العالي

ليزا سيلز وكارين دوبنسكي ومارلين سكوني ستام أمام أحد أبواب كلية لاغارديا المجتمعية الأميركية (نيويورك تايمز)
TT

في ذلك الوقت من الحفل السنوي العام الماضي، قامت كلية لاغارديا المجتمعية الأميركية، التي يمكن وصفها بأنها أكثر كليات البلاد من حيث التنوع العرقي، بتكريم السيدة مارلين سكوني ستام، الرئيس التنفيذي لشركة التدفئة والتكييف العالمية، وكانت طفلة نشأت في الجزء الجنوبي من مدينة شيكاغو وقد التحقت بجامعة نورث - ويسترن من خلال منحة دراسية، ثم حافظت السيدة ستام على التزامها بالتعليم وانضمت إلى مجلس كلية لاغارديا التأسيسي قبل 6 سنوات؛ حيث أثبتت لنفسها أنها بارعة جدا، بينما يتعلق بالاتصالات الشبكية لخدمة تلك المؤسسة التعليمية ذات القدرات المحدودة ومن أجل جمع الأموال لصالحها.

تحتل مباني الكلية الـ4 مكانا تطل منه على خطوط القطار رقم 7 المرتفعة في لونغ آيلاند سيتي بكوينز؛ حيث تخدم كلية لاغارديا 50 ألف طالب كل عام، والكثير منهم طلاب مهاجرون وأكثر من ثلثي الطلاب قادمون من عائلات يبلغ متوسط دخلها السنوي 25 ألف دولار أو أقل.

واحدة من أولى الأشياء التي تلاحظها عند زيارتك لمبنى الكلية هي رؤيتك لعدد من الطلاب يدفعون أمامهم عربات الأطفال أو يحملون أطفالهم على أيديهم. وخلال الاحتفال، قُدمت السيدة ستام بواسطة امرأة تحمل قصة درامية في تفاصيلها؛ غير أنها مألوفة من حيث الحرمان. فلقد طُردت من منزلها على يد والديها المدنين للمخدرات، وأنجبت طفلها الأول حينما كانت في الـ16 من عمرها، وتحملت آلام الغسيل الكلوي وجراحة زراعة الكلى، وكانت رغم كل ذلك قادرة على البقاء في كلية لاغارديا – وفي نهاية المطاف انتقلت إلى كلية سميث – بسبب منحة دراسية قدمتها لها المؤسسة التعليمية.

واعترافا منه بالأمسية الجميلة، قام السيد آرثر ستام، زوج السيد مارلين ستام، بالتبرع بمبلغ 100 ألف دولار، وفي ذلك الوقت، كان ذلك المبلغ يعتبر أكبر منحة قُدمت إلى الكلية من مانح واحد خلال تاريخها البالغ 42 سنة.

منذ شهر يناير (كانون الثاني) وحده، وعلى النقيض من ذلك، تلقت جامعة ديوك، التي تشرف على تعليم 14.850 طالب في الحرم الجامعي البالغة مساحته 8.709 فدان منحا وتعهدات تُقدر بمليون دولار أو أكثر كل 6 أو 7 أسابيع في المتوسط. ومن خلال تلك المنح وحدها، تمكنت جامعة ديوك من تأمين مبلغ 49 مليون دولار لهذا العام وحده. وحتى الآن، وفقا لآخر التصنيفات المنشورة، فإن الوقف الجامعي، الذي يقترب سعر أصوله من 6 مليارات دولار في عام 2012. لم يكتسب لنفسه مكانا بين أغنى 10 كليات أميركية، وعلى رأسها جامعة هارفارد، وبرينستون، وييل.

لا تزال المؤسسات والخدمات التعليمية في البلاد هي ثاني أكبر مستفيد من الأعمال الخيرية، بعد المؤسسات الدينية بطبيعة الحال، غير أن نسبة ضئيلة من تلك الأموال تذهب إلى الكليات المجتمعية، وهي أكثر المؤسسات التعليمية ازدحاما بالطلاب حيث تُشرف وحدها على تعليم 45 في المائة من الطلاب الجامعيين في البلاد، وغالبيتهم من الطلاب الفقراء أو من أبناء الطبقة العاملة والكثير منهم يحتاجون إلى برامج التعليم الإصلاحي واسعة المجال.

عندما صارت الدكتورة غيل أو ميلو رئيسة لكلية لاغارديا قبل 13 عاما، لم تكن هناك آلية لجمع الأموال في الكلية؛ حيث تقول: «نظرا لماهيتنا وماهية المجتمع الذي نعمل على خدمته، فإن احتمال خروج أحد طلابنا ليتبوأ مكان السيد بيل غيتس أو الرئيس التنفيذي لشركة جنرال إلكتريك، لا أقول: إنه احتمال صفري، ولكنه احتمال ضئيل للغاية مما لو كنت طالبا في كلية ويليامز. ليس لدينا عرف أو تقليد منح الأموال في مجتمعاتنا، حتى مع كون تلك الكليات المجتمعية هي ذات أهمية قصوى للاقتصاديات المحلية»، مشيرة إلى القوى العاملة التي يوفرون لها العمالة.

ومن أكثر معوقات جمع الأموال وضوحا في كليات المجتمع، عدم وجود قاعدة ثرية من الخريجين يجري من خلالها تلقي المنح، ولا يوجد احتياطي فخري مصاحب يمكن استغلاله لصالح الكلية؛ حيث تعتبر الكليات المجتمعية أماكن طاردة وغير جاذبة. فإن التعليم الراقي يأتي بالمزيد من الامتيازات، والامتياز ذاته يمتلك تاريخا طويلا من التقاليد المعبرة عن العطاء السخي المتبادل، وليست هناك، في كليات المجتمع، ثقافة الإرث، ولكن هناك بالطبع ما يمكن اعتباره نقيضا لها؛ حيث يكمن طموح أي شخص ينجح في المرور عبر عوائق النظام في أن يُرسل طفله إلى أي مكان آخر بعيدا عنها. وحينما ينتقل طلاب الكليات المجتمعية إلى الطبقات الثرية من المجتمع، فإنهم يميلون إلى الشعور بتقارب شديد يجمع بينهم والمؤسسات التعليمية التي أشرفت على تخرجهم أكثر من الأماكن التي، في غالب الأمر، لم يكن لديهم خيار آخر غير البدء من خلالها.

يعد التحدي الأكبر والأكثر تأثيرا هنا هو تسويق رسالة الكلية ذاتها، وهي القضية الجديرة تماما بالاهتمام وليست بالطبع جديرة بالافتتان من حيث ترقية الشباب الفقير، والذين حُرم الكثير منهم من فرص التعليم الكافية، إلى طبقات أصحاب الدخول المتوسطة في المجتمع، فكيف يتسنى تسويق تلك الرؤية إلى العالم الأوسع؟

لم تجذب محنة الكليات المجتمعية انتباه المانحين من أهل الطبقة الثرية، حيث أثبتت قصة الطالب الفقير الذي يُلتقط من بؤسه وشقائه ليمر عبر درجات النظام وصولا إلى جامعة برينستون، ومن ثم إعادة تعريف ذاته من زاوية المحسنين إليه، أنها باتت قصة مقنعة، ولكنها ذات فحوى أسطوري في عام 2012، مُنح مبلغ 297 مليون دولار من أكبر مؤسسات البلاد إلى الكليات المستأجرة، وهو مبلغ كبير وأكثر بمقدار الضعف مما تتلقاه الكليات المجتمعية، رغم أن الكليات ذات العامين من الدراسة تُشرف على تعليم 4 أضعاف ما تُشرف الكليات الأخرى عليه من الطلاب.

تقول السيدة ليزا سيلز، أحد أكبر المانحين لكلية لاغارديا: «حين أتحدث عن الكليات المجتمعية مع أصدقائي، فإنني ألحظ نظرة باهتة على وجوههم. إن الأمر أبعد ما يكون عن مخيلة الكثير من الناس الذين لا يعتبرون أن النجاح قد يعني أن تصبح مساعد طبيب».

في السنوات الأخيرة، عبرت مؤسسات كبرى كثيرة، ومن بينها مؤسسة بيل وميليندا غيتس ومؤسسة لومينا، عن اهتمامها الكبير بالكليات المجتمعية، حيث تبرعت بملايين الدولارات إليها. ولكن حتى مع تصاعد المنح المالية من تلك المؤسسات - إلى ما يزيد على 130 مليون دولار في عام 2012، من واقع 98 مليون دولار في عام 2005، وفقا لبيانات صادرة عن مؤسسة (Foundation Center) – فإن تلك المبالغ لا تعكس إلا جانبا ضئيلا من مليارات الدولارات التي تمنحها مثل تلك المؤسسات إلى الكليات والجامعات في كل عام، فإن إجمالي منح المؤسسات إلى الكليات المجتمعية في عام واحد لن تُغطي الميزانية التشغيلية لكلية لاغارديا البالغة 200 مليون دولار في العام.

تحصل كلية لاغارديا على 69 في المائة من إيراداتها من الدعم الحكومي، الذي يأتي في أغلبه من الولاية ومجلس المدينة، وتحصل الكلية على 18 في المائة من الرسوم الدراسية للطلاب، التي تُسدد في أغلبها من قبل المنح الفيدرالية ومنح الولايات. وخلال السنوات القليلة الماضية لفترة ما بعد الركود الاقتصادي، وهي الفترة التي عانت فيها حكومات الولايات والحكومات المحلية تحديات مالية كبيرة، انخفض إثر ذلك الدعم المالي المتوافر إلى الكليات المجتمعية. وجاء تحليل أجري أخيرا بواسطة مركز التقدم الأميركي، وهو مركز أبحاث معني بشؤون التعليم، ليُظهر أن الكليات المجتمعية في 45 ولاية قد عانت انخفاضا في التمويل؛ حيث فقدت بعض تلك الكليات ما نسبته 30 في المائة من الميزانية، في الوقت نفسه الذي ارتفعت فيه معدلات التحاق الطلاب بتلك الكليات.

تعتبر المنحة، مثل التي تقدمت بها السيد ستام، في أغنى الكليات والجامعات بالبلاد، شيئا لا يمكنه الانتباه إليه. ومن بين أصدقاء كلية لاغارديا صارت الدكتورة ميلو معروفة بإرساله مذكرات خطية مكتوبة إلى أناس تقدموا بتبرعات بقيمة 500 دولار، وذلك، ولفترة طويلة، ظلت مثل تلك التبرعات من الأهمية بمكان.

إن أي مشاركة خيرية مع كلية مثل كلية لاغارديا لا تصب بالأساس إلا في مصلحتها الخاصة، فلا توجد مراكز ترفيهية لقضاء الوقت أو مواقع أثرية أو كشفية يمكن الحديث عنها. تقول السيدة سيلز «ليست هناك رموز اجتماعية لكلية لاغارديا، وينتشر إحساس ما بأن طلابنا متقدمون في السن للغاية، وإن لم يتم إنقاذهم حاليا، حسنا، سوف يكون الوقت قد فات».

حتى في ظل أكثر الظروف ملائمة، فإن جمع أموال من طريق الهبات الكبرى يعتبر عملا يستغرق عشرات السنين، والكليات المجتمعية ذاتها لا تزال حديثة نسبيا، وقد تلقت كلية أمهرست في ولاية ماساتشوستس واحدة من أولى التبرعات في تاريخها في عام 1823. بعد عامين فقط على افتتاحها، ولم تنتشر الكليات المجتمعية بصورة كبيرة حتى منتصف القرن الـ20، بعد أن عززت لجنة ترومان في فترة الأربعينات من توسعاتها لأجل دمقرطة التعليم العالي في البلاد، ولفترة خلال عقد الستينيات وأوائل السبعينات، في الوقت الذي عاد فيه مقاتلو حرب فيتنام إلى بلادهم والتحقت النساء بالكليات في أعداد كبيرة، افتتحت كليات مجتمعية جديدة في الولايات المتحدة بمعدل كلية كل أسبوع تقريبا على مستوى البلاد.

ومن بين الكليات ذات العامين من الدراسة، تأتي كلية كلارك في ولاية واشنطن، التي تأسست عام 1933، وهي تتمتع بأكبر الأوقاف بالنسبة لكلية مجتمعية، ولكن قيمة الوقف الخاص بها الذي يُقدر بمبلغ 47 مليون دولار يضعها في المرتبة 676 على تصنيف أوقاف الكليات على الصعيد الوطني، ويُقدر متوسط الوقف بالنسبة الكليات ذات الـ4 أعوام من الدراسة بقيمة 230 مليون دولار، أو ما يساوي 50 ضعفا لمبلغ 4.6 مليون دولار وهو متوسط أوقاف الكليات المجتمعية.

يعمل 4 موظفين في مكتب التنمية بكلية لاغارديا، أما مكتب العمليات المشابهة في كلية ويليامز، التي تضم 2000 طالب وتدير أوقافا بقيمة 2 مليار دولار، فيحتوي على ما يقرب من 50 موظفا، وبالنسبة للأموال التي تصل إلى صندوق تأسيس كلية لاغارديا، وهي تُقدر حاليا بقيمة 3.37 مليون دولار، فإنها تُنفق سريعا، ولا تُنفق على هبات الأستاذية أو على تحسين المرافق المائية، ولكن على المنح الدراسية وتلبية الاحتياجات العاجلة للطلاب من حيث الكتب، والدروس، وتكاليف الانتقال، وأي طوارئ قد تطفو على سطح الأحداث.

ورغم أن غالبية طلاب الدوام الكامل لدى كلية لاغارديا يستفيدون من المساعدات المالية، فإن المنحة الدراسية السنوية البالغة 4555 دولارا تكفي بالكاد لتغطية الرسوم الدراسية، وليست آلاف الدولارات من النفقات الإضافية – التي تقدرها الكلية بقيمة 7 آلاف إلى 12 ألف دولار سنويا – والتي يتعين على الطلاب تأمينها لتغطية تكاليف المعيشة في مدينة نيويورك.

هناك نوع من أبعاد «من المزرعة إلى المائدة رأسا»، من حيث الطريقة التي يعمل بها مكتب التنمية في الكلية. حيث تقول السيدة سوزان ليدون، مديرة مكتب التنمية والتسويق بالكلية: «من الأمور النموذجية للغاية أن يأتيك أحد الطلاب ليخبرك أنه سوف يترك الكلية بسبب أنه لا يمكنه تحمل تكاليف إصدار بطاقة المترو، ولا يحدث ذلك على فترات متباعدة من الوقت، ولكنه يحدث دائما».

أما السيدة ليدون، التي ترتدي نظارات عين القطة ولديها خط قرمزي اللون في شعرها، وهو ما يعني أنها لا تشبه مسؤولي التنمية في أي مكان آخر، فقد جاءت إلى كلية لاغارديا قبل 6 سنوات، بعدما كانت تدير حضانة في دولة إندونيسيا.

هناك مقولة تدور داخل دوائر العمل الخيري، إن أكثر الطرق فعالية لجمع الأموال هي عن طريق طلب الأموال من الناس، ولكن في كلية لاغارديا؛ حيث توجهات الاستحقاقات المالية لا تزال غائبة بصورة واضحة فيما بين الطلاب والمديرين، فإن ذلك النوع من ردود الفعل لا يُشعر به بسهولة. يبلغ عدد الموظفين التنفيذيين بالكلية 12 موظفا. والدكتورة ميلو ذاتها، وهي من خريجات الكليات المجتمعية، لا تعيش في حي راق؛ حيث يمكنها جمع المزيد من الأموال، وهو من بين الفوائد المعيارية لرؤساء الجامعات، ولكنها تعيش في شقة تبلغ مساحتها 1100 قدم في حي تشيلسي.

في الكثير من المجالس الخيرية، هناك توقعات بأن الأعضاء سوف يمنحون مبالغ تٌقدر بـ20 ألف دولار، أو 25 ألف دولار، أو 50 ألف دولار في العام. وحينما تأسس مجلس كلية لاغارديا قبل 10 سنوات، تقول الدكتورة ميلو، إنهم أخبروا الأعضاء بأن الكلية «تأمل في أن يتقدموا بتبرعات شخصية».

* خدمة «نيويورك تايمز» خاص بـ «الشرق الأوسط»