القضاء الجزائري يمنع تداول وصف «حركي» على خلفية نزاع حاد بين زعيم سياسي وبرلماني

الكلمة تقود صاحبها إلى القتل في المناطق التي احتضنت ثورة الاستقلال

TT

انتهت فصول نزاع قضائي حاد بالجزائر، بين ناشط سياسي علماني معروف وبرلماني سابق اشتهر بمحاربة الإرهاب في مداشر منطقة القبائل، بإدانة الثاني بغرامة مالية، زيادة على صدور قرار من المحكمة بحظر إطلاق وصف «حركي» على أي شخص، إذا كان ذلك لا ينطبق عليه فعلا. ومعروف محليا أن هذه الكلمة تتعلق بالجزائريين الذين تعاونوا مع الاستعمار الفرنسي ضد ثورة التحرير (1954-1962).

وأيدت محكمة الاستئناف بالعاصمة، أول من أمس، حكما صدر عن المحكمة الابتدائية لصالح طبيب الأعصاب ورئيس «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» سابقا، سعيد سعدي، ضد إسماعيل ميرة رئيس بلدية تازمالت (250 كلم شرق العاصمة) حاليا والنائب السابق بالبرلمان، في قضية اتهام والد سعدي بالتعاون مع المستعمر الفرنسي.

وصرح ميرة لـ3 صحف وقناة تلفزيونية خاصة، العام الماضي، بأن والد سعدي «حركي تعاون مع الاستعمار ضد بني جلدته»، وأنه تعرض لتهديد بالقتل من طرف «جبهة التحرير الوطني» التي فجرت الثورة، مشيرا إلى أن شهادات مجاهدين شاركوا في حرب التحرير أثبتت، حسبه، أنه «حركي اشتغل لحساب الجيش الاستعماري الفرنسي». وذكر ميرة أنه يملك وثيقة موقعة من طرف جنرال فرنسي تثبت أن الحاج اعمر، وهو والد سعدي، اشتغل ضد ثوار «جيش التحرير الوطني» الذراع المسلحة لـ«جبهة التحرير الوطني».

وطعنت أسرة سعدي في صحة الوثيقة، ورفع الزعيم السياسي السابق، باسم أشقائه، دعوى قضائية ضد ميرة ووسائل الإعلام التي نقلت تصريحاته، وجرت إدانة الطرفين بتهمة «القذف والتشهير الكاذب»، ودفع غرامة مالية رمزية. يشار إلى أن سعدي تولى لمدة 20 عاما قيادة «التجمع من أجل الديمقراطية» المعادي للإسلاميين، وشارك في أول حكومة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة بوزيرين، وخرج منها عام 2011 على خلفية مقتل 100 شخص بمنطقة القبائل في مواجهات مع رجال الدرك.

والشائع أن كلمة «حركي» أو «ابن حركي» تطلق بهدف التقليل من القيمة الاعتبارية للشخص، ولتاريخ عائلته ونزع الشرعية عنه في المجتمع. ورغم أن 52 سنة مرت على استقلال الجزائر، فإن هذه الكلمة ما زالت «مقيدة» في «قاموس» الشتائم في البلاد. وفي بعض المناطق المحافظة التي احتضنت الثورة، تعتبر الكلمة إهانة تقود صاحبها إلى القتل.

ويبدي الجزائريون حساسية كبيرة من «الحركيين»، الذين يعيشون في فرنسا، وهم ممنوعون من زيارة بلدهم الأصلي مدى الحياة بسبب «ماضيهم المخزي». وسعى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى حل هذه المشكلة العويصة خلال زيارته الجزائر نهاية 2012 بمحاولة إقناع الرئيس بوتفليقة بتحقيق رغبة قطاع واسع من الحركيين في العودة إلى الجزائر، أو على الأقل زيارتها متى شاءوا، لكنه لم ينجح. كما سعى لافتكاك موافقة من الجزائر على تعويض «الأقدام السوداء» الذين يطالبون باستعادة الأملاك التي تركوها بالجزائر، وهي في الغالب مساكن وأراض زراعية. وضم طاقم هولاند الحكومي، حتى وقت قريب، ابن حركي هو عبد القادر عريف الذي كان وزيرا لقدماء المحاربين.

ولا يعرف بالتحديد عدد «الحركيين» المتعاونين مع النظام الاستعماري، ويقول دارسو فترة حرب التحرير إن المئات منهم غادروا الجزائر إلى فرنسا بعد الاستقلال. ونقلت صحف عن المؤرخ الجزائري المقيم في باريس محمد حربي، أن عددهم كان نحو 200 ألف، وأن الكثير منهم وافتهم المنية.

وتذكر الحكومة الفرنسية أن العشرات منهم تعرضوا للتقتيل على أيدي مناضلي وقيادات «جبهة التحرير». وعاش «الحركيون» ظروفا قاسية على امتداد سنين طويلة في فرنسا، وجرى الاعتراف بهم لاحقا بوصفهم «قدامى محاربين». وتعهد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي في حملة انتخابات 2007 برد الاعتبار لهم «بعد أن تنكرت فرنسا لهم طويلا»، على حد تعبيره. وضم طاقم ساركوزي أيضا وزيرا «حركيا» هو حملاوي مكاشرة.