تكريم أندري أزولاي بالصويرة.. بعد انتهاء مهامه على رأس مؤسسة «آنا ليند»

تضمن برنامجه ندوة حول «مسلسل برشلونة» الأورو متوسطـي.. وتوج بسهرة لموسيقى كناوة

جانب من أشغال ندوة «مستقبل الحوض المتوسطي بعد 20 سنة من انطلاق مسلسل برشلونة» بالصويرة («الشرق الأوسط»)
TT

شكّل تكريم أندري أزولاي، مستشار العاهل المغربي الملك محمد السادس، بمناسبة انتهاء مهامه على رأس مؤسسة «آنا ليند» الأورومتوسطية للحوار بين الثقافات، فرصة لتعداد مناقب الرجل وإبراز قيمة العمل الذي قام به على رأس هذه المؤسسة طيلة 6 سنوات.

ولم يشأ أزولاي أن يكون حفل تكريمه برتوكوليا، بل اختار أن يستثمر في فهم أكبر لقضايا الساعة، بفتح نقاش حول واقع ومستقبل حوض البحر الأبيض المتوسط، لذلك تضمن برنامج التكريم ندوة حول «مستقبل الحوض المتوسطي بعد 20 سنة من انطلاق مسلسل برشلونة»، أسهمت فيها نخبة من السياسيين والمفكرين والفاعلين الجمعويين، بمشاركة جمهور نوعي غصت به «دار الصويري».

ولأن المكرم صويري المولد والروح، فقد توج الحدث في اليومين الماضيين بأفضل ما يمكن أن يلخص لروح الصويرة والصويريين؛ سهرة موسيقية اشتملت على فقرتين فنيتين، تحت عنوان «القدام الجديد» و«كناوة»؛ الأولى تؤكد المكون العبري للمغرب، فيما تستدعي الثانية عمقه الأفريقي.

* تكريم ينحاز لفضيلة الحوار والنقاش

* أندرو كلاريت، المدير التنفيذي لمؤسسة «آنا ليند»، الذي اشتغل إلى جانب أزولاي على مدى ولايتين رئاسيتين، ركز، في كلمته، على شخصية أزولاي وخلفيته المغربية، مشيرا إلى أن نجاحه يرجع إلى ما يمثله من قيم الحوار والحرية واحترام الآخر. وأضاف: «لقد كان أزولاي مهما لعملنا على مستوى حضور وإبراز صورة المؤسسة والتعريف بأدوارها وأهدافها، كما كان مهما لعملنا على مستوى جمعيات المجتمع المدني، التي انتقل عددها من 1200 جمعية في 2005 إلى 4100 حاليا».

أما سيرج تيلي السفير ممثل الحكومة الفرنسية في مجلس إدارة مؤسسة «آنا ليند»، فقال إن أزولاي «رجل استثنائي، محوري في علاقاته، مغربي يلخص قيم التعدد والتنوع الثقافي التي تميز بلده». وأضاف تيلي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن أزولاي هو «رجل حوار واحترام متبادل بثقافة واسعة، استطاع أن يضع مؤسسة (آنا ليند) على الطريق الصحيح».

من جهته، قال أنطوان مسرة، عضو المجلس الدستوري اللبناني وعضو المجلس الاستشاري لمؤسسة «آنا ليند»، لـ«الشرق الأوسط»، إن «أزولاي يحمل تراثا غنيا ومتميزا، لذلك يقدم نفسه كحصيلة جامعة للمغاربة العرب، الأمازيغ، المسلمين، اليهود، بعمقهم الأفريقي وامتداداتهم المتوسطية والأندلسية، وهو خليط يعبر عن روح المنطقة الأورو - متوسطية».

وتحدث أزولاي، لـ«الشرق الأوسط» عن تكريمه فقال: «قلت دائما إن مهمتي على رأس (آنا ليند) ليست سهلة. وقد حاولت القيام بما يمكن أن يحرك الأمور نحو الأفضل، متسلحا بما منحني المغرب، منذ طفولتي، من قيم. واليوم، أنا سعيد بأن أعيش لحظة تكريمي في بلدي، وفي الصويرة بالذات. وأنا أرى أن ما قمنا به في المؤسسة كان مهما جدا، بالنسبة لحوض متوسطي يشمل 600 مليون نسمة في 42 بلدا. وبقدر ما كان عملا مع الحكومات كان جسرا يتعين بناؤه مع جمعيات المجتمع المدني في كل بلد، باختلافاتنا التاريخية واللغوية والروحية. واليوم، فقط، تستطيع (آنا ليند) أن ترسل إشارات إلى السياسيين بخصوص (فن الممكن)».

كما تحدث أزولاي عن المسار الذي قطعته «آنا ليند» منذ 2005، مرورا بـ2008، وصولا إلى نهاية عهدته، والعمل الذي ينتظر خليفته. واستحضر خطابه في 2008، أمام وزراء خارجية الدول الأوروبية والأورو - متوسطية، عندما صدقوا على منصبه رئيسا للمنظمة. ويتوقف أزولاي عند واقع الحال، فيقول إن «المرور من المطارات صار جحيما، وإن ما يوفَّر على مستوى الأمن يجب أن يُستثمر فيما يرفع سوء الفهم ويقرب بين الثقافات لإعطاء أجوبة صحيحة للأسئلة المطروحة». ولم ينسَ أزولاي أن ينبه إلى أن «الحوض المتوسطي يتحول، يوما بعد يوم، إلى حوض للمقابر الجماعية. اليوم على سواحل إيطاليا، وأمس على سواحل إسبانيا، تم ويتم تركيز الأضواء على حدث غرق مئات المهاجرين، وسط حضور رسمي وإعلامي كثيف، ثم نتناسى المأساة في انتظار أن تقع مأساة أخرى، من دون أن يكون هناك رد فعل أو سؤال يُطرح بخصوص الكيفية التي نحاول بها منع تكرار مآسي الغرق الجماعي».

وكان أزولاي، الذي ستخلفه الفرنسية إليزابيت غيغو، على رأس «آنا ليند»، قد انتخب في 2008 أول رئيس للمؤسسة. وتعد «آنا ليند»، التي يتكون مجلس إدارتها من الأعضاء الـ42 في «الاتحاد من أجل المتوسط»، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية بصفتهما مراقبين، منظمة غير حكومية هدفها العمل من أجل تعزيز الحوار وغايتها التعرف على «الآخر». وتأتي مواردها من الدول الأعضاء في الشراكة الأورو - متوسطية والمفوضية الأوروبية، وتستدل بقيم «مسلسل برشلونة»، خاصة «التقارب بين الشعوب من خلال الشراكة الاجتماعية والثقافية والإنسانية».

* «مسلسل برشلونة».. بعد 20 سنة

* شكلت ندوة «مستقبل الحوض المتوسطي بعد 20 سنة من انطلاق مسلسل برشلونة» فرصة لتقييم مسار أُريد له أن يقرب بين ثقافات وحضارات تجمعها جغرافية الحوض المتوسطي، وتعكر علاقاتها كثير من القضايا الخلافية، ومن سوء الفهم المتبادل. كما شكلت لحظة للتأمل في الإخفاقات والنجاحات التي حققها المسلسل، والتحديات القائمة ورهانات المستقبل بين بلدان الجنوب وبلدان الشمال.

وتوقف أنطوان مسرة عند اتفاقية أوسلو المعلقة، والتراجعات الهوياتية بسبب العولمة، معددا الآثار الجانبية للتطور، سواء على صعيد منسوب الحريات الشخصية، وتراجع الحروب المباشرة لصالح الحروب التي تخاض بالنيابة، وتراجع الآيديولوجيات الكبرى مقابل تحرك البعض تحت غطاء الخطاب الديني، فضلا عن تراجع دور الدولة المركزية. ورأى سيرج تيلي أن «مسلسل برشلونة» كان قد انطلق في سياق من التفاؤل، قبل 20 سنة، وأننا اليوم أمام شعور بأنه ليس هناك خطاب سياسي لمواجهة الواقع المتحول، في ظل وضعية معقدة. وسجل تيلي أن أوروبا لم تكن في الموعد، خاصة أنها دخلت الحوار المتوسطي بوضع شروط وعراقيل في علاقاتها مع دول الجنوب، تهم، بشكل خاص، مجالات الثقافة والفلاحة والهجرة.

من جهته، سجل الباحث المغربي محمد الطوزي تراجعات في «مسلسل برشلونة»، وتناقضات بين الحوض المتوسطي الذي نتحدث عنه وما يمثله هذا الحوض بوصفه مجتمعا مدنيا. وأوضح أن كل المؤشرات تبرز مآزق وأزمات نعاني منها في المنطقة، مبرزا أن عناصر الأزمة موجودة، ملخصا تراجيديا اللحظة في خروج جهاديين من شمال وجنوب الضفة.

ورأى الطوزي أن الجنوب لم يكن حاضرا بقوة في الشمال كما هو حاضر اليوم. وانتقد تناقضات الخطاب السياسي، ممثلا لذلك بمفارقة تنقل السلع والأشخاص، وكيف تحول الحوض إلى مقابر جماعية لطالبي الهجرة من الجنوب.

وفيما تراوحت مداخلات كل من إدريس خروز، مدير المكتبة الوطنية للمغرب، والإعلامية المغربية ليلى غاندي، وماريون غوتينك، من المعهد الأوروبي للأبحاث حول التعاون المتوسطي والأورو - عربي، في توصيفها لواقع «مسلسل برشلونة» بين «التراجع» و«التحول» و«الأزمة»، فقد اتفق الجميع على أن المنطقة تواجه تغيرات عميقة وانحدارا ثقافيا غير مسبوق، مشددين على أن الخروج من الحاضر المرتبك، بمنطقة تغص بالمفارقات، بين شمال يجعلنا نحلم بالمستقبل، وجنوب يجعلنا نتخوف منه، يستدعي النظر إلى الأمام لا إلى الخلف، واستخلاص الدروس، وأن يتفادى الشمال قراءة الجنوب حسب الظروف والأزمات والمكاسب الاقتصادية.

ولأن القضية الفلسطينية ظلت محركا لكل نقاش يهم حاضر ومستقبل الحوض المتوسطي، فقد حضرت بقوة في نقاشات الصويرة، لكن، عبر وجهات نظر منفتحة على المستقبل، لذلك قال أزولاي: «هذا الشمال الذي حسبناه غائبا عن حل للصراع، هو الذي ينادي، اليوم، بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، الشيء الذي يؤكد الاقتناع بأنه لن يكون هناك عدل وكرامة وسلم خارج دولة فلسطينية تتجاور مع الدولة الإسرائيلية».