الحكومة التركية توجه ضربة لإعلام حركة «خدمة» في الذكرى الأولى لفضيحة الفساد

مصدر رسمي لـ «الشرق الأوسط»: طلب استرداد جديد سيقدم لاستعادة غولن من واشنطن

رئيس تحرير صحيفة «زمان» أكرم دومانلي يحيي أنصاره أثناء اعتقاله من قبل الشرطة في إسطنبول أمس (أ.ف.ب)
TT

وجهت الحكومة التركية ضربة قاسية إلى جماعة الداعية فتح الله غولن الذي تتهمه بإقامة «كيان مواز» بشنها حملة اعتقالات جديدة طالت نحو 23 شخصية، بينهم شرطيون وإعلاميون بارزون من قادة وسائل الإعلام المحسوبة على حركة «خدمة» التي يتزعمها غولن، كمجموعة «سمانيولو» التي تعتبر ثاني أكبر تكتل إعلامي في تركيا، بالإضافة إلى رئيس تحرير صحيفة «زمان» أكثر الصحف التركية انتشارا وأكثرها معارضة لحكومة حزب العدالة والتنمية.

وأتت الضربة في توقيت لافت، هو الذكرى السنوية الأولى لعملية التوقيف التي قامت بها الشرطة التركية لأبناء مسؤولين كبار في حكومة رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية الحالي رجب طيب إردوغان بتهمة «الفساد»، والتي طالت تسريبات لاحقة بشأنها إردوغان نفسه، بالإضافة إلى نجله بلال ومقربين منه. وقد اتهمت الحكومة آنذاك جماعة غولن باستغلال نفوذها في الشرطة والقضاء للقيام بذلك مطلقة على هؤلاء وصف «الكيان الموازي» وباشرت عملية قاسية لاستئصال نفوذ الجماعة الكبير دفع ثمنه أكثر من 50 ألف موظف رسمي وشرطي تم تغيير أماكن عملهم أو أقيلوا.

وفيما استنكرت المعارضة التركية، ووسائل إعلام مستقلة الحادثة، رفض مصدر رسمي تركي ربط العملية بـ«حرية الرأي». وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط» بأن الموقوفين صدرت بحقهم مذكرات توقيف قضائية لا لمقال كتبوه، لكن للاشتباه بضلوعهم في مخطط كبير يعد للبلاد. وشدد المصدر على أن الحكومة سوف تستمر في عملها للقضاء نهائيا على «الكيان الموازي» كاشفا أن طلب استرداد جديد سيقدم إلى الولايات المتحدة من أجل تسليم زعيم الجماعة المقيم في بنسلفانيا في حال ثبت تورطه المباشر في هذه المخططات.

وقد بدأت القصة مع تسريب مغرد مجهول، يسمي نفسه فؤاد عوني، يوم الخميس الماضي معلومات عن نية الحكومة شن حملة تستهدف 400 صحافي من أنصار الجماعة. وقالت صحيفة «زمان» أن السلطات كانت تخطّط لتنفيذ هذه الحملة يوم الجمعة، وفق ما كشف عنها الكاتب والمدون المشهور على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، إلا أنها أجّلتها عقب عمليات الاحتجاج واسعة النطاق التي نظّمها قراء صحيفة «زمان».

ونشر فؤاد عوني ليلة السبت تغريدات جديدة قال فيها بأن فريقا تابعا للرئيس إردوغان عقد اجتماعا سريا لإعادة النظر في قائمة بأسماء الصحافيين الواجب اعتقالهم، وتوصلوا إلى تضييق دائرة العملية للحدّ من الاحتجاجات المحتملة، وتوقّع أن تنطلق العمليات صباح يوم الأحد (أمس) وهو ما حصل بالفعل.

وشنت السلطات التركية فجر أمس حملة مداهمات شملت 13 ولاية تركية، أسفرت عن توقيف 23 شخصا بينهم شرطيون وإعلاميون، أصدرت النيابة العامة في إسطنبول أمرا بتوقيفهم على ذمة قضية «الكيان الموازي» المتهم بالتدبير لانقلاب ضد الحكومة. وأوقفت قوات الأمن «هداية كراجا»، مدير البث في قناة سمانيولو، التابعة لجمعية «فتح الله غولن»، ومدير عام صحيفة «زمان» (التابعة للجماعة) أكرم دومانلي، وكاتب سيناريو المسلسل التركي «تركيا واحدة» السيناريست علي كراجا. كما أوقفت طوفان أرغودر، الذي شغل سابقا منصبي مدير شعبة مكافحة الإرهاب في ولاية إسطنبول، ومدير الأمن في ولاية هكاري.

وفي ولاية أسكي شهير اعتقلت فرق الأمن شخصين على ذمة القضية، بينهم منتج مسلسل الصقور: «صالح أصان»، ومخرج المسلسل: «أنغين كوتش». وفي ولاية أرضروم ألقت قوات الأمن القبض على ضابط شرطة عامل في مديرية أمن الولاية، دون أن تفصح عن اسمه.

أما في العاصمة أنقرة فلم تعثر فرق الأمن على أحد عناصر الشرطة المطلوبين على ذمة القضية لدى مداهمة منزله، وفي ولاية «وان» اعتقلت السيناريست «مقبولة تشام علمداغ».

وكان أكرم دومانلي، رئيس تحرير صحيفة «زمان»، شارك قبل توقيفه في الوقفة الاحتجاجية أمام قصر العدالة في تشاغلايان بمدينة إسطنبول. ولفت دومانلي في كلمته أمام المحتشدين أمام قصر العدالة أن هناك صحيفة مقربة للحكومة نشرت خبرا زعمت فيه أن الحكومة ستصادر صحيفة «زمان». وقال دومانلي إن من يحاول مصادرة «زمان» تُكسر يده بحكم القدر والضمير والشعب. وأضاف أن الخطوة التي تأتي بعد اعتقال الصحافيين والكتّاب هي حل البرلمان. وتابع: «لا أعرف في أي مستشفى مجانين تم اتخاذ قرار اعتقال الصحافيين». وتحدى دومانلي قوات الشرطة باعتقاله وقال: إن «الشخص الذي تريدون اعتقاله موجود هنا. أرجو منكم أن تعتقلوني، أنا أنتظركم هنا». وأضاف فيما كانت الشرطة تصطحبه عبر الحشود إلى سيارة «فليشعر من ارتكب جريمة بالخوف.. نحن لا نشعر بالخوف».

ورأى أونال طانق رئيس تحرير شبكة أخبار «روتا» المعارضة أن ما يجري الآن من مداهمات واعتقالات للإعلاميين والصحافيين «كان شيئا متوقعا وليس بالغريب على حكومات العدالة والتنمية». وقال طانق لـ«الشرق الأوسط» بأن العشرات من الإعلاميين والصحافيين المرموقين في تركيا ذهبوا إلى صحيفة «زمان» للتضامن مع رئيس تحريرها، رغم أنه لا يوجد لديهم علاقة بمجموعة «سمانيولو» وصحيفة« زمان» بل هم على عكس الأفكار الآيديولوجية والدينية مع تلك الوسائل إلا أنهم يؤمنون بحرية الإعلام أعلنوا تضامنهم. ورأى أن إردوغان يهدف من وراء هذه الاعتقالات إلى «التغطية على الفساد الذي ينخر في بنية حكومات العدالة والتنمية ولهذا نسمع ونرى كل يوم أكاذيب وافتراءات تتجدد يوما بعد يوم، وأيضا يهدف إلى لفت الأنظار عما يجري من تنازلات من قبل الحكومة لقاتل تسبب في مقتل 30 ألف مواطن في جنوب شرقي البلاد (رئيس حزب العمال الكردستاني المحظور عبد الله أوجلان)، كما يحاول إشغال الرأي العام التركي عما تعانيه الدبلوماسية التركية من خسائر تزداد يوما بعد يوم في الساحة الدولية والوضع الاقتصادي».

وبدوره رأى ينار دونماز مدير مكتب جريدة «عقد» (الموالية) للحكومة في أنقرة، أن الاعتقالات ليست بالمفاجئة ولا بالغريبة لأنها هي امتداد لاعتقالات وتحقيقات قديمة. وقال لـ«الشرق الأوسط» بأن العملية امتداد للعمليات السابقة والمعتقلين موجهة لهم اتهامات ليست بالبسيطة بل هي اتهامات خطرة جدا. واعتبر أن تركيا دولة قانون والادعاءات سينظر إليها من قبل القضاء التركي المستقل. وأوضح أن «ما يجري الآن هو تحفظ ومن ثم سيتم التحقيق معهم وبناء عليه سيعطي القضاء كلمته الأخيرة سواء باعتقالهم أو إخلاء سبيلهم ومن ثم سيقوم الادعاء بتقديم مذكراته والقضاة سينظرون إذا كان الادعاء محقا أم لا». وقال: إن العملية مهمة جدا لأن أكبر مجموعة إعلامية يعتقل رئيس مجلس إدارتها ويعتقل أيضا رئيس تحرير أكبر جريدة في تركيا جريدة «زمان» وهذا ليس بالشيء البسيط. وأضاف: «مع الأسف تركيا الآن منقسمة إلى قسمين، قسم يؤيد الحكومة وقسم يعارضها فقط من أجل المعارضة حتى لو قامت بإجراءات تخدم الشعب، ولهذا الانتقادات من المعارضة وبعض الإعلام المقرب من حزب الشعب الجمهوري متوقعة لأنهم معارضة.

ورأى كمال كليجدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية أن ما تشهده تركيا اليوم «وتيرة وعملية انقلابية». وقال: «إن هذه الفترة التي نعيشها لا يمكن تسميتها بفترة ديمقراطية سليمة، وإنما هي فترة وعملية انقلابية» مشددا على أن «احتجاز الصحافيين في الصباح الباكر، واقتحام مقارّ الجرائد والقنوات التلفزيونية.. لا يمكن لنا أن نتقبل كل ذلك أو أن نسكت عنه أبدا».

وأصدرت صحيفة «زمان» في وقت لاحق بيانا اعتبرت فيه أن يوم أمس «مرير جدا بالنسبة للديمقراطية وحرية الصحافة في تركيا». وقالت في بيانها: «لقد تمّ احتجاز زملائنا الصحافيين، وفي مقدمتهم رئيس تحرير صحيفتنا أكرم دومانلي استنادا إلى اتهامات لا سند لها من الصحة. إن بلادنا تشهد في الفترة الأخيرة انخفاضا حادا من حيث حرية الصحافة. وفي هذا السياق، فإن قرارات الاعتقال الجماعية الصادرة اليوم (أمس) هي خطوة كبرى جديدة إلى الوراء». ورأى البيان أن «الضغوط التي تتعرض لها الصحافة الحرة في تركيا اليوم، بما فيها صحيفة (زمان)، تزداد يوما بعد يوم، بدءا من عدم اعتماد صحافيين معيّنين لمتابعة الأحداث الرسمية والمحظورات المفروضة على النشر، انتهاء إلى إرهاب الصحافيين، بل طردهم من البلاد، ومنع الشركات من نشر إعلاناتها على صفحات الصحف المصنفة ضمن المعارضة».

وكان إردوغان مهد لهذه العملية يوم الجمعة الماضي، قائلا: إن الحملات التي نفذها «الكيان الموازي» ضد الحكومة التركية خلال العام ونصف العام الأخيرين، لم تستهدفه شخصيا وحسب، و«إنما تستهدف تركيا الحديثة». وقال إردوغان خلال لقائه وفدا من اتحاد الغرف والبورصات التركية، في القصر الرئاسي في العاصمة أنقرة، إن هجمات «الكيان الموازي» ما تزال تدار بشكل ممنهج للغاية، وهدفها تقويض الدولة وإسقاط الحكومة، والعودة إلى تركيا السابقة، مبينا أن الشعب التركي كشف الهدف الحقيقي من هذه الهجمات.

وكان حزب الشعب الجمهوري التركي جهز عددا من اللوحات واللافتات الإعلانية لإحياء ذكرى الكشف عن فضائح الفساد والرشوة التي طالت رموزا كبيرة في الدولة في 17 و25 ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي. وقالت صحيفة «زمان» بأن عددا من شركات الدعاية والإعلان الخاصة، التي تقدم الحزب بطلبات لها لمعرفة عروض أسعارها، رفضت تنفيذ هذه اللوحات والإعلانات في البداية بحجة أن الفترة مليئة بالحجوزات. أعقب ذلك تقديم الشركات أسعارا مرتفعة جدا عن الأسعار الطبيعية.

وبحسب صحيفة «جمهوريت» التركية اليومية فإن حزب الشعب الجمهوري المعارض جهز لافتات ولوحات إعلانية كبيرة وضع عليها شعار الحزب وصورة لص على ظهره كيس مكتوب عليه «فليكن الأسبوع ما بين 17 و25 أسبوعا لمواجهة الفساد». كما قام الحزب بتجهيز وطباعة عدد من الشارات والقمصان كتب عليها العبارة نفسها إلا أنها لم تضم شعار الحزب. وقال عضو حزب الشعب الجمهوري بالبرلمان عن مدينة إسطنبول أوموت أوران بأن إحدى شركات الإعلان قالت لهم: «أنتم تبالغون في انتقاد رئيس الوزراء. فلتلينوا خطابكم».

* موغريني: استنكار اميركي ـ اوروبي للاعتقالات التركية

* دوليا، استنكرت وزارة الخارجية الأميركية حملة الاعتقالات. وقالت الناطقة باسم الوزارة جين ساكي «يبدو أن وسائل الإعلام المنتقدة للحكومة التركية الحالية هي من بين أهداف حملة إنفاذ القانون» وتابعت: «حرية الإعلام والإجراءات الأصولية واستقلالية القضاء هي عناصر حيوية في أي ديمقراطية سليمة ومنصوص عليها في الدستور التركي. بما أن تركيا صديق وحليف نحث السلطات التركية على ضمان أن أفعالها لا تنتهك القيم الجوهرية للأسس الديمقراطية لتركيا نفسها».

بدورها، أصدرت فيديريكا موغيريني، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، ويوهانس هان، مفوض سياسة الجوار ومفاوضات توسيع العضوية في الاتحاد، بيانا مشتركا اعتبرا حملة المداهمات والاعتقالات «انتهاكا لحرية الإعلام التي هي من المبادئ الجوهرية للديمقراطية». وأضاف البيان «نتوقع أن مبدأ افتراض البراءة سيسود ونذكر بالحق الثابت في تحقيق مستقل وشفاف إذا كانت هناك جنحة مزعومة مع ضمان احترام حقوق المتهمين».