ميركل أمام مأزق صعود اليمين المعادي للمهاجرين

جدل بين السياسيين إزاء مجموعة غامضة ترفع شعار «مناهضة الأسلمة»

متظاهرون يشاركون في مسيرة لمجموعة «بيجيدا» المناهضة للمهاجرين في مدينة دريسدن بشرق ألمانيا أمس.. وتقول اللافتة المرفوعة «نعارض بطريقة سلمية وموحدة الحروب الدينية في ألمانيا» (رويترز)
TT

مع تصاعد احتجاجات اليمين المتطرف ضد الأجانب في ألمانيا على مدى الأسابيع الماضية، نددت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بهذه المظاهرات وشددت على أن البلاد ملتزمة وترغب في قبول أي شخص يحتاج اللجوء. وكان أكثر من 150 ألف شخص قد تقدموا بطلب اللجوء إلى ألمانيا خلال الأشهر الـ11 الماضية، كثير منهم لاجئون فارون من النزاع المشتعل في سوريا، وهو ما يشكل عبئا نسبيا على البلاد. كما أن هناك نقصا في الأيدي العاملة يلوح في الأفق يدفع أعدادا متزايدة من المهاجرين للقدوم إلى البلاد من أجل العمل.

وقالت ميركل في حديثها إلى الصحافيين أول من أمس: «هناك حرية للتجمع في ألمانيا، لكن لا يوجد مكان هنا للتحريض والكذب ضد أشخاص يأتون إلينا من دول أخرى». وأدلت ميركل بتصريحها هذا قبل ساعات من تنظيم جماعة تعارض ما تطلق عليه اسم «أسلمة البلاد» احتجاجها الأسبوعي التاسع في مدينة دريسدن الواقعة شرق البلاد، حيث زاد عدد المشاركين من بضع مئات إلى 10 آلاف متظاهر الأسبوع الماضي. وقالت ميركل: «ينبغي على كل شخص أن يكون حذرا حتى لا يجري استغلاله من قبل الجهات التي تنظم مثل هذه الفعاليات». وجاءت تصريحات ميركل تتويجا لأسبوع من تزايد المخاوف لدى المؤسسة الرسمية إزاء معارضة اليمين للسياسة الألمانية التي تقضي بفتح الأبواب أمام المهاجرين.

وأوضح المتظاهرون في مدينة دريسدن، وهم خليط من شباب ونازيين جدد محليين ومواطنين عاديين يتظاهرون على نمط التظاهرات المناهضة للنظام الشيوعي في ألمانيا الشرقية سابقا في عام 1989، أنهم لا يوافقون على هذه السياسة. وأطلقوا هتافات مثل «نحن الشعب»، محاولين اللعب على وتر حساس. لكن السياسيين في البلاد يعترفون أن الجهة التي تقف وراء المظاهرات غير معروفة. وارتجت المشاعر يوم الجمعة الماضية، عندما تعرضت 3 مبان تم تجديدها مؤخرا من أجل بضع عشرات من اللاجئين في بلدة فورا التي يقطنها ألف نسمة وتقع قرب نورمبيرغ، لحريق يبدو أنه كان متعمدا. وتم رسم الصليب المعقوف وشعار مكافحة اللاجئين باللون الأحمر على أحد المباني المحترقة.

كان الاستعراض الشديد للاستياء ضد الأجانب ومشاعر الجناح اليميني قد تصاعد خلال الأسبوع الماضي. وخصص أبرز 3 مقدمي برامج تلفزيونية برامجهم بالكامل لعرض الاحتجاجات الحالية في مدينة دريسدن، التي تقودها مجموعة معروفة باسم «بيجيدا»، وهي اختصار ألماني لجماعة «أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب».

واتهمت أحزاب المعارضة، المكونة من حزبي الخضر واليسار، تكتل ميركل المحافظ المكون من الحزب المسيحي الديمقراطي وشقيقه البافاري الاتحاد الاجتماعي المسيحي، بالتباطؤ في انتقاد الاحتجاجات لأنهم يخشون فقدان الأصوات في الجناح اليميني.

من جانبه، وصف وزير العدل الألماني، هيكو ماس، وهو اشتراكي ديمقراطي في حكومة ميركل الائتلافية المكونة من أحزاب يسار الوسط ويمين الوسط، المتظاهرين في مدينة دريسدن بأنهم «عار على ألمانيا». وقال ماس أول من أمس إن غالبية الألمان يرحبون باللاجئين «الذين فقدوا كل شيء للتو». واستشهد ماس بمثال على تظاهرة مؤيدة للأجانب شارك فيها 15 ألف شخص في مدينة كولون خلال عطلة نهاية الأسبوع، ومظاهرات مناهضة في دريسدن شارك فيها 9 آلاف شخص الأسبوع الماضي، كلها ترحب باللاجئين.

من جانبه، حذر زعيم المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا أمين مازييك من أن حركة بيجيدا يمكن أن تؤدي إلى انقسام المجتمع الألماني وأن استخدامها لشعار «نحن الشعب» يهدف إلى «تفريقنا إلى أنتم المسلمون السيئون ونحن الألمان الجيدون».

وأثارت الاحتجاجات مسألة ما إذا كانت ألمانيا، على الرغم من ازدهارها النسبي وانخفاض معدلات البطالة فيها، عرضة لنوع من الشعبوية بشكل أوضح كثيرا من الوضع في فرنسا، حيث تظهر استطلاعات الرأي أن زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن وحزبها «الجبهة الوطنية» يحظيان بتأييد 25 إلى 30 في المائة من الناخبين، أو في بريطانيا حيث تسبب حزب الاستقلال البريطاني المناهض للمهاجرين في صدمة لحزب المحافظين الحاكم.

وعزف حزب جديد، هو «البديل لألمانيا»، على نغمة الشعبوية، وفاز بمقاعد في 3 برلمانات محلية في خريف هذا العام في 3 ولايات بشرق ألمانيا، بما في ذلك ولاية سكسونيا، التي انتخبت من قبل النازيين الجدد في الحزب الوطني الديمقراطي في البرلمان المحلي للولاية. وفي فبراير (شباط) من كل عام حيث يجري إحياء الذكرى السنوية لقصف الحلفاء لألمانيا عام 1945، تحتضن مدينة دريسدن أكبر احتجاج سنوي لليمين المتطرف في ألمانيا. وتعد السياسة في المناطق الشرقية من ألمانيا، حيث لا تزال ذكريات الحكم الشيوعي قوية بعد مرور ربع قرن على توحد الألمانيتين، محمومة، وليس واضحا ما إذا كان حزب «البديل لألمانيا» قادراً على بلوغ عتبة الخمسة في المائة اللازمة لدخوله البرلمان، سواء في الانتخابات القادمة في الولايات الواقعة في غرب ألمانيا، أو في الانتخابات الوطنية المقرر عقدها عام 2017.

وخلال عطلة نهاية الأسبوع، اختلف قادة حزب «البديل لألمانيا» حول ما إذا كان ينبغي موالاة المتظاهرين في دريسدن. وقال أحد قادة الحزب، واسمه ألكسندر غولاند، إنه سيتحدث مع متظاهري «بيجيدا»، مشيراً إلى أنه يريد أن يعرف من هم. وأضاف غولاند: «واضح، بالنسبة للغالبية، أنهم أشخاص عاديون من اليمين في وسط المجتمع».