«هاجس» الأخطاء التقديرية يطارد الحكم السعودي

«الغرامات المالية» لا تردع مسؤولي الأندية.. والنموذج الإماراتي هو الحل

الحكم الأجنبي الذي يقود مباريات الديربي والكلاسيكو في السعودية لا يزال بعيدا عن الانتقادات اللاذعة رغم تزايد أخطائه
TT

وضع خبراء تحكيميون عاملون في السلك التحكيمي الكروي السعودي حلولا يرونها سببا في تطوير الحكم المواطن مستقبلا، مشددين على أن أبرز الحلول هي حماية الحكم من الإساءات الإعلامية الصادرة من الإعلام ذاته ومن مسؤولي الأندية، فضلا عن تطويره على صعيد التدريب وورش العمل ومضاعفة المكافآت المالية المرصودة له فضلا عن إيجاد كوادر إدارية محترفة تقوده إلى أفضل المستويات.

واعترفوا أن الوضع الحالي يشجع على تزايد عدم الثقة في الحكم السعودي وعدم قدرته على قيادة المنافسات الكروية المحلية وفي مقدمتها بطولة الدوري السعودي للمحترفين مما يجعل المطالبات بالحكم الأجنبي مستمرة رغم كثرة الأخطاء التحكمية المؤثرة التي يرتكبها الحكام الأجانب عدا المصاريف المالية لإحضارهم والتي تقارب الـ35 ألف دولار أميركي للمباراة الواحدة، والتي عادة ما تكون ديربي أوكلاسيكو أو مباراة طرفاها من المنافسين على حصد البطولات.

وبين مختصون لـ«الشرق الأوسط» منهم رؤساء سابقون للجنة الحكام وحكام دوليون سابقون وكذلك مقيمو حكام وعاملون في السلك التحكيمي حاليا أن هناك الكثير من المشكلات التي يتوجب حلها حتى يكون الحكم السعودي هو من يقود مباريات الدوري وخصوصا القوية منها، مما سيعزز من وضعه الفني ويجعله يطمح دائما لتطوير مستواه الفني.

ومن ناحيته، قال عبد الله الناصر رئيس لجنة الحكام السابق: «مشكلة التحكيم ستبقى أزلية مهما تغيرت القيادات فيها، حيث لن يكون هناك ثقة بالحكم السعودي وسيبقى هناك من يتهجم عليه ويهز ثقته فيه، بل ويؤلب الشارع الرياضي وتحديدا في الإعلام إضافة إلى مسؤولي الأندية الكبيرة، حيث إن هناك من يتجاوز النقد البناء والمنطقي والمقبول إلى التشكيك في ذمم الحكام والإساءة لهم ولأسرهم وأحيانا يتجاوز هذه الخطوط الحمراء في الأصل لتبلغ الإساءة مداها ولا يجد من يقوم بذلك الشيء الرادع أو الكافي والذي يجعله يكف عن العمل الذي يقوم به.

وأضاف الناصر: «لا أقول إن الحكم خط أحمر بل أقول إن الانتقاد الإيجابي والأخوي وبشكل مهني هو المطلوب وفي الوضع الحالي لا بد من إقرار نظام صارم يحمي الحكام ويصدر هذا النظام من القيادة الرياضية العليا في السعودية ممثلة في الأمير عبد الله بن مساعد والذي عليه أن يتولى هذا الأمر ويصدر عقوبات صارمة لمن يسيء للحكام سواء باللفظ البذيء أو بالاعتداء الجسدي والذي وصل إليه الحد في بعض المناسبات للأسف، والجميع يعلم أنه كانت هناك هيبة للحكم في عهد الأمير فيصل بن فهد حينما كان رئيسا للاتحاد السعودي لكرة القدم لأن الأمير فيصل رحمه الله كان يمنح الحكم الثقة ويقف في صفه مادام أنه يثق في أن الحكم يطبق القانون، وإن أخطأ التقدير في بعض الحالات فهذا لا يعني رصد المشانق اللفظية والعملية له، فالبشر خطاءون والأهم أن لا يكون هناك شك في ذمم الحكام لأن ذلك يعني تبرير كل شيء بحقهم، وهناك لجان مختصة تتولى تقييم التحكيم وتوقف من تراه يستحق ذلك وتمنح الثقة من يكون جديرا بها.

وبين أن الكثير من الحكام الأجانب الذين يتم إحضارهم بمبالغ مالية باهظة يرتكبون أخطاء كبيرة وفاضحة وآخرهم حكم مباراة النصر والهلال الأخيرة، وهو الذي جاء من أوروبا مهد كرة القدم في العالم وارتكب أخطاء مؤثرة جدا وخصوصا في الشوط الأول، حيث اتفق الجميع على الأخطاء التي ارتكبها الحكم في هذا الشوط مثل ركلة الجزاء غير المحتسبة للهلال وما يترتب عليها من عقوبة وكذلك طرد غير مستحق للاعب النصر محمد حسين في الشوط الثاني وغيرها من الأخطاء التي أثرت بكل تأكيد في نتيجة تلك المباراة التي تعتبر قمة الكرة السعودية تاريخيا.

ويرى عبد الرحمن الزيد نائب رئيس لجنة الحكام السابق والمحلل التحكيمي الحالي الذي سبق له الوجود في نهائيات كأس العالم عام 1998 أن هناك ضرورة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإقرار نظام صارم يمنع الإساءة لحكم كرة القدم السعودي مع إبقاء المجال لانتقاده النقد البناء وليس الهدام والمسيء.

وأضاف: «لنا في الإمارات مثال رائع، حيث إن الحكم يلقى الحماية من أعلى سلطة رياضية بموجب قانون صارم يمنع الإساءة له ويمنحه الثقة وكذلك هناك ميثاق لدى الأندية ملتزمون به بعدم الإساءة للحكام المواطنين، وهم جزء من منظومة اللعبة وأساس في تطورها في أي دولة في العالم»، مبينا أن إقرار القانون الصارم ومنح الثقة للحكم السعودي لقيادة حتى المباريات الكبيرة هو المطلوب ويكون هناك عقاب لمن يسيء للحكم من خلال تجاوز حدود النقد البناء إلى الإساءة الشخصية سواء باللفظ أو الفعل.

وأشار الزيد إلى أن الأندية تتكفل باستقطاب حكام أجانب تكاليفهم المالية باهظة جدا وتصل إلى 35 ألف دولار ومع ذلك تحصل أخطاء مؤثرة جدا في المباريات وآخرها مباراة النصر والهلال والتي ارتكبت فيها أخطاء تحكيمية مؤثرة باتفاق الجميع، والحكم تم السكوت عنه وعن أخطائه فور مغادرته أرض المملكة فيما تبقى (لعنة) الأخطاء التحكيمية التقديرية تطارد الحكم السعودي لسنوات وحتى بعد اعتزاله، حيث يتم الاستشهاد بخطأ هذا الحكم رغم أن الخطأ الذي ارتكبه قد يكون مضى عليه عقود من الزمن.

وشدد على ضرورة أن يطبق ما هو موجود في الإمارات ويكون الحكم المواطن هو صاحب الأفضلية والدعم من كل النواحي سواء الدعم المعنوي أو المادي أو غير ذلك فهو ابن الوطن وهو الأولى أن ينال ثقة أشقائه بدلا أن يسمع منهم كلاما يجرح كرامته.

وعن إبعاد الحكم عن مواقع التواصل الاجتماعي مثل «تويتر» وكذلك وسائل الإعلام كما يرى رئيس لجنة الحكام أن ذلك مفيدا قال الزيد: «لا يمكن تحقيق ذلك، فالعالم بات منفتحا، وحتى الحكم الذي لا يعلن وجود حساب شخصي له في موقع التواصل الاجتماعي قد يكون لديه، وباسم مستعار فهذه المواقع غزت كل بيت، والحال نفسه لوسائل الإعلام التقليدية فلا يمكن أن يستغني عنها الحكم لأنه جزء من المجتمع وإن لم يقرأها أو يتابعها هناك من سيتابعها من أقاربه ويرصد الأمور التي تتعلق به».

من جانبه، يرى خليل جلال الحكم السعودي المونديالي المعتزل أخيرا أن المشكلة تكمن في عدم وجود من يحمي الحكم من التجاوزات والإساءات التي يتعرض لها، حيث إن ذلك من واجب اتحاد اللعبة الذي يتوجب أن يكون قويا ويحمي منسوبيه، والحال ينطبق على لجنة الحكام التابعة للاتحاد، ولذا من المهم أن تكون قوة الاتحاد هي الرادع للإساءة للتحكيم وليس نقده النقد البناء الذي يمكن أن يجلب المصلحة العامة للكرة السعودية، «ونريد أن يحمى الحكام كما كان الأمر يحصل في عهد الأمير فيصل بن فهد رحمه الله وكذلك الحال في بدايات عهد الأمير سلطان بن فهد هرم الرياضة السعودية».

وأضاف: «العقوبات المالية لم تعد مرعبة وحاجزا لبعض رؤساء الأندية ومسؤوليهم وخصوصا الأثرياء منهم والذين لا يمكن أن يردعهم سوى قرارات صارمة جدا من أعلى سلطة رياضية، فالغرامة ليست عقوبة لدى شريحة من المسؤولين في الأندية الرياضية ولذا الكل يقول ما يريد ويكون مستعدا لدفع الغرامة وهذا بحد ذاته مشكلة حينما يكون القانون غير محترم وتكون العقوبة غير رادعة».

وبين أن الحكم الأجنبي يخطئ كما يخطئ الحكم السعودي، بل أحيانا يكون الخطأ الذي يرتكبه الحكم الأجنبي أكثر تأثيرا كما حصل في المباراة الأخيرة بين النصر والهلال، «ولو أن من ارتكب الأخطاء المؤثرة في المباراة حكما سعوديا لرأينا الكثيرين يطاردونه ويشككون في ذمته وذمة مساعديه هذا إن لم يصل الأمر إلى الإيذاء الجسدي سواء داخل الملعب أو خارجه، وهذا أمر مزعج جدا ويجعل الحكم يعيش حالة من عدم الاستقرار النفسي وخصوصا إذا لم يكن واثقا من نفسه ولا يملك الشخصية التي تجعل منه حكما ناجحا».

وشدد على أن الحكم الناجح يجب أن يتحلى بالشجاعة والثقة وعدم التأثر بالعوامل الخارجية مقابل تطبيق القانون، وأما الأخطاء فستبقى مادام أن كرة القدم في الملعب ليس في المملكة بل في جميع دول العالم هناك أخطاء تحكيمية كما هي أخطاء اللاعبين والمدربين والإداريين وكل العاملين في أي مجال كونهم بشرا.

وتطرق جلال إلى مشكلة ضعف الحكم الأجنبي الذي يحضر للمملكة من الناحية الفنية تحديدا، حيث إن من يتولى اختياره الاتحاد وليس لجنة الحكام، حيث التفاوض مع اتحاد بلاده ليس بتحديد حكم بعينه بل بترشيح حكم عادة ما يكون عاطلا عن قيادة مباراة هامه في بلاده أو في إحدى الدول الأخرى التي تستعين بحكام أجانب ولذا لا يحضر للسعودية إلا الحكام الأجانب المتواضعين إلا ما ندر ولكن أخطاءهم مقبولة لدى الشارع الرياضي والإعلام وحتى مسؤولي الأندية على العكس تماما بالنسبة للحكم السعودي.

ويرى محمد المرزوق أحد الرؤساء الذين تعاقبوا على رئاسة لجنة الحكام السعودية أن المشكلة تكمن في الهجوم الإعلامي والتأليب الجماهيري والذي يصدر من قبل المتعصبين والذين شوهوا الكثير من حلاوة كرة القدم، وبكل تأكيد فإن الإساءات الإعلامية بلغت ذروتها وهي انعكاس لما يصدر من قبل مسؤولي الأندية، مشيرا إلى أن القائمين على الرياضة السعودية ومنذ عقود لم يقصروا من حيث الدورات التدريبية خارج المملكة وفي أوروبا تحديدا والدورات التي تقدم للحكام السعوديين لا تقدم حتى لحكام في دول أوروبية متطورة، كما أن لجنة الحكام الحالية برئاسة عمر المهنا ومن سبقتها تقدم الكثير من العمل ولكن المشكلة تكمن في عدم وجود ثقة في الحكم السعودي وكذلك عدم وجود حماية كافية له.

ويقول المراقب الفني عويضة منصور إن المشكلة تكمن في أن الشارع الرياضي السعودي لا يعرف أن هذا الحكم يعاني كثيرا من حيث عدم وجود حماية وتأخر في صرف المكافآت ومعاناة السفر بالبر لمسافات تتجاوز 700 كلم وكذلك الانتظار في طوابير طويلة في حال الحجز بالطيران وغيرها الكثير من الأمور، ومع ذلك يدفع من جيبه في كثير من الأحيان من أجل أن يصل إلى مكان تكليفه ولكن المشكلة الأكبر هي عدم الثقة والتشكيك في الحكم وتكبير أخطائه مقابل التغاضي عن أخطاء الحكم الأجنبي الكوارثية.

واستغرب من الحديث عن أن الحكم الذي يرتكب بعض الأخطاء (التقديرية) يتهم بأنه سبب ضياع ملايين الأندية فيما لا يتهم المهاجم الذي أضاع فرصا خطرة أو المدرب الذي أخطأ في طريقة اللعب أو غيرهم ويكون الحكم هو الشماعة التي تعلق عليها الخسائر.

وبين عويضة أنه كان شاهدا على ما حصل للحكم الدولي عبد الرحمن العمري حينما تم تكسير وتهشيم سيارته بعد إحدى المباريات في مكة المكرمة مع أن سيارته كانت في حرم الاستاد الرياضي وكان من الأولى أن تكون لها حماية، والجميع شاهد النفسية التي كان عليها الحكم كون سيارته حديثة ومن طراز عال وإن تكفلت لجنة الحكام بتعويضه ماديا من يعوضه معنويا وغيره من الحكام.

ويرى المقيم عبد الله الخالدي والذي كان من أبرز الأعضاء في لجنة عمر الشقير أن المشكلات كثيرة تبدأ من الإساءات وعدم وجود حماية وتمر بموضوع المكافآت إلى درجة أن هناك حكاما وخصوصا من الصغار في السن ممن ينتظرهم مستقبل كبير يصرف آباؤهم عليهم من أجل ممارسة هذه المهنة كون المكافآت غير مجزية أو أنها تتأخر، وختم حديثه بالقول: «لو كنت مكان عمر مهنا لقدمت مطالب للاتحاد السعودي وفي مقدمتها حماية الحكام ودفع حقوقهم أولا بأول وكذلك صرف المستحقات السابقة وإلا فالاستقالة هي الخيار»، مبينا أن (المهنا) مغلوب على أمره كونه يتعامل بطيبة زائدة على اعتبار أن الناس سواء في التعامل.

ويعتقد رشيد سنبل الحكم السعودي السابق والذي عمل في هذا المجال أكثر من عقدين من الزمن بداية من السبعينات الميلادية أن الحكم يحتاج إلى الثقة والحماية ومن المهم له تجاهل ما يكتب في الإعلام وما يعكر نفسيته، إلا أنه بين أن الوقت الذي كان يقود فيه مباريات قوية لم يكن الإعلام بهذا التسلط والتنوع الذي عليه حاليا.

وأخيرا يقول الحكم عبد العزيز الملحم أحد الحكام المصنفين في فئة الدرجة الأولى أن الأمر يتعلق بتأهيل الحكام ومنحهم الثقة ويكون دور المقيمين فعالا وكذلك رفع المكافآت كما حصل في دوري جميل حيث إن المكافآت تعتبر مجزية، كما لا يمكن تجاهل أن بعض الحكام أداؤهم الفني واللياقي متواضع جدا وغير منتظمين في النوم والغذاء وغير ذلك، وأيضا من المهم أن تكون هناك حماية قوية تجعلهم يقودون المباريات براحة كبيرة دون أي ضغوط ولو كان ذلك عن طريق هدنه مؤقتة يكون هناك فيه تخفيف النقد اللاذع أو الإساءة للحكام.