الأمم المتحدة تريد محاسبة القائمين على التعذيب من «سي آي إيه»

بولندا تقر باستضافة سجون سرية.. والبيت الأبيض يخشى على «السلطة المعنوية»

الرئيس الأفغاني أشرف غني يتحدث الى وسائل الاعلام حول تقرير مجلس الشيوخ الأميركي في كابل أمس (رويترز)
TT

في وقت طالبت فيه الأمم المتحدة بمحاسبة القائمين على التعذيب في سجون وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية (سي آي إيه)، أقر البيت الأبيض أمس بأن أساليب «الاستجواب القاسية»، أي التعذيب، المستخدمة ضد المشتبه بهم في قضايا الإرهاب والتي وردت في تقرير لمجلس الشيوخ، تقوض السلطة المعنوية للولايات المتحدة.

وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست للصحافيين إنه حتى لو كانت الأساليب كشفت - كما يقول بعض مسؤولي وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) - عن معلومات مفيدة، فلا يغير ذلك من أنها ما كان يجب أن تستخدم بسبب الضرر الحاصل لصورة الولايات المتحدة.

وقال إرنست إن الرئيس الأميركي باراك أوباما قلق من أن يكون استخدام تلك الأساليب في الاستجواب «قوض السلطة المعنوية للولايات المتحدة حول العالم».

وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين أمس إنه لا ينبغي فرض حصانة لأحد أو إسقاط عقوبات بالتقادم عن التعذيب. وأضاف الأمير زيد في بيان أن اتفاقية مناهضة التعذيب تحظر التعذيب ولا تسمح «بأي ظروف استثنائية من أي نوع»، بما في ذلك حالة الحرب كمبرر للجريمة. وأوضح أن الاتفاقية لا تسمح بأن يفلت أحد من الجرم، بمن في ذلك من يقومون بالتعذيب وصناع السياسات والمسؤولون العموميون الذين يعرفون السياسات أو يصدرون الأوامر.

وأفاد تقرير مجلس الشيوخ الأميركي أول من أمس بأن وكالة المخابرات المركزية الأميركية ضللت البيت الأبيض والناس بشأن تعذيب المحتجزين عقب هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، وتصرفت بصورة أكثر وحشية وأكثر انتشارا مما أقرت به. ووجه التقرير دعوات لمحاسبة المسؤولين الأميركيين قانونا.

وكان صدى التقرير مسموعا حول العالم أمس، من كابل حيث تعرض الكثير من المعتقلين الأفغان إلى أساليب تعذيب، إلى بكين التي انتهزت الفرصة لانتقاد الولايات المتحدة بعد سنوات من تحمل انتقادات واشنطن لسجلها في انتهاك حقوق الإنسان. وتزامن ذلك مع توجيه عدد من السفارات الأميركية تحذيرا لرعاياها من ردود فعل غاضبة محتملة من تقرير مجلس الشيوخ الأميركي حول أساليب التعذيب التي انتهجتها وكالة الاستخبارات المركزية.

ودعت الصين الولايات المتحدة أمس إلى «إصلاح أساليبها» بعد التقرير الصادر أول من أمسن حيث قال المتحدث باسم الخارجية الصينية هونغ لي في مؤتمر صحافي دوري: «الصين تعارض التعذيب بشكل مستمر». وأضاف: «نعتقد أن الجانب الأميركي يجب أن يفكر في نفسه ويصحح طرقه ويحترم المواثيق الدولية ويلتزم بها». وتقول منظمات حقوقية إن النظام القضائي في الصين يعاني من الانتهاكات وإن ممارسة التعذيب للحصول على الاعتراف ليست غريبة على الصين. ولكن الصين تقول إنها تولي أهمية كبرى لحقوق الإنسان وإنها تقوم بالاعتقالات بحسب القانون.

وكانت إيران من أولى الدول المنتقدة للولايات المتحدة. وقال حساب على موقع «تويتر» منسوب للمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي أمس إن التقرير الصادر عن مجلس الشيوخ الأميركي بشأن وقائع تعذيب أظهر الحكومة الأميركية «كرمز للطغيان ضد الإنسانية». وأضاف في تغريدة أخرى: «انظروا إلى الطريقة التي تعامل بها الإنسانية من قبل القوى المهيمنة بالدعاية البراقة وباسم حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية».

ومن الدول المتأثرة مباشرة في التقرير أفغانستان، حيث دان الرئيس الأفغاني أشرف غني أمس التعذيب الذي مارسته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، قائلا في مؤتمر صحافي عقد خصيصا في كابل: «لقد انتهك عدد من موظفي ومتعاقدي (سي آي إيه) جميع مبادئ حقوق الإنسان المقبولة والقوانين الأميركية.. والحكومة الأفغانية تدين هذه الأعمال غير الإنسانية بأشد العبارات». وأضاف: «لا يمكن تبرير مثل هذه الأعمال وممارسات التعذيب غير الإنسانية في عالم اليوم».

وقال مجلس الشيوخ الأميركي في تقريره إن التعذيب الذي مارسته «سي أي إيه» ضد المشتبه بأنهم من تنظيم القاعدة كان أكثر وحشية مما كان يعرف، ولم يفد في تجنب أي اعتداءات محتملة. ويأتي التقرير فيما تستعد قوات الحلف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة لمغادرة أفغانستان بعد 13 عاما من قتال طالبان. وقال غني أمام الصحافيين أمس: «إن سبب رغبتي في أن أتحدث إلى أبناء وطني الليلة هو توضيح موقفنا حول التقرير الذي نشره مجلس الشيوخ الأميركي». ويتحدث التقرير عن «مواقع سوداء» جرت فيها ممارسة أساليب تعذيب مثل التعليق من رسغي اليدين في منشأة تعرف باسم «حفرة الملح» تقع على مشارف قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان. وقال غني: «للأسف فإن هذا التقرير يظهر أن أبناءنا الأفغان تعرضوا للتعذيب وانتهكت حقوقهم»، مضيفا: «الأسوأ والأكثر إيلاما أن هذا التقرير شرح كيف أن بعض الأشخاص الذين تعرضوا للتعذيب كانوا أبرياء تماما وثبتت براءتهم».

وفي وارسو، أقر رئيس بولندا السابق ألكسندر كواسنيفسكي لأول مرة أمس بأن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أقامت سجنا سريا في بلاده، وذلك بعد نشر مجلس الشيوخ الأميركي لتقرير يقول إن «سي آي إيه» استخدمت التعذيب في التحقيق مع المشتبه بأنهم من تنظيم القاعدة. وقال كواسنيفسكي إنه عندما كان رئيسا مارس الضغط على الولايات المتحدة لإنهاء عمليات التحقيق الوحشية التي كانت تمارسها «سي آي إيه» في سجن سري أقيم في بولندا في 2003. وصرح للإعلام المحلي: «قلت للرئيس (الأميركي السابق جورج دبليو) بوش إن هذا التعاون يجب أن ينتهي، وقد انتهى». وتولى كواسنيفسكي الرئاسة في بولندا بين عامي 1995 و2005، وقال إنه ناقش مخاوف بولندا بشأن نشاطات «سي آي إيه» في بلاده وجها لوجه مع بوش في البيت الأبيض في 2003. وأضاف أن بوش أصر على أن الطرق التي تستخدمها الوكالة «لها فوائد كبيرة فيما يتعلق بالشؤون الأمنية». إلا أن التقرير قال إن تلك الطرق لم تكن فعالة. وصرح الرئيس السابق بأن «الأميركيين كانوا يقومون بنشاطاتهم بسرية تامة أثارت قلقنا. وتحركت السلطات البولندية لإنهاء هذه النشاطات، التي تم إيقافها بضغط من بولندا».

وأضاف أن بولندا وافقت على «تعزيز تعاونها الاستخباراتي» مع الولايات المتحدة في إطار الحلف الأطلسي عقب هجمات 11 سبتمبر، إلا أنه أكد أنه لم يكن على علم بأن «سي آي إيه» كانت تمارس التعذيب في منشآتها السريوكانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان انتقدت بولندا في يوليو (تموز) الماضي لتواطئها في التعذيب على أراضيها لمتهمين أرسلا لاحقا إلى معتقل غوانتانامو.