«ماستر كلاس» في مهرجان مراكش.. دروس في السينما

الدنماركي أوغيست والفرنسي جاكو والإسباني دي لا إغليسيا.. يستعرضون تجاربهم السينمائية

المخرج وكاتب السيناريو الدنماركي بيلي أوغيست خلال مداخلته في إطار فقرة «ماستر كلاس» في إطار الدورة الـ 14 من مهرجان الفيلم بمراكش («الشرق الأوسط»)
TT

7 سنوات من «ماستر كلاس» بالمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، توالى خلالها على كرسي الدرس عدد من بعض كبار رجال الفكر والسينما في العالم، بينهم المخرج الأميركي مارتن سكورسيزي (2007)، والصربي إمير كوستوريتشا (2009)، والمخرج الأميركي فرنسيس فورد كوبولا (2010) والبريطاني جون بورمان (2012)، والمفكر الفرنسي إدغار موران (2012)، والمفكر الفرنسي ريجيس دوبري (2013).

يبدو مهرجان مراكش، مع «ماستر كلاس»، برأي البعض، أكثر من إطار للمنافسة والتنشيط السينمائي، إذ يسعى إلى تكريس تقليد النقاش والتبادل الخلاق للأفكار بين المتخصصين وطلاب وعشاق السينما، من جهة، وأسماء وازنة في عالم الفكر والفن، من جهة ثانية.

خلال دورة هذه السنة، كان الموعد مع 3 أسماء مشهود لها بالتجربة والقيمة الفنية: المخرج وكاتب السيناريو الدنماركي بيلي أوغيست، والمخرج وكاتب السيناريو والمنتج الإسباني أليكس دي لا إغليسيا، والمخرج السينمائي والمسرحي وكاتب السيناريو الفرنسي بونوا جاكو.

من طفولة الوعي السينمائي إلى لحظات الولوج الحقيقي لعالم الكاميرا وإدارة النجوم، مرورا بالخلفيات الفكرية والرؤى الجمالية المؤطرة للفعل السينمائي، وصولا إلى عصارة التجربة، كلها محاور تنقل لتجارب المتدخلين حول السينما، شروطها ومتطلباتها، أدواتها وظائفها.

* بيل أوغيست.. بين الاقتباس والانعكاس

* يعد بيلي أوغيست من أبرز الوجوه في السينما الدنماركية، بفضل توقيعه لأفلام مهمة، جعلته يتألق في مهرجان «كان» حيث فاز بالسعفة الذهبية مرتين؛ الأولى عن فيلم «بيل الفاتح» سنة 1988. والثانية عن فيلم «النوايا الحسنة» سنة 1992. وبلغت أعماله أوجها مع فيلم «بيت الأرواح» (1993)، الذي نقل فيه رواية إيزابيل أليندي، موقعا بذلك على أول فيلم له في هوليوود، الذي لعب فيه دور البطولة كل من ميريل ستريب وجيريمي آيرونز، معلنا بداية سلسلة من الاقتباسات لكبريات الكتب الأكثر مبيعا، ليتبع ذلك بفيلم «سميلا» (1996) عن رواية لبيتر هويك، و«البؤساء» (1997) عن رواية فيكتور هوغو، قبل أن يخرج «وداعا بافانا» (2006)، الذي صور، بشكل درامي، العلاقة بين نيلسون مانديلا وسجانه.

في مراكش، تحدث أوغيست عن قصته مع السينما، وعن رهاناته الفنية والإشكاليات التي تؤرقه وتمنحه، في الوقت ذاته، شغفا متواصلا لصناعة الأفلام، منذ شرارة الفكرة، وصولا إلى أجواء الاستوديو، مرورا بالاختيارات المتعلقة بتحديد فضاءات التصوير وكتابة السيناريو واختيار الممثلين وإدارتهم وحيثيات تحويل الرواية إلى فيلم.

يرى أوغيست أن تحقيق النجاح السينمائي يرتبط بـ«الاستفادة من أخطاء الأعمال السابقة، وصقل التجربة، وشحذها، أكثر من ارتباطه بعبقرية فردية ما». وتحدث عن السيناريو والاقتباس من أعمال روائية، فقال: «مع انغمار بيرغمان أدركت الأهمية الكبرى التي يحظى بها السيناريو، وإلى أي حد يعد المحدد الرئيسي لكل شيء في العمل السينمائي، فلا يمكن تدارك النقائص والثغرات عند الانتقال إلى الشاشة».

ولاحظ أن «أفضل ما في الاقتباس هو أن الخيارات السردية الكبرى تكون قد اتخذت في وقت سابق من قبل الكاتب، ويبقى الهاجس هو ألا يخيب أمل المعجبين بالكتاب، الذين يسكن فيلمهم الخاص في أذهانهم». كما تذكر كل أولئك الذين يعبرون عن إعجابهم بأفلامه، فقال: «أولئك الذين يقولون لي إنهم أعجبوا بأحد أفلامي، لا بد أنهم وجدوا فيها شيئا من حياتهم، فالأمر في مجمله عبارة عن انعكاس».

* بونوا جاكو.. سؤال المسافات والزوايا

* يعد بونوا جاكو من أبرز السينمائيين الفرنسيين، هو الذي وقَّع على مجموعة من الإبداعات المتميزة، منها «وداعا للأميرة» (2012)، وهو فيلم تاريخي يروي الأيام الأخيرة من حياة الملكة ماري أنطوانيت، و«3 قلوب» (2014)، الذي يحكي قصة مارك الذي سيلتقي بسيلفي عندما فاته قطار عودته إلى باريس، ودون أن يعرف أحدهما شيئا عن الآخر، يتوهان معا في الشوارع إلى الصباح، ويضربان موعدا في باريس بعد أيام. تذهب سيلفي للموعد، أما مارك فلم يذهب، بل سيلتقي صوفي، دون أن يعرف أنها شقيقة سيلفي.

في درس مراكش، تحدث بونوا عن مراحل إنجاز عمل سينمائي، كما تحدث عن علاقة الحداثة بالتاريخ، من دون أن يغفل استعراض بعض تجاربه مع السينما، بشكل عام، والإخراج، بشكل خاص. فمن أجل إنجاز فيلم، يقول بونوا: «كل الوسائل تبدو بالنسبة لي جيدة. لا شيء يمكنه أن يحول بيني وبين ذلك»، ليضيف متحدثا عن تدبير وقته، مبرزا جانبا من شخصيته، قائلا: «إذا لم أكن بصدد إخراج أفلام، أو لم أكن أعمل بشكل دائم على مشروع فيلم في مرحلة الكتابة أو التصوير أو المونتاج يكون من الأفضل أن أنغلق على نفسي».

كما تحدث عن وجهة نظره بصدد تصوير فيلم تاريخي أو فيلم معاصر: «لا أقول إني سأصور بطريقة مختلفة. فالمسافات وأنواع المقاربات والزوايا ليست بالضرورة هي نفسها».

* أليكس دي لا اغليسيا.. عالم الخيال والعجائب

* تعكس أفلام أليكس دي لا إغليسيا شغفه بالتمرد على المؤسسات والتعبيرات الانفعالية النمطية، حيث يتلاعب بالأشكال والأفكار والقناعات، وهو ما يخدم فكرته الأساسية التي ينطلق منها في صناعته السينمائية، حيث يصير الفن السابع وسيلة لتخليص الفرد من هيمنة القوالب الجاهزة. ولعل هذا ما يفسر حضورا قويا للكوميديا التي تتخذ، غالبا، شكل سخرية من الذات والمؤسسات ومن التاريخ والسياسة، أيضا.

في مراكش، قال دي لا إغليسيا إنه يجد نفسه معنيا أكثر برصد حالات التوتر الإنساني من خلال مواقف عبثية خارج منطق السلوكات المتعارف عليها، رابطا هذه النزعة بالسياق الاجتماعي الذي نشأ فيه والتكوين الفكري الذي تلقاه. يقول: «سينما الخيال والفانتاستيك تستهويني دائما، لأنها لا تعكس الواقع كما نعرفه بل تحوله، لتمنحنا القدرة على خلق عوالم أخرى». كما تحدث عن نشأته، فقال إنه ولد في بيلباو، في إسبانيا لأسرة ليست بعيدة، تماما عن عالم الجنون، حيث الأم رسامة والأب مدرس علم اجتماع والأخ مصاب بالسكيزوفرينيا. أما مساره الثقافي فأخذ اتجاه الفلسفة قبل أن يكتشف السينما دون تخطيط مسبق.

«كيف أصبحت مخرجا؟»، يتساءل دي لا إغليسيا، قبل أن يجيب: «لقد تأتّى ذلك من شعور بالغيرة من أحد أقاربي، كان سبقني إلى السينما. عندما كنت صغيرا كان يبدو لي العمل في السينما شيئا مستحيلا، بعيد المنال. كان ذلك أشبه بأن تكون رائد فضاء، مثلا».

ما بين حلم الطفولة وعصارة تجربة الإخراج، يرى دي لا إغليسيا أن السينما تسمح بتحرير الذات، لتكمن وظيفة السينما، في ظل هذا المعطى، في مساعدة الفرد على تحمل ثقل ضغوط العالم.