فيلم يعكس نظرة امرأة عصرية للواقع ويتعدى «شانيل نمبر 5» كمنتج استهلاكي

باز لورمان: لم أركز فيه على العطر بقدر ما ركزت على المرأة التي تستعمله

المخرج باز لورمان ... لم يظهر العطر سوى في لقطات خاطفة وكأنه لا يحتاج إلى تعريف.... بطلة الفيلم جيزيل باندشن
TT

تحد كبير ذلك الذي يواجهه أي مخرج يصور فيلما عن عطر لم يخف وهجه منذ العشرينات من القرن الماضي إلى اليوم. عطر تباع قارورة منه في كل 30 ثانية تقريبا، وغير ثقافة العطور إلى الأبد بإدخاله عناصر غير طبيعية للمرة الأولى إلى جانب الياسمين وغيره، من جهة، وبتسميته «شانيل نمبر 5» بحيث يروج للدار في كل مرة يباع فيها. هذا بلا شك ما شعر به المخرج باز لورمان، عندما طلبت منه الدار أن يصور فيلما دعائيا ثانيا يعكس تطور لغته التي تخاطب شريحة شابة من النساء. ثانيا لأنه سبق للمخرج أن صور منذ 10 سنوات فيلما قصيرا مع ابنة بلدته نيكول كيدمان. كان خارجا لتوه من تجربته معها في فيلم «مولان روج»، بل ويمكن القول إنه لا يزال في جلبابه، بالنظر إلى الطريقة التي تناول فيها قصة الفيلم، بدءا من طريقة التصوير والحبكة إلى نهاية قصة الحب. لعبت فيه نيكول كيدمان دور امرأة تكبلها نجوميتها وتريد أن تهرب من قيودها لتعيش حياتها بالكامل، لكنها في النهاية تختار عملها والنجومية على حساب الحب البوهيمي الذي رأت أنه لن يؤدي بها إلى أي طريق. كانت كيدمان آنذاك، أفضل من يجسد عطر شانيل نمبر 5، أو بالأحرى المرأة التي تستعمله، لكن مرت 10 سنوات، شهدت فيها الحياة تغيرات اجتماعية واقتصادية عدة، من ضمنها تغير نظرة المرأة واحتياجاتها وأولوياتها، التي أصبحت أكثر واقعية. هذا الواقع الجديد تطلب من دار شانيل فيلما جديدا يعكس هذه التغيرات، لهذا لم تختر نجمة سينمائية مشهورة، بل عارضة أزياء عالمية لا تقل شهرة، هي جيزيل باندشن، لأنها تمثل المرأة العصرية التي تتوجه لها الدار حاليا. فهي عارضة عالمية، زوجة لرجل مشهور، أم لطفلين وسيدة أعمال ناجحة.

بدوره، صور باز لورمان، خلال العشر سنوات، أفلاما كثيرة، ربما يكون أشهرها «ذي غرايت غاتسبي» الذي يدور حول قصة رومانسية من النوع التراجيدي الذي يخلف دائما تأثيرا قويا أيا كان الزمان والمكان على كل من يشاهده، فما البال بمن صوره وعاش أسراره لعدة أشهر؟. هناك قواسم مشتركة كثيرة بين هذا الفيلم السينمائي وبين الفيلم القصير الذي صوره لدار «شانيل» مؤخرا بعنوان The one that I want. أو على الأصح بين البطلتين، جيزيل باندشن، ودايزي بيوكانان بطلة فيلم «ذي غرايت غايتسبي». هناك علاقة تبدو باردة مع الزوج لكنها في الواقع علاقة قوية تثبت أنه من الصعب فسخها مهما كانت الإغراءات الخارجية.

من اللقطة الأولى إلى النهاية، يشدك فيلم شانيل بدراميته الرومانسية، علما بأن المخرج صوره في 3 نسخ، الأولى بطول 203 دقائق والثانية في 60 دقيقة والثالثة في 30 دقيقة. فرغم أنه يدور حول عطر شانيل نمبر 5 إلا أن جيزيل باندشن تستحوذ على الشاشة، بحيث لا يظهر العطر إلا في لقطات قصيرة وخاطفة جدا، وفي بعض الإكسسوارات التي تلبسها، مثل الأقراط والعقد الطويل مثلا. قوته تكمن في أنه يواكب تطورات العصر، أو بالأحرى تطور حياة المرأة ونظرتها الجديدة، إلى حد ما، للحب والعلاقات العاطفية والولاء الأسري. شرح المخرج أن الحب، أو بالأحرى الشغف، هو ما التقطه عندما غاص في أرشيف دار شانيل، وشجعه على أن يكون محور القصة. ويضيف إلى أن العارضة جيزيل باندشن، تختلف عن النجمة نيكول كيدمان في الكثير من الجوانب، في الفيلم. فهي تعكس الجيل الجديد من النساء، ما جعله يتبنى أسلوبا مختلفا عن ذلك الذي تبناه منذ 10 سنوات مع نيكول كيدمان. كانت هذه الأخيرة تلعب دور امرأة تهرب من شهرتها التي باتت تثقل كاهلها باحثة عن الحب، إلا أنها في آخر الفيلم، تختار الشهرة والنجومية على الاستقرار العاطفي. في الفيلم الجديد، تختار جيزيل في المقابل، الحب والعائلة على النجومية والشهرة عندما تشعر أن نجوميتها بدأت تؤثر على استقرارها العائلي. بهذا الاختيار، يعكس الفيلم صورة امرأة جديدة تمثل تغيرات واقعها ونظرتها إلى العائلة والحب مقابل نظرتها إلى النجاح في العمل وبريق الشهرة. هذه الصورة تعكس أيضا تطور «شانيل نمبر 5» كعطر خاص بامرأة ناجحة وقوية أيا كان الزمن أو المكان. وهذا ما أكده المخرج لورمان بقوله إن الفيلم، أو الدعاية، يدور «حول المرأة التي تستعمل العطر وليس عن العطر بشكل مباشر، لأن رمزيته أكبر من أن تكون مجرد منتج استهلاكي».

في هذه الدعاية تنضم جيزيل باندشن إلى لائحة طويلة من النجمات اللواتي مثلن هذا العطر، مثل مارلين مونرو، كاثرين دونوف، كارول بوكيه، نيكول كيدمان.

تجدر الإشارة إلى أن «شانيل نمبر 5» شهد النور في عام 1921. عندما طلبت كوكو شانيل من العطار إرنست بو أن يبتكر لها خلطة تعكس نظرتها العصرية للأنوثة. وتقول القصة إنها رفضت عدة خلطات، لكنها توقفت عند الخلطة الخامسة التي اعتبرتها تجسيدا لما كانت تفكر فيه، ما جعلها تطلق على العطر «نمبر 5». ولم تخب نظرتها فقد كان تعويذتها للنجاح التجاري لحد الآن، إذ يقال إنه في كل دقيقة تباع قارورة منه حول العالم