المقاهي والمحلات التجارية بدمشق تشهد تزايدا في العمالة النسائية

الحرب اضطرت الكثير من الفتيات للخوض في أعمال كانت حكرا على الرجال

مقهى ام كلثوم في وسط دمشق التجاري
TT

لم يكن اليوم الأول لرحاب وسالي لعملهما في مقهى الكمال الشعبي الدمشقي أمرا محرجا بالنسبة لهما حيث كانتا مستعدتين لذلك، ولكن كانت المفاجأة لرواد المقهى العريق وهم غالبا من المتقاعدين وطلبة المدارس أن يشاهدوا نادلات بنات في مقهى لا يرتاده سوى الرجال وعلى الرغم من وجود هذه الظاهرة منذ سنوات ولكنها ازدادت بشكل لافت للنظر في السنتين الأخيرتين مع اشتداد الحرب والأزمة الاقتصادية في سوريا، حيث اضطرت الكثير من الفتيات للخوض في أعمال ووظائف كانت حكرا على الرجال ليستطعن تأمين حد أدنى من المعيشة خاصة وأن البعض منهن يصرفن على أسرهن الفقيرة.

«الحرب والأحداث العاصفة والأزمة التي تشهدها البلاد وهي تدخل عامها الرابع غيرت الكثير من مفردات الحياة لدى الشوام والسوريين بشكل عام»، يتنهد حميد.. الذي التقيناه في أحد مقاهي دمشق الشعبية مبررا واقع الحال وهو يمعن نظره بتلك الفتاة التي تدور بين الزبائن تقدم لهم المشروبات وتضع محفظة حول خصرها تضع فيها ثمن المشروبات - «مع البطالة المتفاقمة»، يوضح حميد، «وخروج مئات الآلاف من السوريين من عملهم في المنشآت الخاصة والتي توجد في أماكن المعارك والمناطق الساخنة صار البحث عن مصدر رزق شيئا ملحا لدى الجميع نساء ورجالا» مشيرا إلى ارتفاع نسبة الغلاء في الأشهر الثلاثة الأخيرة الذي طال كل شيء.

المقاهي الموجودة داخل مدينة دمشق تأثرت بما يحصل في البلد ولكن بشكل مختلف نوعا ما ففي حين تأثرت مقاهي الفنادق الراقية وذات النجوم المتعددة سلبا كحال الكثير من الفعاليات التجارية لوحظ في المقابل ازدياد عدد المقاهي الشعبية والمتوسطة غير السياحية في السنوات الثلاث الماضية. وفي ظل حالة الكساد قام أصحاب منشآت أعمال تجارية أخرى مثل وكالات السفر بتحويلها لمقاه وأطلقوا عليها أسماء مثيرة للانتباه. مثال مقهى يحمل اسم سيدة الطرب الراحلة «أم كلثوم» وكان قبل ذلك وكالة طيران وسفر. تدخل إلى مقهى «أم كلثوم» والذي يوجد في وسط العاصمة التجاري، تجده مزدحما بالزبائن رغم أنه لم يمض على افتتاحه 3 أشهر وعلى خلفية قرقعة صوت الآراكيل وطاولة الزهر مع صوت التلفاز يستقبلك مدير المقهى مبتسما مرحبا وعندما تسأله عن سبب تسمية المقهى هكذا وهل هو احتفاء بأم كلثوم يجيبك: «لا ليس احتفاء بالمعنى الدقيق للكلمة ولكن مستثمر المقهى أراد أن يذكر الناس بالزمن الماضي الجميل ونحن بالفعل نضع أغاني أم كلثوم ولكن بعد ساعات المساء». يقنعك المدير بجوابه كما يقنعك الآخرون بالتسميات التي أطلقوها على مقاهيهم الجديدة هناك مثلا (الخال) وهو لقب شعبي دمشقي ينادى به كبار السن أو بقصد احترام سنهم أو مكانتهم بين أهل حارتهم أو للشاب القبضاي كما كان يفعل الراحل أبو عنتر في مسلسلاته التلفزيونية، وهناك (شيش بيش) وهو الاسم الملتصق بمفهوم المقهى تماما والذي يدلل على طاولة الزهر وأحجارها والزهر الشهير واسم أهم رقمين فيه (5و6) أي الشيش باللغة الفارسية (6) والبيش (5) بالتركية.

مقهى «البكوات» قبل أشهر قليلة كان عبارة عن محل كبير لبيع الألبسة والأحذية الرياضية في منطقة القنوات القديمة وسط دمشق ولكن لماذا البكوات؟ يبرر صاحب المقهى التسمية محاولا إقناعك أن القنوات هي حارة الأكابر وبكوات أيام زمان حيث تأسست في الفترة المملوكية وسكنها علية القوم ولكن مع افتتاح حارات دمشق الجديدة والراقية كالمزة والمالكي وأبو رمانة تركوها هؤلاء وسكنوا الأحياء الجديدة فأراد مستثمر المقهى العودة أيضا للزمن الماضي ولو بالاسم فقط! في مقهى البكوات يستفيض أحد مستثمري المقهى (فضيل عيران) في الشرح لـ«الشرق الأوسط» عن أسباب ظاهرة انتشار المقاهي بشكل واسع في سنوات الحرب والأزمة قائلا: «بالنسبة لنا قررنا تحويل محل بيع الألبسة الرياضية إلى مقهى بعد أن انخفضت كثيرا عمليات البيع لدينا فتدارست وشركائي بتنفيذ نشاط تجاري آخر مربح فكان الرأي هو أن يكون مقهى حيث رواد المقاهي كثر، وخصوصا في فترة الحرب والأزمة والسبب برأيي أن المقاهي وأماكن التسلية التي كانت منتشرة في مناطق حول دمشق كالغوطتين الشرقية والغربية وفي الريف ووادي بردى وغيرها جميعها توقفت عن العمل وبعضها تخرب بسبب المعارك والأحداث المشتعلة في هذه المناطق ولذلك اضطر الدمشقيون للتوجه نحو مقاهي الحارات والأسواق داخل المدينة وهذا شكل حافزا للكثيرين ليغيروا نشاطاتهم التجارية نحو المقاهي».

ولكن لفضيل عيران تفسير آخر لسيطرة نون النسوة على كادر العمل في المقاهي الجديدة وحتى القديمة حيث سحبن البساط من تحت أقدام العاملين الرجال وبات أصحاب المقاهي والمطاعم الدمشقية يفضلون توظيف الفتيات على الرجال في مقاهيهم، فهو يرى أن وجود فتيات نادلات في المقاهي يجذب الزبائن من الجنس اللطيف حيث يشعرن بالأمان أكثر لوجود نادلة من جنسهن! والسبب الثاني برأي عيران هو أن الفتاة ترضى براتب شهري أو أسبوعي أقل من الرجل كما أنها غير متطلبة كالرجل فهي ترضى بالقليل كون لا يوجد لديها مسؤوليات تجاه أسرتها مثل الشاب هو المسؤول عن تأمين مستقبله ومتطلبات زواجه. وحتى المرأة المتزوجة، يوضح عيران، في حال عملت في المقاهي والمطاعم فتعتبر أن كل ما تحصل عليه من أجور هو مساعدة لزوجها، فالفتاة تقبل براتب شهري مثلا 10 آلاف ليرة سوريا بينما الشاب لا يقبل بأقل من الضعف أي 20 ألف ليرة.