برينان يدعو للتحقيق في عمليات التعذيب.. لا للمحاكمة

في أول مؤتمر صحافي في مقر «سي آي إيه» المحاط بالسرية الكاملة

مدير وكالة «سي آي إيه» جون برينان أثناء عقده مؤتمرا صحافيا داخل مبنى الوكالة المحاط بالسرية الكاملة في لانغلي (فرجينيا) أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

في أول مؤتمر صحافي من نوعه في تاريخ الوكالة، عقد مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي أي إيه) مؤتمرا صحافيا داخل مبنى الوكالة المحاط بالسرية الكاملة، والذي يتعرض كل من يدخله وهو لا يعمل فيه إلى تفتيش دقيق. جاء هذا الحدث الهام، عندما قرر المدير، جون برينان، الرد مباشرة على التقرير الذي أصدرته، أول من أمس، لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، بعد تحقيقات استمرت 5 أعوام، عن عمليات التعذيب التي قامت بها «سي أي إيه» أثناء التحقيقات مع المتهمين بالإرهاب.

في المؤتمر الصحافي، الذي نقل مباشرة على الهواء، وهذا، أيضا، كان الحدث الأول من نوعه في تاريخ الوكالة، دافع برينان عن سجل «سي أي إيه»، وكرر القول بأن معلومات من الذين شملهم التعذيب ساعدت الوكالة في القبض على إرهابيين آخرين، وخاصة في الوصول إلى أسامة بن لادن، مؤسس وزعيم منظمة القاعدة.

لكن، وردا على أسئلة من صحافيين، قال برينان بأن الوكالة «ارتكبت أخطاء». ودعا إلى «تحقيقات» في هذه الأخطاء. لكنه اعترض على سؤال عن «محاكمة» الذين ربما ستدينهم التحقيقات.

واعترف برينان بأن بعض الاستجوابات مع المتهمين بالإرهاب كانت «قاسية وبغيضة» وأن سبب ذلك هو أن بعض المحققين «تجاهلوا التعليمات الصادرة لهم» وأن «بعض (العاملين في الوكالة) تجاوزوا صلاحياتهم، وينبغي أن يخضعوا للمساءلة».

لكن، كرر برينان أن الوكالة «أصابت في كثير مما فعلت في وقت لم تكن فيه كثير من الإجابات سهلة». وذلك لأن الشعب الأميركي «سيطرت عليه مخاوف من هجمات جديدة قد ينفذها تنظيم القاعدة. في وصف بعض عمليات التعذيب التي قامت بها الوكالة، قال: إنها كانت «قاسية». واستعمل، أيضا، وصف «مثيرة للتقزز»، ووصف «غير مصرح بها».

وكان تقرير مجلس الشيوخ قال: إن بعض العمليات كانت «وحشية». وأشار إلى أساليب مثل: الإغراق في الماء، والحرمان من النوم لأكثر من يوم وأن هذه الأساليب «لم تقد إلى أي معلومات مفيدة». وأن «سي أي إيه» خدعت المسؤولين الأميركيين، وخدعت أعضاء الكونغرس، وحتى أعضاء لجنة الاستخبارات.

لكن، في مقابلة، أول من أمس، في تلفزيون «فوكس» اليميني، دافع ريتشارد تشيني، نائب الرئيس السابق، ومن الذين أشرفوا على التحقيقات، عن هذه التحقيقات. وقال: إن تقرير لجنة الاستخبارات (التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي) «مليء بالأخطاء». وقال تشيني إن رئيسه في ذلك الوقت، الرئيس السابق جورج بوش الابن: «كان يعرف كل ما كان يجب أن يعرف» عن برنامج التعذيب. وكان بوش قال في مقابلة، في الأسبوع الماضي، في تلفزيون «سي إن إن»: «نحن محظوظون لأن عندنا نساء ورجالا يعملون بدأب في الدفاع عن الوطن».

في المقابلتين، رفض كل من بوش وتشيني استعمال كلمة «تعذيب». وأيضا، رفض استعمال الكلمة برينان، مدير «سي أي إيه». وقال: «أترك لغيري وصف هذه النشاطات».

وأيضا، رفض برينان الاعتذار. وقال: «على مختلف المستويات، تحركت (سي أي إيه) في مجال تجهله. لم نكن مستعدين. وكانت خبرة الوكالة ضعيفة في احتجاز المعتقلين. وكان عدد قليل من العاملين في الوكالة مدربين على إجراء استجوابات». ورفض برينان إعلان أن التحقيقات كانت فاشلة. أو كانت غير قانونية. أو أن «سي أي إيه» ضللت المسؤولين الأميركيين والشعب الأميركي. وذكر الصحافيين بأنه كان مساعدا للرئيس باراك أوباما، في أول سنوات أوباما في البيت الأبيض، وأنه هو الذي أشرف على إنهاء برنامج التحقيقات القاسية. وكرر برينان قول أوباما، أول من أمس: «كل شخص نزيه يجب أن يعتبر أن التعذيب يتعارض مع قيم الولايات المتحدة».

وكان أوباما قال: إن ما حدث «غير أميركي، ولا يشبه أخلاق الأميركيين».

وكانت ديان فاينستاين السيناتور الديمقراطي، ورئيسة للجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، والتي أعدت التقرير، قالت: «المعلومات الأساسية التي قادت إلى (زعيم القاعدة أسامة) بن لادن لم تكن مرتبطة بأساليب الاستجواب المبالغ فيها».

لكن، مثل بوش الابن وتشيني، قال عدد من قادة الحزب الجمهوري البارزين بأنه لولا المعلومات التي حصلت عليها «سي أي إيه» من المعتقلين، لم يكن ممكنا الوصول إلى بن لادن.

وعن التعذيب، قال جوش ارنست، المتحدث باسم البيت الأبيض: «السؤال الأهم هو: هل كنا مضطرين إلى أن نفعله (التعذيب)؟ والإجابة هي لا».

وفي سؤال في مؤتمره الصحافي عن تأييد أوباما لبرينان، قال ارنست بأن أوباما «يحتفظ بثقته كاملة في مدير سي آي إيه».

وكان برينان تولى إدارة «سي أي إيه» في مارس (آذار) الماضي. وقبل ذلك، كان مستشار أوباما للأمن الوطني. وكان يجلس إلى جانب أوباما في البيت الأبيض يوم نقل التلفزيون الداخلي في البيت الأبيض قتل بن لادن في مايو (أيار) عام 2011.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية أن التقرير كشف بأنه، قبل غزو العراق عام 2003، اعتقد مسؤولون في «سي أي إيه» أنه لا توجد أدله بأن العراق له صلة بهجمات 11 سبتمبر (أيلول) في ذلك الوقت، قال نائب الرئيس تشيني بأن محمد عطا، قائد المجموعة التي نفذت هجمات 11 سبتمبر كان قابل جاسوسا عراقيا في براغ، في تشيكوسلوفاكيا. في ذلك الوقت، ركز البيت الأبيض على هذا اللقاء لتأكيد وجود صلة بين الرئيس العراقي صدام حسين وهجمات عام 2001. وبهدف تبرير الإطاحة به وكشف تقرير الكونغرس بأنه، في رسالة، في العام الماضي، إلى السيناتور الديمقراطي كارل ليفين، قال مدير الوكالة جون برينان بأن جواسيس «سي أي إيه» المنتشرين على الأرض أعربوا عن «قلقهم الكبير» حيال تصريحات تشيني. وأنهم لم يثبتوا أبدا وجود محمد عطا في براغ في الوقت الذي قيل فيه بأنه التقى بالجاسوس العراقي.

ومؤخرا، قال ليفين بأنه كان طلب من «سي آي إيه» رفع السرية عن هذه الوثيقة لإظهار «الخداع الذي مارسته إدارة الرئيس السابق بوش بحق الأميركيين قبل اجتياح العراق».

وأضاف ليفين: «اجتماع براغ المزعوم كان في صلب حملة بوش الهادفة إلى إعطاء انطباع لدى الرأي العام الأميركي بأن صدام حسين تحالف مع إرهابيي (القاعدة) الذين هاجمونا في 11 سبتمبر».