(«الشرق الأوسط») تكشف تفاصيل محادثات سرية بين «فجر ليبيا» و«الجامعة العربية»

الثني ينسف حوار الأمم المتحدة * الاتحاد الأوروبي يحظر كل شركات الطيران الليبية من السفر اليه

TT

على الرغم من أن القادة السياسيين لما يسمى «قوات عملية فجر ليبيا»، التي تسيطر على العاصمة طرابلس بقوة السلاح منذ شهر يوليو (تموز) الماضي، يتبنون علانية خطابا رافضا للحوار مع مجلس النواب الذي يتخذ من مدينة طبرق (شرق) مقرا مؤقتا له، فإن معلومات حصلت «الشرق الأوسط» عليها تظهر على النقيض من ذلك، أنهم سرا وفي الخفاء يسعون لحوار عبر مجموعة من المسؤولين السابقين في نظام العقيد الراحل معمر القذافي.

وقال مسؤول ليبي سابق لـ«الشرق الأوسط»، إنه شارك بالفعل في ترتيب لقاءات سرية جرت في القاهرة قبل نحو شهرين لمسؤولين في «فجر ليبيا» مع الأمين العام للجامعة العربية الدكتور نبيل العربي، وناصر القدوة، مبعوث الجامعة إلى ليبيا، مشيرا إلى أن الجامعة العربية رحبت بالفكرة على الفور، لكنها اكتشفت لاحقا أن الشخص المعني كان يتحدث بلهجة أبعد ما تكون عن الحوار، على حد قوله.

وأضاف المسؤول ذاته: «هم (مجموعة فجر ليبيا) حاليا في مأزق حقيقي. الضغوط الداخلية والخارجية تتصاعد يوميا عليهم، بالإضافة إلى الضغط العسكري الذي يمارسه الجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر. هذه كلها عوامل تدفعهم إلى محاولة فتح طريق إلى الحوار كما يتصورنه».

وقال المسؤول، إن مسؤولين آخرين من بينهم الدكتور علي التريكي، أحد أبرز مساعدي القذافي، شارك في ترتيب اجتماعات مماثلة لمسؤولين في «فجر ليبيا» مع مسؤولين عرب ومصريين، مشيرا إلى أن الاجتماعات توقفت بشكل مفاجئ من دون أسباب واضحة.

وأضاف المسؤول: «فوجئت بأن (فجر ليبيا) طلبت من مسؤولين سابقين في النظام الليبي السابق أن يحاولوا مساعدتهم على إجراء حوار مع الجامعة العربية. كنت أظن أني الوحيد، لكن اتضح أن لديهم علاقات واتصالات بمسؤولين آخرين».

وتكشف رواية المسؤول الليبي لـ«الشرق الأوسط» المفارقة الشديدة السخرية والدراماتيكية في آنٍ واحد، من كون قوات فجر ليبيا التي تتهم دائما عناصر محسوبة على نظام القذافي أو تابعة له بالتورط في الصراع السياسي والعسكري الدائر حاليا في البلاد، بينما تسعى لاستخدام اتصالاتهم وعلاقاتهم القديمة بعدة دوائر عربية وأجنبية. وقال المسؤول الذي اشترط عدم تعريفه: «لديهم اتصالات سرية أيضا مع حكومات أجنبية، لكنها لم تسفر عن أي شيء ملموس، على حد علمي».

وتبنى قادة قوات عملية فجر ليبيا، وهم خليط من ميليشيات مصراتة وحلفائها من جماعة الإخوان المسلمين وبقايا الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، اتجاها لإجبار المؤتمر الوطني العام (البرلمان) المنتهية ولايته، على تبني قانون العزل السياسي لإبعاد كل رجال ومساعدي القذافي عن الحياة السياسية مجددا.

لكنهم الآن وفقا لرواية المسؤول الليبي عادوا إلى الاتصال بهؤلاء بعدما شعروا بوطأة المأزق السياسي والعسكري الذي يعيشونه، رغم سيطرتهم بقوة السلاح على مقاليد الأمور في طرابلس.

وعلى ما يبدو فإن علاقات قادة «فجر ليبيا» مع مسؤولي نظام القذافي ليست وليدة اليوم، كما قال مسؤول آخر في الحكومة الليبية لـ«الشرق الأوسط»، لافتا إلى أن ما وصفه بـ«رأس المال الفاسد» في مصراتة (غربا)، وعلاقته وتحالفه مع الإخوان، كان شريكا حيويا لرجال دولة القذافي.

وأضاف الوزير الذي طلب عدم تعريفه: «بعد سقوط النظام السابق شارك رجال الإخوان وأبرزهم علي الدبيبة، وفتحي باشاغا، وبشير الشباح، والصديق الكرشيني، ومحمد الرعيض. كل هذه أسماء مؤثرة بأموالها في شراء ذمم الثوار وتحريكهم».

وفي محاولة منه لقطع الطريق على استمرار قادة «فجر ليبيا» في عقد لقاءات سرية مع مسؤولين من دول أجنبية، وضع عبد الله الثني، رئيس الحكومة المعترف بها دوليا في ليبيا، المسمار الأخير في نعش الحوار الوطني الذي تتبناه الأمم المتحدة، بعدما أعلن أن حكومته ستواصل حملة عسكرية لاستعادة طرابلس. وقال الثني في تصريحات تلفزيونية مساء أول من أمس، إن قواته تتقدم صوب طرابلس من الغرب، وإنها ستسيطر أيضا على المعبر الحدودي الرئيسي مع تونس. وأضاف الثني: «تتحرك القوات نحو طرابلس لتحريرها»، مشيرا إلى أن قواته استولت على بلدة غرب العاصمة. وسئل في المقابلة التلفزيونية عما إذا كانت السعودية ودولة الإمارات العربية تعرضان مساعدة إنسانية، فقال: «إخوتنا في المملكة العربية السعودية والإمارات وإخواننا في مصر على استعداد تام لكل ما تطلبه الحكومة ومجلس النواب». ومع أن برنادينو ليون، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، أعلن عن تأجيل جلسة الحوار الوطني المعروف باسم «غدامس2» إلى مطلع الأسبوع المقبل، فإن مسؤولين في مجلس النواب الليبي وأعضاء في حكومة الثني قالوا في المقابل لـ«الشرق الأوسط» إنهم لن يجلسوا على مائدة مفاوضات واحدة كما يخطط ليون مع مسؤولين من البرلمان السابق أو قادة عملية «فجر ليبيا».

وقال وزير ليبي لـ«الشرق الأوسط»: «المفاوضات تحمل معاني ضمنية منا بالاعتراف بشرعية هؤلاء. الشرعية الوحيدة التي يجب أن يقر بها الجميع هي فقط لمجلس النواب وحكومة الثني المنبثقة عنه».

وأضاف: «لدينا شروط يتعين عليهم أن يقبلوا بها للحوار، أولا أن يعترفوا بشرعية مجلس النواب المنتخب، وأن يعلنوا سحب ميليشياتهم المسلحة من العاصمة طرابلس، وأن يوافقوا على الخضوع لمحاكم قضائية ليبية للتحقيق معهم في مدى تورطهم في أعمال عنف أو أية انتهاكات أخرى».

من جهة أخرى، أعلن جهاز الشرطة القضائية، أن سجن قرنادة في وضعه الحالي يوجد خارج سيطرة الجهاز نتيجة استيلاء بعض العناصر التي وصفها بأنها خارجة عن القانون وتتبع اللواء حفتر قائد عملية الكرامة التي يشنها الجيش الوطني الليبي ضد المتطرفين في شرق البلاد.

وأكد الجهاز في بيان نشتره وكالة الأنباء الموالية للحكومة الموازية برئاسة عمر الحاسي لمدعومة من البرلمان السابق الإخوان و«فجر ليبيا»، أن الجهاز غير مسؤول عن كل ما يقع في ذلك السجن من حالات اعتقال أو تعذيب وكل الأفعال المجرمة بحكم القانون.

وزعم الجهاز أن المعلومات الواردة تفيد بوجود معتقلات وأوكار أنشئت حديثا في مدينة المرج ومحيطها بغرض احتجاز وتعذيب وانتهاك حقوق المواطن الليبي والاستعانة بعناصر أجنبية في تلك الممارسات، داعيا كل الجهات الضبطية والقضائية ومنظمات حقوق الإنسان إلى اتخاذ ما يلزم من إجراءات تسجل الشكاوى وحصر الانتهاكات وجمع الأدلة بما يكفل التعرف على المجرمين المتورطين فيها والمسؤولين عنهم وملاحقتهم وتقديمهم للعدالة المحلية والدولية حسب الأحوال.

من جهة أخرى، تعاني عدة مناطق في طرابلس من انقطاع الكهرباء، حيث أقرت الشركة العامة للكهرباء أن انقطاع التيار الكهربائي الحاصل منذ يوم الثلاثاء الماضي هو نتيجة الصيانة الحالية على خط جنوب شرقي طرابلس (جهد 220 ك.ف)، في حين أعلن مصدر مسؤول بمديرية أمن طرابلس عن احتراق مولد بمحطة كهرباء بمنطقة زاوية الدهماني نتيجة التماس كهربائي بعد هطول أمطار غزيرة. وأوضح المصدر أن المولد تعطل مما أدى إلى توقف المحطة واحتراق سيارتين كانتا مركونتين بجانب المحطة، نافيا أن يكون احتراق المولد بفعل فاعل.

على صعيد آخر، أكد المتحدث باسم «القوة الوطنية المتحركة»، أن الحركة في معبر رأس أجدير على الحدود البرية مع تونس طبيعية، مشيرا إلى أن القتال بالمنطقة الغربية متوقف.

بموازاة مع ذلك، فرض الاتحاد الأوروبي اعتبارا من أمس حظرا على جميع شركات الطيران الليبية من العمل في مجاله الجوي، على أساس مخاوف تتعلق بسلامة الركاب. وقالت مفوضة النقل الأوروبي فيوليتا بولك، إن الأحداث الأخيرة في ليبيا أدت إلى موقف لا يمكن لهيئة الطيران المدني بموجبه الوفاء بالتزاماتها الدولية فيما يتعلق بسلامة قطاع الطيران الليبي، مشيرة إلى ليبيا أضيفت إلى 20 دولة أخرى مدرجة بالفعل على القائمة السوداء الخاصة بالسلامة الجوية بالاتحاد الأوروبي بينها أفغانستان وقيرغيزستان والكثير من الدول الأفريقية.

وتشمل القائمة جميع شركات الطيران الموجودة في 21 دولة بمجموع 308 شركات محظورة من الطيران إلى الاتحاد الأوروبي.