من دبي إلى هوليوود: طريق السينما مفروش بالمنافسات

«الشرق الأوسط» في مهرجان دبي السينمائي الدولي 2

من «نظرية كل شيء»
TT

كان مثيرا للسرور لدى إدارة مهرجان دبي أن يجدوا أن فيلم الافتتاح الذي تم مساء يوم الأربعاء الماضي هو أحد الأفلام الـ5 التي تم ترشيحها رسميا لجوائز «غولدن غلوبس». وانتشر هذا الخبر خلال حفل كبير لتقديم منحة 100 دولار من قبـل مؤسسة IWC السويسرية لأحد السيناريوهات الـ3 التي قام بتقديمها سينمائيون جدد يسعون لمثل هذا الدعم المهم.

بذا، وبينما كانت هوليوود تعيش حالة ما بعد إعلان ترشيحات «غولدن غلوبس» (ثاني أهم جوائز المناسبات السنوية بعد الأوسكار) كان مهرجان دبي يواصل تجديد حوافزه وعرض أفلامه الـ118 التي جيء بها لكي تشغل هواة السينما الحاضرين.

* شيرين المشغولة

* 3 مسابقات بلجنتي تحكيم؛ واحدة لـ«المهر الطويل»، وتشمل أفلاما عربية وأجنبية وهذه أودعت عناية لجنة تحكيم مؤلّفة من المخرج والمنتج الأميركي لي دانيالز («بريشوس» و«رئيس الخدم» من بين أخرى) وتضم المخرجة اللبنانية نادين لبكي والممثلة الأميركية فرجينيا مادسن والمخرج الجزائري مالك بن إسماعيل والمخرج والمصور الهولندي رتيل هلمريتش.

المسابقة الثانية لـ«المهر الإماراتي» والثالثة للأفلام القصيرة، وكلتاهما تنضوي تحت لجنة تحكيم واحدة من عضوية المخرجة الفلسطينية - الأميركية شيرين دعيبس وكاتب السيناريو محمد حسن أحمد وكاتب هذه السطور رئيسا.

لي دانيالز يقول لي ونحن بانتظار الوقوف أمام الكاميرات ليل أول من أمس: «المهرجان نفسه ما زال يذهلني، وما يبديه من تفانٍ لإنجاح هذه الطاقات والمواهب. كلنا يعرف أن الأفلام قد ترتفع وتنخفض حسب معطيات وقدرات صانعيها، وقد شاهدت حتى الآن أفلاما جيدة عديدة، لكن المهرجان نفسه هو الذي أجده يستحق المكانة التي سمعتها عنه».

إذ سيعود لي دانيالز إلى لوس أنجليس سيسعى لدخول عمليات ما بعد تصوير فيلمه الجديد «وحيدا». هذا عمل من إنتاجه فقط، بينما يؤول إخراجه إلى MYC Agnew وكذلك بطولته. يشرح دانيالز: «ستجده فيلما مثيرا وغريبا بعض الشيء عن شخص يفقد زوجته وعمله وبعض عقله في يوم واحد، والآن عليه العمل لاستردادها».

من ناحيتها، فإن المخرجة شيرين دعيبس المشغولة حاليا بإنتاج وإخراج سلسلة من الأفلام حول العرب في الولايات المتحدة لحساب شركة «فوكس»، تخطط لفيلمين للعام المقبل: «واحد يحمل موضوعا عربيا وآخر كفيلم أميركي خالص».

دعيبس التي سبق أن استولت على الاهتمام عربيا وعالميا، عندما قدمت فيلمها الأول «أميركا» سنة 2009 حول أم وابنها اللاجئين إلى أميركا من فلسطين، ثم «مي في الصيف» سنة 2013، الذي افتتح في مهرجان فينيسيا حول مهاجرة عربية تعود إلى عمّـان للقاء أسرتها بعد سنوات من الغياب، ستمضي بعد الوقت في المنطقة قبل أن تعود إلى لوس أنجليس (ولو أنها تفضل مدينة نيويورك التي عاشت فيها معظم السنوات الأخيرة) لمواصلة العمل.

* الكويتي يفوز

* حفلة IWC كانت جامعة لبعض المواهب العربية التي كانت تقدّمت بسيناريوهاتها في مسابقة الدرع. هي شركة ساعات مرموقة أساسا وجدت في دعم هذه المواهب العربية سبيلا للمشاركة مع مهرجان دبي في رعايتها. طبعا، وككل راع أو داعم، فإن الغاية الأخرى هي محض تسويقية لمنتجاتها، لكن هذا بات تقليدا عاديا والمقابل الذي ينجزه المهرجان لقاء ذلك كبير. يخبرنا مدير المهرجان الفني مسعود أمر الله آل علي موضحا: «تمنح الشركة 100 ألف دولار كل سنة لمن ترتئيه يستحق الفوز من بين المتقدّمين إليها، عن طريق المهرجان، بسيناريوهاتهم آملين في الفوز بمنحة تمكنهم من التأسيس والمواصلة»، ويضيف: «وهي تدفع علاوة على ذلك كل تكاليف الحضور الأخرى، وبينها تكاليف هذا الحفل أيضا».

في السنوات الماضية تم منح المخرج البحريني محمد راشد بوعلي المنحة التي مكّـنته هذا العام من إنجاز فيلمه الطويل الأول، ومنحت المخرج الإماراتي وليد الشحي جائزتها في العام الماضي عن مشروع قدمه لها بعنوان «دلافين»، الذي عُـرض في افتتاح قسم «ليالٍ عربية» ليل يوم أمس. هذا العام تقدم 3 أعلن في الحفل عن فوز أحدهم، وهو المخرج الكويتي عبد الله الشهري، الذي سينطلق من هنا لإنجاز فيلمه خلال العام المقبل.

ليس فقط أن السعادة كانت طاغية على محياه، بل وجد الوقت الكافي لإغداق إعجابه على الممثلة إميلي بلنت التي ترأست لجنة تحكيم هذا الدعم (وشملت أيضا المخرج الأميركي مارك فورستر صاحب «مقدار الأسى» و«الحرب العالمية زد»). كان عبد الله أعرب عن إعجابه بالممثلة في كلمته الأولى. بعدها سألته إذا ما ذهب إليها وسلّم عليها، فاعترف أنه فوّت الفرصة. لكن بعد إعلان اسمه فائزا سنحت له هذه الفرصة من جدي، فتقدم نحوها واحتضنها قائلا أمام ضحك الجميع: «أخذت إذنا من زوجتي».

* أفلام غالبة

* الواقع أن المرء لن يجد بين كل المهرجانات العربية العاملة ما يشبه هذا الحدث الماثل هذه الأيام في مدينة دبي. مهرجانها السينمائي ينجز هذا العام تقدّما على أكثر من صعيد، بينها الأفلام (التي سنتناولها تباعا في الرسائل المقبلة) والحضور وطبيعة الحدث الذي وضع دبي عاصمة سينمائية وثقافية على الخارطة العالمية وبقوة.

كل ذلك وفوقه معايشة أجواء سينمائية عالمية أخرى عبرت عنه خروج ترشيحات جوائز «غولدن غلوبس» المبهرة. هناك وعلى بعد عشرات ألوف الكيلومترات يتعالى نبض آخر من الحياة السينمائية التي لا تنام. ومثل كل عام، يطغى الحدث المتمثل بإعلان ترشيحات هذه الجائزة على سواه من الأحداث ويصبغ الآتي من الجوائز بلون التوقعات الزاهية. فالأفلام والشخصيات التي تفوز بترشيحاته هي ما يبقى مترددا لما بعد إعلان النتائج في الـ11 من الشهر المقبل في أوساط الجوائز المتعددة الممتدة من الآن وحتى موعد جائزة الأولى في نهاية الشهر الثاني من العام المقبل.

«نظرية كل شيء» الذي تم افتتاح دورة مهرجان دبي الحالية به نجده بين الأفلام الـ4 الأخرى المرشـحة، وهي «بويهود» و«فوكس كاتشر» و«لعبة المحاكاة» و«سلما»، وكلها من الإنتاجات التي تستحق الترشيح، وغالبيـتها من تلك المستقلة عن نمط هوليوود السائد. وهي جميعا في قسم الدراما، بينما حفل قسم الأفلام الكوميدية والموسيقية بـ5 أعمال أخرى هي «بيردمان» و«ذا غراند بودابست هوتيل»، و«كبرياء» و«سانت فنسنت» و«إلى داخل الغابة»، الذي بدوره يمثل فيلم الختام بالنسبة لمهرجان دبي الحالي.

إلى جانب هذين القسمين قسمان آخران مهمان: مسابقة «أفضل فيلم أجنبي»، وتلك المخصصة لـ«أفضل فيلم أنيميشن». في الأولى تصطف 6 أفلام هي السويدي «فورس ماجيور»، والفرنسي «محاكمة فيفيان أمسالم»، والبولندي «أيدا»، والروسي «الطاغوت»، والإستوني «تنجارين».

الأفلام الكرتونية الطويلة المرشحة هي «بيغ هيرو 6» الذي عرضه مهرجان أبوظبي في نهاية أعماله، و«كتاب الحياة»، و«بوكسترولز»، و«كيف تدرب تنينك 2»، و«ذا ليغو موفي».

* ممثلون وممثلات

* من بين كل هذه الأفلام يجري انتخاب المخرجين الـ5 المرشحين لجائزة أفضل إخراج، وهم هذا العام وس أندرسون عن «ذا غراند بودابست هوتيل» وآفا دوفرني عن «سلما» وديفيد فينشر عن «فتاة اختفت» ثم أليخاندرو غونزاليس إيناريوت عن «بيردمان» ورتشارد لينكلتر عن «بوهود».

كل هؤلاء، باستثناء ديفيد فينشر هم من بين السينمائيين المستقلين، وكل فيلم حققه كل واحد منهم هو نتيجة سعي دؤوب لتحقيق رؤيته الخاصة. والحديث عن الرؤيا الخاصّـة ينسحب على ديفيد فينشر الذي لا يمكن لومه إذا ما كان ينتمي إلى هوليوود بقدر ما تنتمي هوليوود إليه.

وفي حين أن إيدي ردماين، الذي وجه تحية إلى مهرجان دبي عبر الساتالايت يوم الافتتاح، يلعب الدور الأصعب جسديا في «نظرية كل شيء»، فإن باقي الممثلين المرشحين في قسم أفضل تمثيل رجالي درامي من الباذلين بدورهم لإتقان أدوارهم: ديفيد أولاوو عن «سلما»، والغالب أننا سنجده في سباق الأوسكار أيضا، علما بأنه أحد أهم المتسابقين في مهرجان بالم سبرينغز الذي ينطلق في الأسبوع الثاني من الشهر المقبل. مثل شيوتل إجيفور في العام الماضي بطل «12 سنة عبدا»، أولاوو ممثل أسود بريطاني الجنسية من أصول نيجيرية. ويؤدي في «سلما» شخصية مارتن لوثر كينغ في تجسيد مقنع وقوي الحضور.

على صعيد الممثلات، لافت أيضا، وكما توقعنا هنا، ترشيح فيليسيتي جونز لدورها في «نظرية كل شيء»، وجوليان مور عن «لا زلت أليس»، وريز ويذرسبون عن «وايلد». 2 من هؤلاء الـ3 سينتقلان، بلا ريب، إلى ترشيحات الأوسكار المقبلة إن لم يكن الـ3 بالفعل.

إميلي بلـنت واحدة من المرشحات لـ«غولدن غلوبس» أفضل ممثلة في فيلم كوميدي أو استعراضي، ومعها جوليان مور عن «خريطة النجوم»، مما يضمن فوز مور إلى حد مضاعف، ولو أنه يبقى غير مؤكد، بالفوز إن لم يكن في الدراما ففي الكوميديا.

وبين ممثلي الكوميديا رالف فاينس عن «ذ غراند بودابست هوتيل» ومايكل كيتون عن «بيردمان»، وكلاهما يقود بفاعلية، ولو أن المنافسة من الآخرين (بل موراي عن «سانت فنسنت» وواكين فينكس عن «رذيلة متوارثة» وكريستوف فولتز عن «أعين كبيرة») مشهودة.

بالعودة إلى دبي، فإن ربط فعالياته بأحداث عالمية ليس جديدا، لكنه في هذا العام يأخذ منحى مختلفا أكثر قوة. ليس فقط لأن فيلمي الافتتاح والاختتام يبرزان في عداد ترشيحات «غولدن غلوبس» فقط، بل لأن وقته من العام يضمن وجوده بين ما يقع سينمائيا في أكثر من مكان حول العالم في هذه الفترة.