مرجع شيعي عراقي يدعو إلى الحوار مع «الإرهابيين» قبل مقاتلتهم

اليعقوبي: لا تيأسوا من إصلاحهم وإعادة دمجهم في المجتمع

الشيخ محمد اليعقوبي
TT

في أول دعوة من نوعها، أطلق مرجع شيعي بارز مبادرة لإجراء حوار مع التنظيمات «الإرهابية» قبل اللجوء إلى عمليات القتل والاستئصال. وقال آية الله محمد اليعقوبي، مرشد حزب الفضيلة (4 مقاعد في البرلمان العراقي)، في بيان أمس على هامش لقائه علماء دين من السنة والشيعة وأساتذة جامعات شاركوا في ملتقى الطف العلمي والثقافي الدولي الذي إقامته كلية الآداب في الجامعة المستنصرية ببغداد، إن «علينا عدم الاقتصار على أسلوب الصدام والاستئصال في المواجهة مع التنظيمات الإرهابية، لأن آخر الدواء الكي كما قيل في الكلمة المشهورة».

وأضاف اليعقوبي «علينا أن نسير بخط مواز من خلال الحوار والإقناع بعدم سلامة الطريق الذي انتهجوه، وعبثية الغاية التي يريدونها، وضلالة الذين غرروا بهم وخدعوهم»، مرجعا السبب إلى أن «الكثير ممن التحقوا بهذه التنظيمات خصوصا من الدول المتحضرة تعرضوا لغسيل دماغ وتشويه للحقائق وخداع بعناوين مقدسة تستهوي الشباب المتحمس المندفع، فهؤلاء غير أصحاء وحالهم كحال سائر المرضى الذين تجب رعايتهم والشفقة عليهم وتشخيص عللهم ووصف الدواء المناسب لهم»، مضيفا أنه لا يجب «اليأس من إصلاح الآخر وهدايته مهما اعتقدنا فيه التحجر والانغلاق». ويرى اليعقوبي أن «الإسلام النقي لو عرض بأصالته وقوة حججه قادر على إعادة إنتاج عقول هؤلاء وإزالة ما علق في أذهانهم من أوهام وشبهات وضلالات ومساعدتهم على الاندماج من جديد في المجتمع وتطبيع حياتهم الاجتماعية، وحينئذ سنربح كثيرا بإعادتهم إلى الصواب وحماية بلادنا وأبنائنا وثرواتنا من التدمير والضياع في هذه الحروب العبثية التي يصنعها ويحرّكها أصحاب الأجندات الشيطانية».

من جهته، أثنى الشيخ مهدي الصميدعي، مفتي أهل السنة والجماعة في العراق، على هذه الدعوة وأهمية وضع الآليات المناسبة لها. وقال الصميدعي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «الحوار على مر الأزمان والدهور هو الوسيلة الفضلى للتوصل إلى حلول ناجعة للمشاكل مهما كانت، حتى إن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان يحاور الجميع في بداية الدعوة الإسلامية سواء من المشركين أو اليهود أو القبائل، لأن الحوار هو الأصل وكل ما عداه استثناء». وأضاف الصميدعي أن «هذه الدعوة التي يوجهها اليوم الشيخ اليعقوبي قلنا مثلها أكثر من مرة، لكنها تحتاج إلى تفعيل ومنهاج عمل في وسائل الإعلام، حيث إن للحوار هدفين وهما إقامة الحجة على المقابل الذي يقع في خانة العصيان، وإلقاء الحجة على المغرر به»، موضحا أنه «في الوقت الذي نرى فيه أن هذه الدعوة في مكانها فإنها تحتاج إلى صيغ وآليات، لأن من شأن الحوار أن يقلل أهل الشر ويزيد أهل الخير والصلاح، وهو ما نتمناه وما يجب أن يقوم به الجميع سواء كانوا رجال دين أو سياسيين».

في السياق ذاته، أكد المفكر العراقي المعروف وعضو البرلمان السابق حسن العلوي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «دعوة الشيخ اليعقوبي في هذا الظرف بالذات تمثل انفراجة مهمة خرجت من قلبه قبل لسانه، وهذا هو دائما دور الفقهاء وهو النصح والإرشاد والحوار، ولم يسبق لهم أن أصدروا فتاوى بالقتل». وأضاف أنه «في تاريخنا الإسلامي القريب أمثلة بارزة على هذا الصعيد، منها الفتوى التي أصدرها المرجع الشيعي الأعلى في الستينات من القرن الماضي آية الله محسن الحكيم بحق الشيوعية التي اعتبرها كفرا وإلحادا، حيث رفض أن يقول إن الشيوعيين كفرة وملحدون، ورد على من دعاه إلى ذلك قائلا (ليس لي أن أكفر مسلما)، والأمر نفسه ينطبق على واحد من أهم علماء السنة في القرن الماضي في العراق، وهو الشيخ محمد بهجة الأثري، فلم يصدر أي فتوى بهذا الاتجاه حتى وفاته بعد عمر ناهز التسعين عاما».

وبينما دعا العلوي إلى أهمية «نشر مثل هذه الدعوة المتسامحة بين الناس»، فإنه أشار من جانب آخر إلى أن «هناك مبدأ اعتمده الملك عبد الله بن عبد العزيز بتأسيس الإدارة العليا للحوار ومقرها فيينا لتفاهم الشعوب مع بعضها بعضا، حيث أعطى ذلك نتائج عالية القيمة في التحول من العنف إلى السلم الأهلي».

من جانبه، أكد الخبير المتخصص بشؤون الجماعات المسلحة والباحث في مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية في بغداد، الدكتور هشام الهاشمي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «الجماعات الإسلامية تنقسم إلى صنفين، الأول صنف معتدل، مثل جيش المجاهدين والجيش الإسلامي وكتائب ثورة العشرين وحماس العراق، وهي تعتمد الوسطية في عملها وتجمع بين ما هو سياسي وديني، وذات سمة وطنية وليست لها أجندات خارجية، وبالتالي يمكن أن تدخل في إطار المصالحة الوطنية والسلم الأهلي في ظل ترتيبات معينة»، مشيرا إلى أن «الصنف الآخر هو الصنف المتطرف، وهؤلاء يكون تطرفهم بحسب قربهم وبعدهم عن تنظيم القاعدة، وبالتالي فإن هؤلاء لا يمكن زجهم بالمصالحة أو الحوار ككيانات بل يمكن التعامل معهم كأفراد»، معتبرا أن «ما دعا إليه الشيخ اليعقوبي أمر في غاية الأهمية، حيث إنه يفتح لأول مرة نافذة أمل في الحوار مع أفراد مغرر بهم بهذه الطريقة أو تلك، وهو في حال تحقق سوف يفتح أول نافذة من نوعها لاختراق مثل هذه الكيانات بطريقة فردية».