مقاتلو «داعش» يهددون سامراء سعيا لإثبات قدرتهم على التوسع في العراق

أتباع الصدر يتأهبون استعدادا لأي تهديد للمدينة قد يشعل اقتتالا طائفيا

TT

بعد ضربات عسكرية عدة ضد تنظيم داعش في العراق، يسعى مقاتلو التنظيم المتشدد لإثبات قدرتهم على البقاء والتوسع في العراق من خلال هجوم محتمل في مدينة سامراء بمحافظة صلاح الدين. وفي وقت عبّر فيه مسؤول أمني رفيع المستوى في العراق عن المخاوف من إمكانية استغلال تنظيم «داعش» انشغال الأجهزة الأمنية والعسكرية في مراسم الأربعينية في مدينة كربلاء في القيام بهجوم واسع خلال اليومين المقبلين، حذّر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من جانبه مما سماه «خطرا محدقا» يحيد بمدينة سامراء.

وقال المسؤول الأمني الرفيع المستوى في حديث لـ«الشرق الأوسط» طالبا عدم نشر اسمه إن «تنظيم داعش خسر مواقع كثيرة خلال الشهرين الماضيين، ولم يعد يملك في الكثير من المناطق زمام المبادرة، لكنه من ناحية أخرى لا يزال قادرا على العمل نظرا لما يملكه من أسلحة وإمكانيات». وأوضح المسؤول الأمني أن «تنظيم داعش يعمل الآن باتجاهين، الأول هو التركيز على المناطق التي لا تزال له فيها حواضن كبيرة لا سيما في بعض أقضية ونواحي محافظة الأنبار، بل وحتى مقتربات مدينة الرمادي نفسها، وكذلك المحافظة على أهم مدينتين تمكن من السيطرة عليهما وهما الموصل وتكريت مهما كان الثمن». وأضاف أن «الاتجاه الثاني الذي يحاول هذا التنظيم العمل بموجبه، وهو ما يستدعي الحذر الدائم، هو القيام بهجوم كبير على منطقة تحظى برمزية عالية، وهنا تبرز سامراء التي تضم اثنين من المراقد والأضرحة وهما الإمامان العسكريان، لتحقيق هدفين متلازمين وهما إثبات قوة التنظيم أمام أتباعه والثاني هو إحداث فتنة طائفية، لأن تنظيم داعش وبعد سلسلة الخسائر التي لحقت به لم يعد أمامه من سبيل لاستعادة ما فقده». ولفت إلى أن «داعش» يسعى إلى «التسريع بالفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة على غرار ما حصل عام 2006 حين تمكن تنظيم القاعدة آنذاك من تدمير المرقدين».

ومن جهته، دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أتباع «سرايا السلام» العسكرية التابعة لتياره، إلى الاستعداد والجهوزية «نظرا للخطر المحدق» على مدينة سامراء من قبل تنظيم داعش. وقال بيان صدر عن مكتب الصدر أمس إنه «نظرا للظروف الاستثنائية والخطر المحدق بمدينة سامراء من قبل فلول الإرهابيين والتكفيريين فقد أمر الصدر بأن تكون سرايا السلام على أهبة الاستعداد لتلبية نداء الجهاد خلال 48 ساعة». وأشار البيان إلى بقاء هذه السرايا على «وضع الجهوزية والاستعداد والانتظار لحين صدور الأمر العسكري المباشر من الصدر في بيان آخر».

وبالعودة إلى المسؤول الأمني الرفيع المستوى، ولدى سؤاله عن الجانب العملي الذي يمكن من خلاله التنبيه إلى هذه المخاطر، قال إن «(داعش) وفي الوقت الذي يرى فيه أن هناك ملايين الزوار من الشيعة توجهوا إلى كربلاء سواء لأداء مراسم الزيارة أو حماية الزوار، وبالتالي حصول فراغ أمني يمكنه استغلاله، فإنه وعلى المستوى العملي قام خلال الفترة الأخيرة بالاستيلاء على مناطق قريبة من سامراء مثل الإسحاقي والمعتصم في محاولة منه للاقتراب من المدينة».

القيادي البارز في التيار الصدري، الذي هو أيضا رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، حاكم الزاملي، أبلغ «الشرق الأوسط» بأن «الحشود الجماهيرية والقوات الأمنية وأبناء العشائر يحيطون بسامراء من كل الجوانب، وقد تمكنوا من إفشال كل محاولات تنظيم داعش التكفيري الاقتراب منها»، مشيرا إلى أن «الجميع يعرف أن سامراء هي بوابة الاستقرار، وبالتالي فإن أي محاولة للمساس بها من قبل (داعش) يمكن أن تترتب عليها نتائج خطيرة». وأوضح الزاملي أن «سرايا السلام التي تأتمر بأوامر السيد الصدر جاهزة لتلبية ندائه والأخذ بعين الاعتبار طبيعة التحذير الذي صدر عنه في هذا الظرف بالذات».

وعلى صعيد متصل، وجه رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري انتقادات حادة إلى السياسات السابقة التي اتبعتها حكومة نوري المالكي والتي أدت إلى حالة الاحتقان التي استغلها «داعش». وقال سليم الجبوري، في تصريحات صحافية، أمس، إن «سبب الأزمة الحالية التي يعيشها العراق يتمثل في سياسات سابقة لم تتعامل بموضوعية مع تركيبة المجتمع العراقي»، مؤكدا أن «تلك السياسات ولدت حالة من الاحتقان بدأت بمظاهرات واعتصامات وانتهت بسقوط مدن ومناطق شاسعة على يد المجاميع الإرهابية». وأضاف الجبوري أن «بروز الأذرع المسلحة لمجاميع سياسية أو ميليشيات وظهورها على الساحة السياسية بشكل واضح زاد الأوضاع سوءا، وأعطى صورة غير محمودة عن المجتمع العراقي»، مشددا على أن «مجلس النواب والحكومة الحاليين جاءا على تراكمات سابقة وسياسات خاطئة في محاولة لتصحيح ما سبق، وهو ما يحتاج منا جميعا بذل مزيد من الجهد على المستويات كافة».

ويسيطر مقاتلو «داعش» على المناطق الصحراوية القريبة من سامراء من ناحية الشرق والغرب. وتقع المدينة على بعد 125 كيلومترا إلى الشمال الغربي من بغداد.

ويسيطر الجيش على الطريق المؤدي من الجنوب إلى سامراء، لكن التنظيم المتشدد يسيطر إلى حد بعيد على بلدتي المعتصم والإسحاقي الواقعتين على هذا الطريق، فيما وقعت اشتباكات عنيفة بقرية مكيشيفة إلى الشمال. وتقع مدن سامراء وتكريت وبيجي في محافظة صلاح الدين إلى الشمال من بغداد. ونجحت القوات الحكومية في رفع حصار «داعش» لمصفاة بيجي أكبر المصافي في العراق، واستعادت السيطرة على أجزاء من الطريق السريع بين الشمال والجنوب على طول نهر دجلة. لكن سيطرة القوات الحكومية ضعيفة. وتعرض موكب لوزير الدفاع العراقي خالد العبيدي لإطلاق النار أثناء مروره في بيجي يوم الاثنين الماضي.