مقتل وزير فلسطيني خلال مظاهرة في رام الله.. وعباس يعلن الحداد 3 أيام

بان كي مون والاتحاد الأوروبي يطلبان تحقيقا فوريا ومستقلا في وفاة المسؤول الفلسطيني

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يحمل صورة تظهر جنودا اسرائيليين وهم يهاجمون الوزير أبو العين قبل أن يقتل على أيديهم أمس (أ.ف.ب)
TT

تعهد الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) أمس بعدم تمرير حادثة قتل إسرائيل للوزير زياد أبو عين، مسؤول هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، والذي قضى في مظاهرة سلمية في بلدة «ترمسعيا» شمال رام الله، بعد أن اعتدى عليه الجنود الإسرائيليون بالضرب، وحاولوا خنقه، حسبما أفاد شهود عيان، فيما أعلنت السلطة على الفور وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، وطلبت مساعدة أردنية في تشريح جثمان أبو عين.

وقال عباس «إننا سنتخذ الإجراءات اللازمة والضرورية بعد معرفة نتائج التحقيق في استشهاد المناضل أبو عين»، ووصف الاعتداء على أبو عين «بالوحشي، والعمل البربري الذي لا يمكن السكوت عليه أو القبول به». كما أعلن الحداد 3 أيام.

وكان أبو عين قد اشتبك مع الجنود الإسرائيليين خلال حملة لزرع أشجار الزيتون في أراض مهددة بالمصادرة من قبل إسرائيل، داخل بلدة «ترمسعيا» لصالح مستوطنات قريبة. وقد أوضح أنس حوشيه، مساعده والمسؤول الإعلامي في مكتبه، أن الجنود الإسرائيليين سألوا أحد الشبان عن هوية أبو عين عندما وصل إلى المكان الذي شهد المواجهات، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لقد رأيتهم فيما بعد يعتدون عليه بالضرب وحاولوا حنقه... لقد ضربه جندي بالخوذة على صدره بقوة، وحاول خنقه لاحقا».

ويعتقد حوشيه أن اغتيال أبو عين كان مبيتا ومدبرا. وسبب هذا الاعتقاد هو أن «هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها الاعتداء على أبو عين، حيث اعتدوا عليه سابقا في شارع الشهداء في الخليل، فور علمهم بهويته وكنت إلى جانبه»، حسب تعبيره.

وتعرض أبو عين بعد الضرب إلى إطلاق غاز مسيل للدموع استهدف جميع الناشطين هناك. وقد أظهرت لقطات فيديو أبو عين وهو يتزاحم مع عدد من الجنود الإسرائيليين، ووصفهم بجيش إرهابي، قبل أن تظهره لقطات أخرى في حالة إعياء شديد، ثم يلفظ أنفاسه ويدخل في غيبوبة.

ومباشرة بعد ذلك نقل أبو عين في سيارة إسعاف إلى مستشفى رام الله الحكومي، الذي أعلن رسميا عن وفاته. ووصل رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله إلى المستشفى بصحبة رئيس المخابرات العامة مجد فرج، ومسؤولين في اللجنة المركزية لحركة فتح ومنظمة التحرير، وباقي الفصائل الفلسطينية، وآلاف الفلسطينيين الغاضبين. وقد طالب الحمد الله بتشكيل لجنة تحقيق دولية في ظروف قتل أبو عين، واتصل بنظيره الأردني عبد الله النسور، وطالبه بإرسال أطباء أردنيين لمشاركة الطواقم الطبية الفلسطينية في تشريح جثمان الشهيد زياد أبو عين، تمهيدا لعرض نتائج التشريح على الجهات الدولية المختصة. كما قررت السلطة الفلسطينية، حسبما يبدو، اتخاذ إجراءات لمحاكمة إسرائيل، إذ أرسلت جثمان الفقيد إلى مركز الطب العدلي في جامعة القدس لتشريحه والوقوف على أسباب الوفاة.

وأكد جبريل الرجوب، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، لكن من دون أن يتضح ما إذا كان مؤقتا أو دائما. كما أن السلطة الفلسطينية لم تتخذ فورا قرارا بهذا الشأن، لكن يعتقد أنه سيكون على طاولة البحث لعدة أيام.

ونعت حركة حماس «شهيد الشعب الفلسطيني الوزير زياد أبو عين»، وقالت، إنه «آن الأوان لحشد كل قوى شعبنا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الإجرامي»، داعية إلى «وقف كل أشكال التنسيق الأمني مع الاحتلال».

ومن جهتها، أكدت وزارة الخارجية الفلسطينية أن «قتل زياد أبو عين واغتياله في وضح النهار، وعلى مسمع ومرأى العالم، وكاميرات الإعلام، يعد جريمة حرب بكل ما تصفه الكلمة من معنى، تضاف إلى سلسلة الجرائم التي ترتكبها سلطات الاحتلال وتمارسها بشكل يومي ضد الشعب الفلسطيني، وقيادته وأرضه ووطنه، وتدلل في ذات الوقت على العنجهية الإسرائيلية، والاستهتار بكافة القيم والقوانين والمبادئ الدولية التي تضمن الحماية للشعب المحتَل... وما استشهاد الوزير أبو عين إلا دليلا آخر على أن الحكومة الإسرائيلية تقود جيشا محتلا يمارس الإرهاب بشكل علني ضد الشعب الفلسطيني، وعلى أنها تستغل صمت المجتمع الدولي على جرائمها للاستمرار في حرب الإبادة التي تمارسها بحق الشعب الفلسطيني».

على الجانب المقابل، نفت إسرائيل مسؤوليتها عن وفاة أبو عين، إذ قال مسؤول عسكري إسرائيلي إن المعلومات الأولية تشير إلى أن أبو عين توفي إثر نوبة قلبية، وإن أي اشتباك لم يحدث بينه وبين الجنود، مؤكدا أنه «يجب تشريح جثة أبو عين لمعرفة أسباب الوفاة».

وقد أصدر الناطق بلسان الجيش بيانا قال فيه إن الحادثة قيد التحقيق، وإن المعطيات تدل على أن وفاته ناجمة عن نوبة قلبية، في إشارة إلى أن أبو عين كان مريضا. وعلى إثر إعلان السلطة الفلسطينية توجهها لوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، لوحظت تحركات عسكرية إسرائيلية نحو بلدات الضفة الغربية، وقام قادة التنسيق الأمني بالاتصال مع أجهزة الأمن الفلسطينية، طالبين التروي وإتاحة الفرصة أمام القادة لدراسة ما حصل ومواجهته بما يمنع التدهور.

لكن في الوقت نفسه، حرصت مواقع اليمين الإسرائيلي على سرد سيرة أبو عين، وإظهاره «إرهابيا عريقا»، والاحتفاء بقتله.

ومباشرة بعد مقتل أبو عين، وجه عضوان عربيان في الكنيست الإسرائيلي الاتهام إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقالا إنه سبب تدهور الأوضاع مع الفلسطينيين، ويتعمد التصعيد بغرض تحقيق أهداف انتخابية خلال معركته الصعبة مع منافسيه.

وقال النائب محمد بركة، رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، الذي كان مقربا من الراحل أبو عين، إن «الأمر كان مخططا. ولا أستبعد أن يكون بأوامر عليا. فاليمين الإسرائيلي اعتاد على التغذي من الصدامات مع الفلسطينيين. وفي ظل المصاعب التي يواجهها نتنياهو من داخل حزبه، واستطلاعات الرأي التي تبشر بزيادة احتمالات سقوطه، فإن الصدامات تعتبر حبل نجاة له».

وقال النائب جمال زحالقة، رئيس التجمع الوطني، إن «الجيش الإسرائيلي استخدم قنابل غاز مسيل للدموع من نوع جديد، يحتوي على غاز الفلفل. وقد تلقيت عدة شكاوى من مواطنين فلسطينيين يؤكدون أن هذا الغاز يعد أكثر فتكا بالبشر مقارنة بالأنواع التي استخدمت في السابق. ومن يستخدمه يعرف أنه قد يكون قاتلا. ولذلك فإن هذا الاعتداء لم يكن مجرد صدام. وهو إشارة تصعيد له أهداف سياسية واضحة».

وقال شاهد عيان للواقعة، في حديث مع «الشرق الأوسط»، إن الفلسطينيين، وفي مقدمتهم أبو عين، وغيره من قادة منظمة التحرير الفلسطينية، حضروا لقطف الزيتون في الأرض الفلسطينية التي ينوي الاحتلال مصادرتها ومنحها للمستوطنين. وكان واضحا أن خطوتهم هي القيام بعمل سلمي صرف. لكن قوات الاحتلال بادرت إلى الاستفزاز، وحاولت منعهم من الوصول إلى الأرض. وعندما طلب أبو عين من جنود الاحتلال فتح الطريق، شتموه وهددوه، وقام أحدهم بوضع قبضته على خناقه. ثم قام آخر بضربه بالخوذة، بينما قام ثالث بضربه بكعب بندقيته ضربة قوية، أدت إلى ضعف صوته فجأة، وصار يتنفس بصعوبة. وكانت آخر كلماته للصحافيين «هذا هو الاحتلال. متوحش»، ثم وقع أرضا.

وتوالت ردود الفعل العربية والأوروبية الغاضبة بعد مقتل أبو عين، إذ دانت الحكومة الأردنية جريمة قتله، وأكد محمد المومني، وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، أن جريمة قتل الوزير الفلسطيني أبو عين دلالة واضحة على انتهاكات جيش الاحتلال لحقوق الإنسان، ورفض بشدة المبررات الإسرائيلية لهذه الجريمة، مطالبا المجتمع الدولي بالتدخل الفاعل لوقف التغول الإسرائيلي وانتهاكات الاحتلال لحقوق الإنسان، ودعم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أراضي 1967.

أما على الجانب الأوروبي، فقد طالب الاتحاد الأوروبي، أمس، بإجراء تحقيق «فوري ومستقل» في ظروف مقتل أبو عين، حيث قالت فيديريكا موغيريني، وزيرة خارجية الاتحاد، في بيان إن «المعلومات عن استخدام مفرط للقوة من قبل قوات الأمن الإسرائيلية تدعو للقلق الشديد»، مضيفة «أدعو إلى تحقيق فوري ومستقل في موت الوزير أبو عين».

من جهته، دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إسرائيل، أمس، إلى التحقيق العاجل في وفاة المسؤول الفلسطيني زياد أبو عين، وأعرب بان كي مون عن «الحزن الشديد» لوفاة أبو عين «بطريقة وحشية»، بعد أن ضربته عناصر من قوات الأمن الإسرائيلية في صدره خلال الاحتجاج.

وفي أميركا ذكرت المتحدثة باسم وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أن هذا الأخير سيتوجه إلى روما الأحد المقبل لعقد اجتماع غير متوقع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وقالت المتحدثة جين بساكي إن المسؤولين «سيناقشان عددا من القضايا، ومن بينها التطورات الأخيرة في إسرائيل والضفة الغربية والمنطقة».