كشف الدفعة الأولى من الجنود الوهميين في العراق يوفّر 47 مليون دولار في نوفمبر

نصف مليار دولار سنويا أهدرت حتى الآن على «الجيش الفضائي»

جنود عراقيون خلال عملية عسكرية ضد «داعش» في بيجي إلى الشمال من بغداد الأسبوع الماضي (رويترز)
TT

حددت الحكومة العراقية وأوقفت دفع رواتب بقيمة عشرات الملايين من الدولارات كان يجري من قبل توزيعها على جنود لا وجود لهم في الواقع، والذين يعرفون هنا باسم «الجنود الفضائيين»، وذلك في إطار التعهد الذي أطلقه رئيس الوزراء حيدر العبادي بمكافحة الفساد داخل المؤسسة العسكرية واستعادة اليد العليا في الحرب ضد تنظيم داعش، حسبما أفاد به مسؤولان بارزان في الحكومة العراقية.

وتشكل هذه المبادرة جزءا من خطة العبادي لإعادة بناء القوات المسلحة التي تولت الولايات المتحدة تدريبها وانهارت الصيف الماضي أمام مسلحي «داعش». يذكر أن العبادي طهر بالفعل أخيرا المؤسسة العسكرية ووزارة الداخلية من عدد من كبار المسؤولين الذين عينهم سلفه نوري المالكي. وفي الوقت الذي لم يتضح فيه بعد ما إذا كان أيا من المسؤولين المفصولين من بين المتهمين باختلاس أموال عامة، تعهد العبادي بمتابعة هذه القضية الحساسة «حتى لو كلفتني حياتي».

وتبعا لما ذكره المسؤولان البارزان، فإن السلطات نجحت في تجنب خسارة أكثر من 47 مليون دولار في صورة إنفاق على «الجيش الفضائي» خلال نوفمبر (تشرين الثاني)، معظمها في صورة رواتب كان يجري دفعها من قبل لجنود قضوا نحبهم أو مفقودين أو لا وجود لهم واعتادت قيادات رفيعة المستوى الاستيلاء عليها. ونقلت وكالة «أسوشييتد برس» عن المسؤولين، اللذين تحدثا شريطة عدم الكشف عن هويتيهما، أن هذه الأموال مجرد الدفعة الأولى من مبالغ أخرى ضخمة تسعى وزارة الدفاع العراقية لاستعادتها.

وأعلن العبادي، الشهر الماضي، أنه اكتشف 50 ألف جندي وهمي على الأقل في 4 فرق مختلفة من الجيش، مشيرا إلى أنه تتم إزالة أسمائهم من قوائم الرواتب. وقال خلال خطاب تلفزيوني: «ندفع هذه الرواتب، بينما نفتقد المال». وأضاف: «لقد بدأنا في إخراج سمكة ضخمة من الماء وسنظل في تتبعها للنهاية».

جدير بالذكر أن المؤسسة العسكرية العراقية ناضلت للتعافي من الانهيار الذي منيت به في يونيو (حزيران) عندما استولى «داعش» على ثاني أكبر مدن البلاد، الموصل، واجتاح الكثير من أرجاء شمال العراق. وفي مواجهة ذلك، تلاشى القادة العسكريون، ولم تجد المناشدات لتوفير مزيد من الذخائر من يسمعها. وفي بعض الحالات، اضطر الجنود لخلع ملابسهم الرسمية ولاذوا بالفرار.

ومنذ ذلك الحين، جرى تقليص حجم الجيش العراقي من 14 إلى 10 فرق. وقد أعلنت الحكومة رسميا أن إجمالي عدد القوات المسلحة وقوات الشرطة على مستوى البلاد مليون فرد. إلا أن مسؤولا عسكريا عراقيا رفيع المستوى أخبر «أسوشييتد برس» أن المؤسسة العسكرية كانت تضم 238.000 مقاتل في مطلع ديسمبر (كانون الأول).

في المقابل، قال مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى، إن هذا الرقم مبالغ فيه، وقدر أعداد القوات العسكرية العراقية بـ125.000 على أفضل تقدير، بانخفاض عن 205.000 في يناير (كانون الثاني) 2014. وأعرب عن اعتقاده أن ظاهرة الجنود الوهميين أكبر بكثير عن رقم الـ50.000 الذي أعلنه رئيس الوزراء، لكن لم يطرح تقديره الخاص.

جدير بالذكر أنه إذا تقاضى جميع الـ50.000 الذين أشار إليهم رئيس الوزراء بداية الراتب الذي يتقاضاه الجنود (نحو 750 دولارا شهريا)، فإن هذا يعني إهدار 450 مليون دولار على الأقل سنويا على رواتب زائفة.

من جهتها، قالت لقاء وردي، عضو البرلمان العراقي، في تصريح لـ«أسوشييتد برس»، إن: «الأعداد سترتفع بشدة إذا شمل التحقيق رجال الشرطة الوهميين بوزارة الداخلية. وأعتقد أن الجهود التي تبذلها الحكومة الحالية ستواجه مقاومة من بعض ضباط الجيش والأمن الفاسدين الذين جنوا ثروات من وراء هذا النظام الفاسد والجنود الوهميين».

يذكر أن الكثيرين ألقوا باللوم عن تردي مستوى أداء الجيش على المالكي، متهمين إياه بتسريح كبار الضباط بآخرين من حلفائه السياسيين غير المؤهلين أو المفتقرين إلى الكفاءة بهدف احتكار السلطة. ومنذ 2010 حتى استقالته في أغسطس (آب) الماضي، تولى المالكي أيضا حقيبتي الداخلية والدفاع، لأسباب منها عجز أعضاء البرلمان عن الاتفاق على مرشحين للوزارتين. وفيما يتعلق بسقوط الموصل، أشار الكثيرون إلى غياب التدريب والولاء للحكومة المركزية باعتبارهما السبب الرئيسي وراء انهيار القوات العسكرية هناك. وبعد إدلاء العبادي باليمين والموافقة على حكومته، استغرق الأمر 6 أسابيع للاستقرار على وزيرين للداخلية والدفاع في أعقاب حدوث أزمة بين التكتلات البرلمانية المتنافسة.

من ناحيتها، تسعى الولايات المتحدة، التي بدأت في شن ضربات جوية في 8 أغسطس لتعزيز القوات العراقية والكردية، الآن لتعزيز جهودها عبر تقديم إمدادات من الأسلحة التقليدية للقوات العراقية. وبالفعل، تقدم البنتاغون بطلب للكونغرس للحصول على 1.6 مليار دولار لهذا الأمر، مع التركيز على نشاطات التدريب وتسليح القوات العراقية والكردية. وتبعا لما ذكرته وثيقة خاصة بالبنتاغون أعدت الشهر الماضي، فإن الولايات المتحدة تتطلع نحو توفير أسلحة بقيمة 89.3 مليون دولار ومعدات أخرى للجيش العراقي.

أيضا، من بين الدوافع وراء تتبع قضية فساد الجنود الوهميين الحاجة المالية، حيث فرضت أسعار النفط المتراجعة وارتفاع تكاليف الحرب ضد «داعش» ضغوطا كبيرة على الاقتصاد العراقي، ما دفع الحكومة إلى تقليص النفقات، بما فيها الدفاعية التي تمثل حتى الآن 22 في المائة من الموازنة المقترحة للعام المقبل، تبعا لما ذكره وزير المالية هوشيار زيباري.

من جهته، أكد بول سوليفان، الخبير المعني بشؤون الشرق الأوسط بجامعة الدفاع الوطنية في واشنطن، أن «أي مسؤول عسكري بارز متورط في مثل هذا الفساد الواضح يجب محاكمته عسكريا والزج به في السجن، خاصة في ظل البيئات الخطرة مثل تلك التي يواجهها العراق. إن الأفراد العاديين وأصحاب الرتب الدنيا هم الأكثر تضررا من فساد القيادات».