أوكرانيا تعزز قدراتها العسكرية رغم اعترافها بصمود الهدنة مع الانفصاليين

موسكو لا تريد العزلة لنفسها وتلمح إلى ضرورة التعاون مع الدول الأوروبية

بوروشينكو يضع نباتات خشخاش على جدار خلال زيارته للنصب التذكاري للحرب الأسترالية بالعاصمة كانبيرا أمس، وتبدو إلى جانبه زوجته (ا.ب)
TT

شددت أوكرانيا على صمود الهدنة المبرمة بينها وبين الانفصاليين، أمس، في جنوب شرقي البلاد، لكنها أعلنت أنها ستزيد كثيرا قواتها المسلحة ومضاعفة ميزانيتها العسكرية أكثر بمرتين رغم اتفاق وقف إطلاق النار.

وقال الرئيس الأوكراني، بيترو بوروشينكو، من مدينة سيدني الأسترالية، أمس: «لدي أخبار إيجابية، فاليوم (الجمعة) لأول مرة منذ 7 أشهر، تم تسجيل هدنة حقيقية»، وأضاف بوروشينكو: «إنها الليلة الأولى التي لم تسجل فيها إصابة أو مقتل أي جندي أوكراني»، وإن أعرب عن مخاوف من «هشاشة الموقف الراهن». وبينما دعا بوروشينكو في المؤتمر الصحافي الذي عقده في ختام مباحثاته مع رئيس الوزراء الأسترالي، توني أبوت، القيادة الروسية إلى سحب القوات من الأراضي الأوكرانية وإغلاق الحدود، قال إن «ذلك سيسمح بفرض السلام والاستقرار في غضون أسبوع أو أسبوعين أو 3 أسابيع».

لكن رغم اعتراف الرئيس بوروشينكو بصمود الهدنة، فقد أعلن وزير الدفاع الأوكراني، ستيبان بولتوراك، أمام البرلمان، أمس، أن «الجيش سيستدعي أربعين ألف جندي خلال 2015؛ أي ضعفي عدد المجندين قبل اندلاع الأزمة، وفضلا عن ذلك سيتم تدريب 10 آلاف و500 آخرين في إطار تعاقد، وسترتفع كثيرا القوات المسلحة السنة المقبلة إلى 250 ألف رجل مقابل 232 ألفا حاليا وستشكل وحدات جديدة وقوات تكلف بعمليات خاصة». ولهذا الغرض ستتضاعف الميزانية العسكرية في هذا البلد الذي بات على شفير الإفلاس ويحتاج بشكل عاجل إلى مليارات الدولارات من المساعدة الغربية، لتبلغ 50 مليار هريفنيا (3.7 مليار دولار).

وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، دعا يوم السبت الماضي في أعقاب لقائه مع نظيره الفرنسي فرنسوا هولاند في مطار فنوكوفو بموسكو، إلى سحب الأسلحة الثقيلة من خطوط التماس في جنوب شرقي أوكرانيا، وهو ما التزمت به قوات الانفصاليين في جنوب شرقي أوكرانيا؛ حيث بدأت بالفعل في سحب قواتها إلى ما وراء الخطوط المتفق عليها بموجب اتفاقات مينسك في سبتمبر (أيلول) الماضي، بينما التزمت اعتبارا من الثلاثاء الماضي بنظام وقف إطلاق النار. وأعلن دينيس بوشيلين، ممثل جمهورية دونيتسك الشعبية، غير المعترف بها لدى مجموعة الاتصال الدولية بشأن أوكرانيا، أول من أمس، أن «طرفي النزاع في جنوب شرقي أوكرانيا يلتزمان عموما بالهدنة عدا بعض الخروقات المنفردة»، ونقلت عنه وكالة أنباء «ريا نوفوستي» ما قاله حول أن «نظام وقف إطلاق النار مستمر، وأن قوات (الدفاع الشعبي) ملتزمة بتنفيذه بدقة ولا تطلق النار على القوات الأوكرانية»، ونقلت «ريا نوفوستي» عن خدمات وكالة «سبوتنيك» الإخبارية الروسية الجديدة، ما قاله بوشيلين خلال اجتماعه مع خبراء السياسة الخارجية بموسكو، حول أن «الفرصة تسنح اليوم بإرساء السلام في أوكرانيا، وأنه تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار رغم صعوبات جسام»، وقالت إنه «أكد وجود أسس بناءة للاستمرار في هذا الاتجاه، لإعادة النشاط الاقتصادي إلى منطقة الدونباس، والتأسيس لحوار سياسي من المتوقع أن يسفر في نهاية المطاف إلى إصلاح دستوري».

من جانبها أعلنت قيادات قوات «الدفاع الشعبي» في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين المعلنتين من جانب واحد في الربيع الماضي، أنها تؤكد تصريحات الرئيس الأوكراني، بيترو بوروشينكو، حول الالتزام المتبادل بنظام التهدئة في منطقة دونباس بجنوب شرقي أوكرانيا.

وأكدت وزارة الخارجية الروسية هذه الأخبار حين أشارت إلى أن وقف استخدام الأسلحة في مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك، وسحب المدفعية الثقيلة، وتحديد خط الفصل بين طرفي القتال، من أهم بنود التسوية للنزاع في جنوب شرقي أوكرانيا. وفي تصريحات نقلتها وكالة أنباء «ريا نوفوستي»، أشار دميتري بيسكوف، الناطق الرسمي باسم الكرملين، إلى أن الاجتماع الذي عقده مجلس الأمن القومي الروسي برئاسة بوتين، أمس: «تناول بالتفصيل الأوضاع في جنوب شرقي أوكرانيا في سياق جهود التهدئة الأخيرة»، مشيرا إلى «أن المشاركين في الاجتماع أعربوا عن قلقهم البالغ من استمرار تأزم الوضع الإنساني في مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك». وكانت موسكو اتفقت مع السلطات الرسمية في كييف على إرسال قافلة جديدة من المساعدات الإنسانية التابعة لوزارة الطوارئ الروسية إلى مدينتي دونيتسك ولوغانسك بجنوب شرقي أوكرانيا، أمس (الجمعة)، وأشارت وكالة «ريا نوفوستي» إلى أن «القافلة التاسعة للمساعدات الإنسانية الروسية المخصصة لمنطقة الدونباس، كانت تتشكل من 130 شاحنة نقلت كمية كبيرة من مختلف المواد الغذائية، والمعدات اللازمة لضمان عمل المنشآت الحيوية، وأن وزنها الإجمالي يبلغ أكثر من 400 طن».

وبينما تكشف الأحداث الأخيرة عن اتفاق غير معلن حول التهدئة، ثمة من يقول في موسكو إنه جاء نتيجة المبادرة التي تقدم بها الرئيسان بوتين وهولاند عقب اجتماعهما في موسكو بشأن ضرورة وقف إطلاق النار والتحول نحو استئناف المباحثات والحوار بموجب اتفاقات مينسك التي عقدت في سبتمبر الماضي، وهو ما أبلغ به الرئيس الفرنسي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

وبدوره، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أمس، خلال المؤتمر السنوي لصندوق «غورتشاكوف» التابع لوزارة الخارجية الذي عقد تحت شعار «الحوار من أجل المستقبل - روسيا والعالم حولها»، أن «كسر التوجهات السلبية نحو الثورات الملونة التي تستهدف تصدير الديمقراطية وتغيير الأنظمة، أمر ضروري، ومن الممكن تحقيقه تماما، وهو ما يتسق مع ما سبق وطالب به بوتين في خطابه السنوي الذي أشار فيه إلى ضرورة الحيلولة دون انتشار ظاهرة (الثورات الملونة) في روسيا». ومضى لافروف ليؤكد أن «مصالح روسيا لا تستقيم مع العزلة الذاتية، وتتطلب التعاون وإنشاء الفضاء الاقتصادي الموحد من المحيط الأطلسي حتى المحيط الهادي، في إشارة إلى ضرورة استعادة العلاقات الاقتصادية والتنسيق مع كل بلدان القارة الأوروبية، وهو ما تناوله بوتين مع ضيفه الفرنسي هولاند خلال لقائهما الأخير في مطار «فنوكوفو» بموسكو.