السودان.. قرن من الاحتفاء بالزهر والورد

معرض الخريف.. لوحة ألوان وعطر تزين الخرطوم

زهور ونباتات هذا العام جاءت بأشكال وأحجام مناسبة
TT

درجت العاصمة السودانية الخرطوم على إقامة معارض للزهور والورد سنويا، وهي تحتفي هذه الأيام بمعرض «زهور الخريف»، المقام بالحديقة النباتية غرب العاصمة الخرطوم.

عشاق الزهر والعطر والورد والخضرة ليس لهم شاغل إلا الاتجاه غربا للتمتع بجمال الورد وعطره، في مواجهة واقع عبوس وكئيب يحيط بهم من كل جانب.

وحين يصل الناس هناك ينسون كل شيء، غبرة الشتاء، زحام الطرقات، صعوبات العيش، وغلاء الأسعار، وكل المنغصات المتخيلة وغير المتخيلة التي تواجههم. العشاق يسوقون معشوقاتهم يدا بيد إلى هناك، ويقضون نهارات بين الورد والزهر، وأمسيات الغناء المصاحب للمهرجان.

يقول نائب رئيس جمعية فلاحة البساتين السودانية واستشاري الزهور ونباتات الزينة، عادل عبد الله رابح، إن الدورة الـ22 لمعرض زهور الخريف تهدف لنشر الوعي الجمالي والبيئي والبستاني، وعرض فن وتنسيق النباتات واستخدامها في الديكور الداخلي.

واحتفلت جمعية فلاحة البساتين السودانية في مارس (آذار) الماضي بيوبيلها الماسي. ويقول رابح إن السودان بدأ تقليد معارض الزهور منذ عام 1934، ولم تنقطع المعارض طوال هذه الفترة إلا سنين معدودة. ويضيف رابح أن أكثر من 160 عارضا، و10 شركات، إضافة للجامعات والمؤسسات الحكومية، تشارك في معرض هذا العام لتعرض أكثر من 300 ألف نوع من الزهر والورد والشتول.

وحسب رابح فإن جمعية فلاحة البساتين تقيم ثلاثة معارض سنويا: «المعرض السنوي» في فبراير (شباط) من كل عام، و«معرض زهور الخريف» الذي ينظم في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) - تأخر تنظيمه هذا العام، بالإضافة إلى «معرض المانجو». ويوضح أن الذوق الجمالي وتذوق جماليات الزهر والورد ارتفع في السودان كثيرا، وأن المعارض والتثقيف أسهم بشكل لافت في الذائقة الجمالية السودانية، وصار الناس يحرصون على وجود الزهر والورد والخضرة ونباتات الزينة في منازلهم.

«اليوفوربيا» من الزهور التي تنمو بصورة مثلى في السودان، إضافة للنبات الشوكية والعصارية، وزهور وشتلات أخرى، بما يمكن من التفكير في تصديرها لخارج البلاد. ويقول رابح «زهور ونباتات هذا العام جاءت بأشكال وأحجام مناسبة، كما أن طريقة العرض تطورت نتيجة لجهود الجمعية في تدريب المنتجين وإشراكهم في المعارض الخارجية». ويضيف أن السودانيين يحبون بشكل خاص الورد الإنجليزي، والموسميات الصيفية والشتوية، والنباتات الظلية، والصباريات، وتتراوح أسعار الشتلات بين 3 و15 ألف جنيه سوداني.

ويشارك في مهرجان زهور الخريف صاحب أحد أقدم المشاتل في السودان (وهو أيضا أحد أقدم بائعي الورد) إبراهيم الجيلي، الذي يقول إن الشعب السوداني من أكثر شعوب العالم تذوقا للورد، وقد يفضل «شتلة ورد على وجبة غذاء». ويضيف أنه على علاقة بزراعة الورد والزهر منذ كان صبيا في ستينات القرن الماضي، وأن علاقته بزراعة الورد وتجارته خلقت له علاقات بـ«هواة متشددين في زراعة الزهر والورد، يدفعون فيه الكثير». ويواصل «الورد بلا وطن، ونحن نؤقلم الورد على مناخنا وتربتنا، والنباتات تتعود على التربة تدريجيا من الغرف المحمية إلى الظل إلى أن تتسودن كليا».

ويوضح الجيلي أن النخليات - خاصة النخيل الملوكي - تعد من أغلى الشتلات، فشتلة «سايكس» تباع حسب عمرها، وقد يبلغ سعرها 35 ألف جنيه سوداني، أما الورد الإنجليزي فهو الأكثر طلبا بأنواعه «مهجن، سارا، بلومان»، تليه شتلات الفل والياسمين، وزهرة ملكة الليل «سسترا»، و«الإكزوريا». ويعتبر الجيلي المعرض مناسبة للمتهمين بصناعة الورد والخضرة، حيث يتبادلون فيه التجارب والأفكار، ويساعدهم في تنويع عملهم، ويمتن علاقتهم بالمستهلك بما يمكنهم من تقييم ذوقه ورغباته.

بيد أن الجيلي يشكو من معاناة السودانيين من الجمارك والضرائب، ويقول «سلطات الجمارك» تفرض رسوما باهظة على الورد المستورد، ويؤثر تذبذب سعر الجنيه مقارنة بالعملات الأجنبية على تجارة الورد.

كان صلاح محمود الشناوي يشتري شتلات ملونة من «الورد الإنجليزي»، حين رفع رأسه وقال «معرض هذا العام غاية في الروعة والتنسيق، وفيه اهتمام كبير بالجماليات وأنواع الزهر والورد». ويضيف كمن يغني الأغنية السودانية «اللي ما يعرف زراعة الورد ما بيعرف غلاوة الند، ولا بيعرف نداوة خد»، إنه يشتري بحب كبير «الروز الإنجليزي» وبعض الصباريات المميزة.