الشارع المصري يستمتع بهدنة من توترات السياسة

الأهلي وعائدات القناة يكسران حدة أسبوع القلق

TT

رغم ما حملته الأيام الماضية من توتر سياسي في الشارع المصري، منذ إعلان «محكمة القرن» تبرئة الرئيس الأسبق حسني مبارك وبعض رموز نظامه من تهم تتعلق بقتل المتظاهرين في ثورة «2 يناير 2011 التي أطاحت بحكمه فضلا عن الفساد السياسي، وما تبعه من دعوات لم تجد صدى كافيا في الشارع للتظاهر، نجح حدثان «غير سياسيين» تمثلا في فوز ناد مصري ببطولة دولية للمرة الأولى، وبدء صرف عائدات شهادات استثمار مشروع قناة السويس، في كسر حدة الاحتقان إلى حد بعيد، والصعود إلى بؤرة الحديث الإعلامي والاجتماعي.

وبدأ الأسبوع الماضي بداية ساخنة عقب حكم براءة مبارك، ورغم أن قطاعات واسعة في الشارع المصري كانت تتوقع الحكم؛ فإن النطق به أدى إلى خروج دعوات من قوى متباينة للتظاهر، ما بين أحزاب سياسية وشخصيات مدنية وأهالي ضحايا أحداث ثورة يناير، إضافة إلى استغلال أنصار جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس المعزول محمد مرسي، للموقف في محاولة للعودة إلى المشهد السياسي.

ويقول سالم السيد، وهو صاحب متجر صغير في شارع جامعة الدول العربية بضاحية المهندسين بمحافظة الجيرة «الإخوان طول عمرهم يركبون الموجة، وسعوا لتسخين الشارع مرة أخرى.. لكنهم أضافوا فشلا إلى سلسلة طويلة من الفشل على مدار العام. لم يخرج معهم أحد».

ويرى السيد أن الجماعة فقدت قوتها على الحشد بشكل كبير كما فقدت زخمها أو أي تعاطف شعبي معها. وتابع قائلا «في الماضي، كانت أي دعوة للإخوان تلقى صدى.. الآن حتى أنصارهم أصبحوا قلة.. مظاهراتهم الخاطفة تستطيع أن تعد أفرادها على أصابعك.. ولا تلبث أن تتلاشى في زحام المرور».

لكن مراقبين متخصصين يرون أن هناك توترا مكتوما في الشارع المصري، ناجم في رأيهم عن القلق من المستقبل بصورة عامة، والخشية من أي ضربات إرهابية قد تصيب بعضهم عرضا؛ خاصة مع تأزم وضع الجماعة وتيارات الإرهاب مما قد يدفعهم إلى القيام بعمليات «يائسة»؛ خاصة مع التحلل البادي في تحالف مناصري الجماعة المعروف باسم «تحالف دعم الشرعية»، والذي شهد أوجه خلال الأيام الماضية سواء من حيث انسحاب عدد كبير من قياداته، أو من حيث الإعلان عن حظره قانونيا ومصادرة أمواله.

وكانت السلطات المصرية قد شددت من استعداداتها الأمنية، خصوصا في محيط ميدان التحرير وسط القاهرة وعلى مختلف المحاور الحيوية، استباقا لدعوات أنصار الجماعة والتيارات الإسلامية للتظاهر يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي؛ لكن اليوم مضى من دون منغصات كبرى.

وفي اليوم التالي، الذي واكب صدور حكم مبارك، استمرت «الشدة الأمنية»، ولم يشبها إلا وفاة شخصين في محيط ميدان التحرير وإصابة نحو 15 آخرين، ولا تزال السلطات تحقق في وقائع وفاتهما. لكن الدعوات المختلفة للتظاهر لا تزال موجودة، رغم غياب أي صدى شعبي موسع لها، وهو ما يفسره المراقبون بقولهم إن «المزاج العام أصبح لا يتسع في أغلبه للتظاهر، بل يميل أكثر إلى السعي للاستقرار رغم عدم الرضا عن بعض مظاهر الأداء العام في مصر».

وما إن خفتت أصداء البراءة، حتى تجدد الجدل حول «تسريبات مزعومة» عن تورط قيادات مصرية في «احتجاز الرئيس الأسبق مرسي من دون وجه حق»، وهي اتهامات من شأنها أن تفسد قضية محاكمته، لكن مسؤولين مصريين أكدوا على مدار الأيام الماضية «زيف» هذه التسجيلات، وفتح تحقيقات موسعة بشأنها.

وبالتزامن مع تلك التطورات في الوادي المصري، تستمر مهام قوات الجيش والشرطة في محاصرة بؤر الإرهاب في الجزء الشرقي من محافظة شمال سيناء، وهو الحصار «الناجح والخانق» بحسب مراقبين، مما أدى إلى أن تخرج أبرز قوى الجماعات المتطرفة الناشطة في المنطقة، وهي «أنصار بيت المقدس»، ببيان «تناشد» فيه المواطنين في سيناء بعدم التعاون مع الأمن والانضمام إليهم.

ويقول المراقبون لـ«الشرق الأوسط» إن «نبرة البيان وحدها تدل على مدى قوة الضربة الأمنية التي يشنها الجيش هناك.. فبعد الصلف والغرور المعهود في تلك البيانات، بل وتهديد الأهالي بالمطاردة والقتل، وتنفيذ عمليات قطع رؤوس بحقهم..تحولت بيت المقدس إلى استجداء المواطنين لمساعدتهم على الهرب من الحصار».

وأشار المراقبون إلى أن «الأهالي في سيناء يدعمون الدولة بصورة كبيرة للغاية»، وهو الأمر الذي أكدته مصادر أمنية رفيعة بدورها لـ«الشرق الأوسط»، مشيدة بدور المواطنين وتعاونهم في مكافحة الإرهاب، ومبشرة وواعدة بنتائج باهرة تعلن قريبا للغاية في هذا الصدد.

ووسط تلك التوترات ومثيرات القلق في الشارع المصري، جاءت الليلة قبل الماضية لتبرد حالة الشارع المصري بشكل واسع، إذ أسفر فوز النادي الأهلي المصري في اللحظات الأخيرة ببطولة كأس الكونفدرالية الأفريقي عن أجواء فرح كبرى غابت عن الشارع منذ أمد بعيد.

وكانت أجواء ملبدة بالقلق قد صاحبت انطلاق المباراة عقب مناوشات بسيطة بين رابطة مشجعي النادي وقوات الأمن، خصوصا في ظل «التاريخ الصدامي» بينهما على مدار السنوات السابقة التي أعقبت ثورة 25 يناير، والذي أدى إلى حظر دخول الجماهير إلى أغلب المباريات.. لكن تدخل العقلاء والمسؤولين منح الفرصة لتنقية الأجواء، ليشاهد المصريون للمرة الأولى منذ سنوات قيادات الشرطة تشجع اللاعبين بحماسة خلال المباراة الساخنة حتى لحظاتها الأخيرة، ثم احتفالا ذاب فيه الطرفان وسط الملعب.

وصباح أمس، توافد آلاف المصريين على البنوك وماكينات الصرف الآلي لصرف العائد الأول (ربع السنوي) لأرباح شهادات استثمار مشروع توسعة قناة السويس الجديد.

ويرى المراقبون أن فوز الأهلي كان بمثابة طوق نجاة للأمل والفرح أراد المصريون أن يخرجوا به من دائرة التوتر، كما أن صرف عائدات قناة السويس دحض ما حاول أنصار الإخوان بثه من توتر وقلق حول المشروع وجدية الحكومة في صرف المستحقات.