حمادي الجبالي يعلن «انسحابه» من حركة النهضة التونسية

تحالف الجبهة الشعبية يهاجم المرزوقي ويبدي خشيته من السبسي

وزير الإعلام المغربي مصطفى الخلفي يتحدث في مؤتمر حافي عقب اجتماع الحكومة أمس (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

أعلن حمادي الجبالي رئيس الحكومة التونسية الأسبق، الأمين العام السابق لحركة النهضة الإسلامية التي حكمت تونس من نهاية 2011 حتى مطلع 2014 «انسحابه» من حركة النهضة لأنه «لم يعد يجد نفسه في خياراتها».

وأورد الجبالي (65 عاما) في بيان نشره أمس «بعد فترة تأمل، قررت الانسحاب من تنظيم الحركة لأتفرغ إلى مهمة أعتبرها مركزية، وهي الدفاع على الحريات على طريق مواصلة الانتصار للقيم التي قامت من أجلها الثورة، وعلى رأسها احترام وإنفاذ دستور تونس الجديدة».

وذكّر في البيان الذي نشره على صفحته الرسمية في «فيسبوك» بأنه انضم إلى حركة النهضة «مطلع السبعينات» من أجل «إنجاز مشروع حضاري» يهدف إلى «الانتقال: (بتونس) من منظومة الاستبداد والفساد إلى بناء الدولة المدنية الديمقراطية».

وقال الجبالي «اليوم يواجه هذا المشروع تحديات جساما ومخاطر ردة داخلية وخارجية وضعت شعبنا وقياداته على المحك مجددا وأمام امتحان: إما مواصلة النضال لإنجاز حلقات هذه الثورة السلمية على طريق صعب وطويل. وإما تخاذل واستسلام يفضي لا قدر الله إلى انتكاسة، والعودة بشعبنا إلى منظومة الاستبداد والفساد، ونتيجتها حتما ضياع الأمل عند شبابنا خاصة. والالتجاء إلى حلول اليأس والعنف والتطرف والإرهاب».

وأضاف: «قد آليت على نفسي أن أكون ضمن المناضلين المنتصرين لمنهج الثورة السلمي المتدرج (..) وهذا الموقف والموقع (..) أجد صعوبة بالغة في الوفاء به ضمن إطار تنظيم حركة النهضة اليوم».

وقال: إنه «لم يعد يجد نفسه في خيارات» حركة النهضة في المجالات «التنظيمية والتسييرية والسياسية والاستراتيجية».

في غضون ذلك، قال عبد اللطيف المكي القيادي في حركة النهضة للإذاعة الوطنية التونسية، بأن هذه الاستقالة بمثابة التطور الطبيعي للجبالي الذي اختلفت قناعاته مع الكثير من الممارسات والمواقف السياسية الحالية. وأضاف أنه غادر الحركة بأسلوب حضاري وأن علاقته بها ستظل جيدة، على حد تعبيره.

وحلت حركة النهضة الثانية في الانتخابات التشريعية التي أجريت يوم 26 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وفاز فيها خصمها العلماني «نداء تونس» الذي أسسه الباجي قائد السبسي في 2012.

ولا تستبعد الحركة تشكيل تحالف حكومي مع نداء تونس الذي يضم منتمين سابقين لحزب «التجمع» الحاكم في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي (1987-2011).

ويجد مناضلو الحركة وأنصارها صعوبة في قبول مثل هذا التحالف، لأن بن علي قمع وسجن كثيرا من إسلاميي حركة النهضة وبينهم حمادي الجبالي الذي سُجِنَ نحو 16 سنة في عهد الرئيس المخلوع.

وتولى الجبالي رئاسة أول حكومة تونسية جرى تشكيلها بعد انتخابات «المجلس الوطني التأسيسي» التي أجريت في 23 أكتوبر 2011. وفازت فيها حركة النهضة.

وفي فبراير (شباط) 2013. استقال الجبالي من رئاسة الحكومة إثر اغتيال المعارض اليساري البارز شكري بلعيد.

وجاءت الاستقالة بعد رفض حركة النهضة مبادرة من الجبالي بتشكيل حكومة غير متحزبة تُخرِج البلاد من أزمة سياسية حادة اندلعت إثر اغتيال شكري بلعيد.

وفي 24 مارس (آذار) 2014 أعلن الجبالي استقالته من الأمانة العامة لحركة النهضة لأسباب لم يوضحها. وقد خلفه في هذا المنصب علي العريض.

من جهة أخرى، هاجم حمة الهمامي المتحدث باسم تحالف الجبهة الشعبية، المرشحين للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية وأبقى على «نصف الحل» الذي انتهجه هذا التحالف اليساري تجاه المنصف المرزوقي والباجي قائد السبسي ليتجاوز الانقسام الداخلي بشأن تقديم الدعم لأحد المرشحين.

ودعا في المقابل، بشكل صريح إلى قطع الطريق أمام المنصف المرزوقي للوصول إلى قصر قرطاج مرة ثانية، وأبدى خشيته من «حمل نداء تونس بذور عودة الاستبداد والفساد» من خلال دعم قائد السبسي في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية التي تجرى يوم 21 ديسمبر (كانون الأول) الجاري.

وقال الهمامي في مؤتمر صحافي عقده أمس في العاصمة التونسية إن المرزوقي هو المرشح الفعلي لحركة النهضة وحلفائها. وأشار إلى أن تونس اكتوت خلال فترة حكمه بنيران الاغتيالات السياسية وتنامي الإرهاب الذي طال عشرات العسكريين والأمنيين مما هدد وحدة البلاد والمجتمع التونسي بالإضافة إلى ما سماها «سلسلة الكوارث الاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسي» التي عرفتها تونس خلال السنوات الـ3 الماضية.

وتابع الهمامي انتقاده الشديد للمرزوقي من خلال أشارته إلى ارتهانه لحركة النهضة، وارتباطه المفضوح.

ولم يحسم الهمامي موقف الجبهة الشعبية تجاه أحد المرشحين في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية ولكنه اكتفى بعكس المواقف المتضاربة لمكونات التحالف السياسي الذي يضم 11 حزبا سياسيا من اليسار والقوميين. وقال: إن الجبهة الشعبية تأخذ على محمل الجد إمكانية عودة منظومة الاستبداد والفساد السابقة وبالتالي معاداة الثورة التونسية. ووجه الهمامي مجموعة من الانتقادات إلى حركة نداء تونس الفائزة بأغلبية أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ورجح انتفاء التحالف السياسي معها في تشكيل الحكومة التونسية المقبلة، وقال: إن مرشح نداء تونس لم يوضح بعد مشروع حكمه فيما يتصل بعلاقته بحركة النهضة وإمكانية التحالف السياسي فيما بينهما.

وأشار الهمامي إلى أن حزب نداء تونس يضم في صفوفه وضمن أغلبيته البرلمانية ومسانديه عدة رموز من النظام القديم مما ستكون له، على حد قوله «انعكاسات على ملفات لا تقبل المساومة على غرار الاغتيالات السياسية وأحداث الرش في مدينة سليانة وغيرهما من المدن التونسية، وملف العدالة الانتقالية ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى الملفات الاقتصادية والاجتماعية».

ودعا الهمامي في نفس الوقت إلى قطع الطريق أمام عودة ما سماه «المشروع الإخواني» إلى الحكم من خلال الاستقطاب الثنائي بين حركة النهضة وحركة نداء تونس مما يؤدي إلى استهداف الثورة التونسية والالتفاف على مطالب التونسيين، على حد تعبيره.

وفي السياق ذاته، قال جلول عزونة رئيس الحزب الشعبي للحرية والتقدم، أحد الأحزاب المشكلة لتحالف الجبهة الشعبية في تونس، بأن الجبهة لن تشارك في حكومة تكون حركة النهضة من بين مكوناتها، وأنها ستكون من دون تردد ضمن صفوف المعارضة. وأضاف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «التحالف الخفي بين حركة النهضة وحركة نداء تونس قد توضحت معالمه بعد تقاسمهما رئاسة مجلس نواب الشعب (البرلمان التونسي)، على حد قوله.

ويضم تحالف الجبهة الشعبية 11 حزبا سياسيا حصلت كلها على الترخيص القانوني بعد الثورة، ويجمع هذا التحالف أحزابا يسارية أهمها حزب العمال وأحزاب قومية.

وأشار عزونة إلى أن الهمامي المتحدث باسم الجبهة طلب بصفة واضحة من قائد السبسي توضيح موقفه النهائي من فرضية التحالف مع حركة النهضة، وذلك قبل تقديم تصور نهائي من الدور الثاني للانتخابات الرئاسية التي تجرى نهاية الشهر الحالي، بيد أنه لم يحصل على جواب في الحين، وجاءت الإجابة عبر التصويت تحت قبة البرلمان.

واستبعد عزونة رجوع العلاقة بين الجبهة الشعبية وحركة نداء تونس إلى سالف عهدها خاصة خلال انضمامهما لجبهة الإنقاذ ومطالبتهما بإسقاط الحكومة التي تزعمتها النهضة سنة 2013، والكشف عمن يقف وراء اغتيال شكري بلعيد القيادي اليساري، ومحمد البراهمي النائب في البرلمان، وقال: إن مواقف حركة نداء تونس مؤثرة على مصداقية الخطاب السياسي، على حد تعبيره.

وبشأن موقف الجبهة من تقارب حركة النهضة وحركة نداء تونس، قال عزونة بأنه تحالف مريب يكشف عن ازدواجية في الخطاب السياسي لكليهما فحركة النهضة كانت قبل أيام تحذر من مخاطر تغول حركة نداء تونس وسيطرتها على مفاصل المؤسسات الدستورية (رئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية)، أما حركة نداء تونس فقد كانت بدورها تنبه إلى خطر عودة الخطاب الديني المتشدد وعودة تونس إلى الوراء.

واعتبر أن تحالفهما باغت الكثير من مكونات الجبهة الشعبية وبقية الساحة السياسية خاصة بعد التقارب الحاصل بين الأحزاب الفائزة في الانتخابات البرلمانية الماضية من «العائلة الديمقراطية».

وكانت قيادات الجبهة الشعبية قد وجهت تهمة التلاعب بالاتفاقات السياسية إلى حركة نداء تونس، وأكدت أن نوابها في البرلمان صوتوا لصالح محمد الناصر لرئاسة مجلس نواب الشعب ولكن نواب حركة نداء تونس لم يصوتوا لصالح مباركة عواينية (أرملة البراهمي) مرشحة الجبهة الشعبية لمنصب نائب أول لرئيس المجلس، وآل المنصب إلى عبد الفتاح مورو مرشح حركة النهضة.