آلاف الفلسطينيين يشيعون الوزير أبو عين.. وتضارب الروايات حول سبب الوفاة

حملوا إسرائيل مسؤولية الجريمة.. ونتنياهو يلجأ إلى كيري طالبا مساعدته

تشييع رسمي لجثمان الراحل رياد أبو عين في رام الله أمس (أ.ب.)
TT

شيع الفلسطينيون أمس على مستوى رسمي وشعبي، الوزير زياد أبو عين، مسؤول هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، بعد أن أنهى أطباء متخصصون تشريحا للجثمان.

ورغم تواجد الأطباء الفلسطينيين والإسرائيليين في نفس غرفة التشريح، خرج كل طرف منهما برواية مناقضة للأخرى حول أسباب وفاة وزير شؤون الاستيطان الفلسطيني، زياد أبو عين، أول من أمس، خلال اعتداء قوات الاحتلال على مظاهرة احتجاج سلمي على الاستيطان. فقد قرر الإسرائيليون أن سبب الوفاة هو نوبة قلبية حادة، بينما أصر الفلسطينيون على أن السبب يعود إلى الاعتداء. وحملوا إسرائيل مسؤولية وفاته.

ولكن، وإلى جانب هذا التناقض والاتهامات، حاولت إسرائيل تهدئة الفلسطينيين. فأعلن وزير الدفاع، موشيه يعلون، أسفه لوفاة أبو عين وتوجه رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، إلى وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، طالبا العمل على منع التدهور وإقناع الفلسطينيين بالامتناع عن وقف التنسيق الأمني. واتفقا على لقاء بينهما في روما مطلع الأسبوع. فيما الفلسطينيون يطالبون بالضغط على إسرائيل حتى توقف الاستيطان وتسحب قواتها من مواقع الاحتكاك. وواصلت القوات الإسرائيلية حالة الاستنفار العسكري في الضفة الغربية، ورفدت قواتها بالمزيد من الوحدات العسكرية. وأعلنت أن خبراءها يواصلون التحقيق في وفاة الوزير أبو عين.

وأحضر جثمان أبو عين إلى مقر الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) في رام الله بعد صلاة الظهر، في موكب رسمي وشعبي كبير، وكان عباس وجميع أعضاء القيادة الفلسطينية في استقباله، وألقوا نظرة الوداع الأخيرة عليه إلى جانب أفراد عائلته، بعد أن أجريت له مراسم تشييع رسمية، وأدى خلالها عباس وآلاف المسؤولين والمواطنين صلاة الجنازة عليه، فيما أطلق مسلحون من فتح الرصاص في الهواء وتعهدوا بالانتقام. ووري جثمان أبو عين الثرى في مقبرة «البيرة» القريبة من رام الله بعد أن أعلنت الحكومة الفلسطينية بما لا يدع مجالا للشك بأنه قضى نتيجة الضرب والخنق واستنشاق الغاز وحملت إسرائيل مسؤولية مقتله.

وقال وزير الصحة الفلسطيني جواد عواد بأن تشريح الجثمان يثبت أن إسرائيل مسؤولة عن مقتله.

وعقد مدير الطب الشرعي في فلسطين، صابر العالول الذي ترأس لجنة فلسطينية أردنية بوجود طبيب إسرائيلي لتشريح أبو عين، مؤتمرا صحافيا أمس أعلن فيه أن النتائج الأولية لتشريح جثمان أبو عين «تؤكد أن الوفاة ناتجة عن القوة في مقدمة الوجه والتي أدت إلى كسر بالأسنان الأمامية وانزياحها وخلعها ودخولها إلى التجويف الفموي في الغرفة الخلفية من الفم بمحاذاة لسان المزمار، كما توجد علامات للتكدم في الجزء الخلفي من النسيج اللساني مع وجود تكدمات في منطقة العنق من الناحيتين اليمنى واليسرى وهي آثار للضغط على منطقة العنق، ووجود تكدمات في منطقة الغضروف الدرقي مما يدلل على أن قوة استعملت على منطقة العنق». وقال العالول، بأن الوفاة هي «إصابية المنشأ وليست ناتجة عن حالة طبيعية». وأضاف: «توجد علامات استنشاق ومرتجعات للطعام في المجاري التنفسية مع وجود علامات مخاطية، وتضييق في الشريان التاجي الأيسر النازل مصحوبا بنزف في البطانة الداخلية للشريان وهي من العلامات التي تصاحب حالات الكرب والشدة». وأردف «سبب الوفاة نقص في التروية الدموية للقلب بسبب النزيف الداخلي للشريان التاجي المصحوب بالاثيروما». وعزز تقرير العالول الذي دعمه الأطباء الأردنيون الذين شاركوا في التشريح، الاتهامات الفلسطينية لإسرائيل بالتسبب في وفاة أبو عين.

وكان رئيس هيئة الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية حسين الشيخ أكد أن نتائج التحقيق أظهرت أن وفاة أبو عين جاءت من جراء تعرضه لضربة قاسية على الحجاب الحاجز والرئتيْن بالتزامن مع إطلاق كثيف لقنابل الغاز التي قامت بها القوات الإسرائيلية.

وأكد الشيخ أن أطباء من فلسطين والأردن وإسرائيل شاركوا في التشريح، وأن الأطباء الفلسطينيين والأردنيين وقعوا على التقرير، فيما أقر الطبيب الإسرائيلي النتائج لكنه لم يوقع على التقرير الطبي. وكان الطبيب الإسرائيلي تحجج بأن التقرير غير مكتوب باللغة العبرية فرفض التوقيع لكنه لاحقا شكك في التقرير الفلسطيني.

من ناحيته، عمم الناطق بلسان رئيس الحكومة الإسرائيلية بيانا صادرا عن وزارة الصحة الإسرائيلية، حول نتائج التشريح، ادعت فيه «أن السبب لوفاة هو انسداد الشريان التاجي (أحد الشرايين التي تزود عضلة القلب بالدم) إثر نزف دم تحت اللويحة التصلبية ويمكن أن التغيير في اللويحة (أي النزيف) قد تسبب عن ضغط نفسي. وتم العثور على نزف صغيرة في العضلات وعلى علامات ضغط محلية في الرقبة». وأضاف البيان أن «المرحوم عانى من مرض قلب خطير وتم العثور داخل الأوعية الدموية في قلبه على لويحات تصلبية سددت أكثر من 80 في المائة من الأوعية الدموية كما تم العثور على ندبات قديمة تدل على أن المرحوم كان يعاني سابقا من احتشاء في عضلة القلب. وأدت حالة القلب الهشة التي كان يعاني منها المرحوم إلى كونه أكثر حساسية إلى حالات الإجهاد». ودعت إسرائيل إلى الانتظار حتى صدور تقرير العلاج الطبي من أجل التوصل إلى استنتاجات أكثر حسما.

وزاد قتل أبو عين من التوترات في الضفة الغربية وتفجرت مواجهات أمس بين متظاهرين فلسطينيين والقوات الإسرائيلية قرب رام الله والخليل وفي القدس.

وتفجرت المواجهات رغم دفع إسرائيل بالمزيد من قواتها في الضفة تحسبا لأي تطورات. ويفترض أن تجتمع القيادة الفلسطينية اليوم الجمعة لاتخاذ القرارات المناسبة للرد على «اغتيال» أبو عين. وكانت القيادة اجتمعت الأربعاء وناقشت مجموعة من القرارات وأجلت الحسم فيها لحين ظهور نتائج التشريح.

وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات بأن القيادة الفلسطينية ستتخذ قرارا بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل في اجتماع الجمعة. وأضاف في مؤتمر صحافي في رام الله «القيادة ستبحث عدة قرارات هامة، بما فيها طرح مشروع قرار على مجلس الأمن لتثبيت دولة فلسطين بحدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، والتوقيع على ميثاق روما والانضمام لمحكمة الجنايات الدولية».

وتابع: «سنطلب عقد اجتماع هذا الشهر في جنيف لإنفاذ وتطبيق مواثيق جنيف على أراضي فلسطين المحتلة كما سنطلب الحماية الدولية من سكرتير عام الأمم المتحدة ضمن نظام خاص، علاوة على تحديد العلاقات مع الجانب الإسرائيلي بما يشمل وقف التنسيق الأمني».

وقالت مصادر فلسطينية لـ«الشرق الأوسط» بأنه يتوقع المصادقة خلال اجتماع الجمعة على البدء بتنفيذ بعض القرارات ولكن ليس بشكل فوري. وأوضحت المصادر أن هناك رأيا راجحا في القيادة الفلسطينية يطلب عدم اتخاذ أي قرارات مصيرية أو كبيرة قبل عرض مشروع قرار إنهاء الاحتلال في مجلس الأمن. وأضافت المصادر «بعض المسؤولين يفضلون تأجيل الانضمام للجنايات الدولية كي تكون ردا على إفشال محتمل لمشروع قرار إنهاء الاحتلال في مجلس الأمن.. ثمة اعتقاد بأن الدخول في مواجهة كبيرة الآن سيعطل مشروع القرار».