سفير تركيا لدى فرنسا: نريد عملية انتقال سياسي في سوريا من غير الأسد

إقامة مناطق آمنة وحظر جوي لا يحتاجان لقرار جديد من مجلس الأمن

TT

فيما تنشط الاتصالات والمشاورات الدبلوماسية التي تضطلع بها روسيا والأمم المتحدة من خلال اللقاءات التي يقوم بها نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا، فضلا عن لقاءات وزير الخارجية السوري وليد المعلم في طهران بعد تلك التي قام بها في موسكو وزيارة مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوربي إلى أنقرة، تبدو تركيا متمسكة بموقف متصلب بخصوص الأزمة السورية، إن لجهة مصير الرئيس بشار الأسد أو لجهة مطالبها الداعية لإقامة مناطق آمنة تحميها منطقة حظر جوي.

وترى تركيا، وفق ما شرحه سفيرها في باريس حقي عقيل، أن إقامة منطقة حظر جوي ومناطق آمنة شمال خط العرض 33 داخل الأراضي السورية «لا تحتاج لقرار جديد من مجلس الأمن الدولي، إذ إن القرارين السابقين الصادرين عنه كافيان» لتأمين الغطاء القانوني، مما يعني أن خطر الـ«فيتو» الروسي لن يكون موجودا. ورغم أن السفير التركي يؤكد أن واشنطن «تتفهم بشكل أفضل اليوم الموقف التركي» عقب الزيارة التي قام بها نائب الرئيس جو بايدن إلى تركيا قبل 10 أيام، إلا أن الطرف الأميركي «لم يصل بعد إلى حد الموافقة» باعتبار أن «الجهود الأميركية منصبة الآن على محاربة (داعش) وقد تحتاج واشنطن للنظام السوري في هذه الحرب»، الأمر الذي يفسر تمنعها عن السير بهذه الفكرة التي تدعمها فرنسا.

أساس المشكلة، كما يشرحها السفير التركي، أن تطورا كهذا «يحتاج لقرار سياسي» من قبل واشنطن والتحالف الدولي. ففي نظره، المسألة ليست في كيفية توفير الحماية العسكرية للمنطقة الآمنة أو منع طيران النظام من التحليق فوقها، وهي الحجج «العسكرية» التي تتذرع بها واشنطن لرفض السير بالمشروع التركي أو المماطلة في إعلان موقف واضح منه. فتركيا التي تؤكد استعدادها للمساهمة في حماية المناطق الآمنة، ولكن من غير إرسال قوات أرضية إلى سوريا، ترى أن صدور قرار عن التحالف بالاستناد إلى قراري مجلس الأمن رقم 2139 ورقم 2165، بتوفير الحماية للمناطق الآمنة، سيكون «رادعا» بذاته لمنع الطيران السوري من الاقتراب من منطقة الحظر أو استهداف المناطق الآمنة.

تعتبر تركيا أن المناطق الآمنة الثلاث التي تدعو لإقامتها «متعددة الفوائد»، إذ يمكنها، من جهة، أن تستوعب الكثير من السوريين اللاجئين، مما يخفف من أعبائهم على بلدان الجوار. ومن جهة ثانية، ستساعد المناطق الآمنة المعارضة السورية بشقيها المدني والعسكري (المعارضة المعتدلة) على الوجود فوق (الأراضي السورية) وأن تكون أقرب إلى مواطنيها، وبالتالي فإنها ستكتسب مصداقية أكبر. أما النتيجة الثالثة لتطور من هذا النوع مطروح منذ أكثر من عامين، أنه سيشكل، وفق السفير التركي، «ورقة ضغط قوية على النظام لدفعه للذهاب إلى المفاوضات من أجل حل سياسي».

بيد أن القراءة التركية لتبعات إيجاد منطقة آمنة عسكريا وسياسيا تبدو «متفائلة»، إذ لا شيء يضمن أن تتم الأمور بهذه البساطة أو أن يقبل النظام «الأمر الواقع الجديد»، من غير أن يرد بكثير من الطرق والوسائل المتوفرة بين يديه. فضلا عن ذلك، ليس من الثابت أن باريس الأكثر حماسا للمشروع التركي ستقبل المشاركة في عملية عسكرية فوق الأراضي السورية من غير غطاء دولي يصعب انتظاره من مجلس الأمن الدولي بسبب الـ«فيتو» الروسي المتوقع.

أما بخصوص مصير الأسد، فإن تركيا تبدو الأكثر صلابة وتمسكا برحيله عن السلطة في إطار حل سياسي يقوم على قيام حكم انتقالي لا يضمه. وبالمقابل، لا تجد أنقرة غضاضة في أن يضم الحكم الانتقالي شخصيات من النظام الحالي «أيديها غير ملوثة بالدماء»، كما أنها متمسكة ببقاء المؤسسات السورية «حتى لا يعاد ارتكاب الأخطاء الأميركية في العراق».

ويشدد السفير التركي على ضرورة أن يضم الحكم الانتقالي ممثلين عن كافة مكونات الشعب السوري. بيد أن السفير حقي عقيل لم يأت على بعض السيناريوهات المتداولة والتي يتحدث بعضها عن بقاء الأسد لمرحلة انتقالية شرط قبوله التنحي بنهايتها. وتقول مصادر فرنسية إن باريس «ليست لديها اعتراضات على سيناريو من هذا النوع إذا كفل الروس تنفيذه». بيد أن باريس وأنقره تريان كلاهما أن الأسد «لا يمكن أن يكون جزءا من الحل» فلا المعارضة مستعدة لقبوله ولا اللاجئين يجرؤون على العودة إلى سوريا في حال بقائه. وحتى الآن، لم تقدم موسكو، رغم ما تنقله باريس عن تغير في أجوائها، «شيئا ملموسا» بخصوص مصير الأسد الذي أجهض الخلاف حوله بين وفد النظام مدعوما من روسيا، والمعارضة مدعومة من الغرب، مفاوضات جنيف 2.

تبقى مبادرة المبعوث الدولي التي يتباحث بشأنها مع المعارضة السورية بشقيها المدني والعسكري بعد أن حصل على موافقة النظام على درسها. وبهذا الخصوص، يقول السفير التركي إن بلاده «تدعم جهود دي ميستورا لكن لديها بعض التساؤلات» الخاصة بطريقة تنفيذها، وتحديد الجهة التي تتولى الرقابة والإشراف عليها، إذ إنها ليست المرة الأولى التي تدعو فيها الأمم المتحدة لوقف النار الذي جرب في الماضي ولم يصمد حتى بوجود مراقبين إن كانوا عربا أو دوليين.