مصادر فرنسية رسمية: روسيا تريد «موسكو 1» وليس «جنيف 3» لسوريا

المعارضة لديها 4 تحفظات على أفكار دي ميستورا.. وتساؤلات حول ضمانات أي اتفاق في حلب

TT

لم يكشف الكثير عن تفاصيل خطة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، ولا عن «الأفكار» التي حملها نائب وزير خارجية روسيا ميخائيل بوغدانوف إلى المعارضة والنظام السوري، في ما يبدو أنه رغبة روسية في إعادة إطلاق «نقاشات» بين الطرفين المتقاتلين والاستفادة من اللحظة الراهنة. كذلك بقيت في الظل بعض التسريبات الخاصة بـ«تصورات» عربية من مصر والإمارات لوقف نزيف الدم في سوريا تمهيدا للوصول إلى تسوية أو حل.

وتقول مصادر فرنسية رسمية إنه «ليست هناك خطة متكاملة عند أي طرف»، وإن الأفكار التي رميت على طاولة التداول تحتاج إلى بحث وتمحيص ورؤية ما يمكن أن يؤخذ منها. وإذ تعتبر هذه المصادر المتابعة عن قرب للملف السوري أنه ليس هناك «تنافس» بين المبادرتين الروسية والدولية، تعتبر أنه «في لحظة ما» يتعين النظر في كيفية التعامل معهما معا. ولكن كيف تتوزع المواقف من المبادرتين وما هي شروط ومخاوف كل طرف؟

بداية، لم يعلن أي طرف رفضه المطلق للمبادرتين، بل الجميع طلب معرفة المزيد عنهما. وما هو متداول بداية اليوم هو مخاوف المعارضة السورية ممثلة بالائتلاف الوطني السوري الذي التقى دي ميستورا وبوغدانوف في إسطنبول، كما أن الأول التقى قادة ميدانيين من المعارضة في مدينة غازي عنتاب التركية.

يفهم من شروحات المصادر الفرنسية أن المعارضة لها أربعة تحفظات أو مخاوف بشأن خطة «تجميد خطوط الجبهات موضعيا»، بدءا بمدينة حلب، أولها التمسك بالحصول على اتفاق ملزم ومكتوب «في حال تم التوصل إليه». ولم تشعر المعارضة أن ميستورا يعتبر مطلبها «بديهيا»، بيد أنها «متمسكة» بمطلبها استنادا لتجاربها السابقة مع النظام. وتعرب المعارضة - التخوف الثاني - عن قلقها من احتمال أن يستفيد النظام من وقف المعارك في حلب لينقل قواته إلى الغوطة الشرقية مثلا، مما سيؤثر على سير المعارك هناك. أما التحفظ الثالث فيتناول تخوف المعارضة من أن يستفيد «داعش» من «التجميد» ليتقدم من أجل اجتياح منطقة التحالف في حلب وجوارها، ولذا يطالب الائتلاف بأن يكون له حق الرد واستخدام السلاح للدفاع عن مواقعه. كذلك تتخوف المعارضة أيضا من أن يستفيد «داعش» من تحريك النظام لقواته لمناطق أخرى، مما سيوجد فراغا قد يسعى «داعش» للاستفادة منه.

الواقع أن ميستورا، وفق ما شرحت المصادر الفرنسية، لا يكتفي بعرض «التجميد»، بل يريد أن تتشكل إدارة محلية مشتركة (النظام والمعارضة) في حلب، فيما النظام يطالب بعودة «موظفيه» إلى مناطق شرق حلب (أي المناطق التي تسيطر عليها المعارضة). لكن السؤال يتناول «هوية» الموظفين، وهل تشمل موظفي الأجهزة الأمنية والمخابرات، وعندها تعتبر المعارضة أن ما سينشأ «ليس إدارة مشتركة بل عودة النظام». ويتمسك النظام، إلى جانب عودة موظفيه، بشرط أن تعمد المعارضة إلى تسليم أسلحتها الثقيلة إلى القوات النظامية، ويطرح مقابل ذلك الإفراج عن «عدد» من المعتقلين لم يحدَّد حجمه ولا المنتفعون منه. وهنا يبرز تخوف آخر للمعارضة التي تطالب بفتح الطرقات نحو تركيا لتوصيل المساعدات الإنسانية، وهو تكرار سيناريو مدينة حمص التي انتهى النظام عمليا إلى فرض هيمنته عليها.

أما المسألة الأخرى التي يثيرها مقترح ميستورا فهو الجهة التي ستضمن الاتفاق وتشرف عليه، والضمانات التي يمكن أن توفر لها. وتتساءل المصادر الفرنسية: هل يمكن إقناع بلد، أو منظمة، بإرسال رجاله إلى هذه المنطقة من غير حماية جوية يوفرها التحالف وإعلان حلب منطقة آمنة؟ وكل ذلك كما هو واضح يثير مسائل للجدل لا تنتهي خصوصا إذا كانت واشنطن «لا تريد الدخول في حرب مع النظام ولا مع إيران» في حال كان اللجوء إلى إقامة مناطق آمنة أو حظر جوي بالفرض وليس برضا النظام.

تكمن نقطة الالتقاء بين ميستورا وبوغدانوف في أن كليهما لا يأتي على ذكر مصير النظام ورئيسه، أقله في المرحلة الحالية. الأول، يريد من التجميد المستنسخ إيجاد أجواء إيجابية تسهل أولا وصول المساعدات وثانيا الحوار بين الأطراف. أما الثاني فيريد جمع مكونات المعارضة لنقاشات تنحي جانبا مسألة مصير الأسد التي أجهضت «جنيف 2». ويبدو أن ما يهم روسيا هو أن تتوصل إلى «موسكو 1» وليس إلى «جنيف 3». ولكن ما الذي تستطيع روسيا طرحه في الحالتين؟

تقول المصادر الفرنسية إن روسيا وإيران موجودتان على الخط نفسه لجهة الدعوة إلى حوار سوري - سوري برعاية روسية لا يركز على مصير الأسد بل على الحاجة إلى الإبقاء على بنى الدولة السورية ووحدة البلد وضرورة محاربة الإرهاب وعلى رأسه «داعش»، وتلافي تكرار السيناريو العراقي. لكن هذا الطرح مفيد من جهة ومحدود من جهة أخرى. فهو مفيد لأنه يترك جانبا موضوعا خلافيا سيفجر أي مفاوضات إذا تم البدء به وهو مصير الأسد. لكنه بالمقابل محدود لأن موضوع مصير النظام والأسد خصوصا «سيطرح سريعا جدا». وفي أي حال، فإن المعارضة ترفض تصورا يترك الأسد مكانه، بسبب ما ارتكبه وبسبب ما سيثيره أمر كهذا من رد فعل سنيا سيظهر في التفاف أكبر حول «داعش». وهنا تدخل على الخط «التصورات» المصرية - الإماراتية التي لم تصدر في تصريح أو بيان رسمي، بل يتم تداولها في الأوساط الدبلوماسية المهتمة بالشأن السوري، وهي تقترح بقاء الأسد في السلطة لمرحلة انتقالية بعد التوصل إلى اتفاق، على أن تسخر هذه المرحلة لإجراء إصلاحات. ويتراوح المطروح بين إعطاء الأسد مهلة ستة أشهر إلى سنتين أو أكثر تنتهي بتخليه عن السلطة مع حصوله على ضمانات قانونية أو بانتخابات جديدة يترشح أو لا يترشح لها.

والأمور هنا غير واضحة. وكل سيناريو منها يحتاج لضمانات أولها قبول الأسد به والعمل بموجبه وقدرة روسيا على إلزامه التنفيذ. لكن باريس تبدو مشككة، والشعور العام الذي عادت به المصادر الفرنسية من موسكو أن الروس «ما زالوا يعتبرون أن الأسد هو ضمانة الاستقرار والحصن المنيع بوجه الإرهاب»، وهو ما يتناقض مع ما قاله الرئيس فلاديمير بوتين لنظيره الفرنسي من أن روسيا «ليست متزوجة من الأسد».