«عمارة الملكة» في جدة.. بداية التغيير الاقتصادي ومركز الصفقات التجارية

عمرها تجاوز 43 عاما.. وصارت معلما تاريخيا

عمارة الملكة المطلة على شارع الملك عبد العزيز في جدة (تصوير: عبد الله بازهير)
TT

قبل 43 عاما وتحديدا في 1971 كان قاطنو جدة (غرب السعودية)، وتحديدا منطقة البلد، على موعد مع التغيير في منظومة البيع والشراء التي اعتادوا عليها في السبعينات من القرن الماضي، الذي كان يتم عادة عبر التجوال بين محلات مكشوفة متجاورة تمتد على مساحة 5 كيلومترات ما بين باب مكة شرقا، نهاية بشارع قابل غربا، مرورا بعدد من الأسواق القديمة، ليتغير نمطهم من خلال بناية حديثة أطلق عليها «عمارة الملكة».

هذا التحول والتمازج بين القديم والحداثة الممثل في شكل بناية يزيد ارتفاعها على 100 متر في قلب المدينة التجارية، أضاف للمدينة أبعادا اقتصادية وحضارية، وأصبحت البناية فيما بعد معلما تاريخيا لسكان جدة والقادمين من خارجها، وهكذا أصبحت «عمارة الملكة» العنوان الرئيسي للدخول إلى قلب التاريخ أو ما يعرف بـ«جدة القديمة».

لا تحتاج أن تشرح لقائد سيارة الأجرة وجهتك إن كنت قاصدا حي البلد الذي يتفرع منه عدد من الأحياء منها المظلوم وحارة شام، اليمن، كل ما عليك قوله وأنت تهمّ بالصعود للمركبة للوصول إلى بغيتك أن تقول جملة «أبغي أروح عمارة الملكة»، دون تحديد أي الطرق والاتجاهات، فقائد المركبة يعرف الطريق، وكل ما عليك فعله منازعة قائد الأجرة على هامش الربح في هذه التوصيلة.

عمارة «الملكة» التي شيدت على مساحة تقدر بنحو 3600 متر مربع، وتطل على الشارع الرئيسي للسوق العتيق «شارع الملك عبد العزيز» تعد بداية التحول في مفهوم التسوق الحديث، حيث تحتضن البناية المكونة من 27 طابقا، كبرى الشركات والمؤسسات التجارية في الطوابق العلوية، يليها منافذ البيع للإكسسوارات والملابس الرجالية والنسائية، إضافة إلى المجوهرات والهدايا، والمطاعم في الطابق السفلي للبناية.

فرضت «عمارة الملكة» التي صممها المهندس جوزيف كاران، ونفذ المشروع في عام 1971 شركة سيلسيو الإيطالية، أسلوبا جديدا في التسوق والصفقات التجارية، بمواصفات عالمية لم يكن متعارفا عليها في تلك الحقبة، الأمر الذي دفع بكبرى الشركات العالمية إلى فتح مكاتب تسويق لها في البناية، كما أسهمت العمارة في التعريف بمدى النمو الاقتصادي الذي شهدته جدة والخروج من دائرة البيع والمتاجرة في مواقع متناثرة أو متباعدة في موقع واحد يجمع الأصناف والمنتجات كافة.

يقول المهندس محمد أنور، متخصص في تصميم المباني «إن إنشاء عمارة (الملكة) أعطى لمرتادي الأسواق التجارية التقليدية المجاورة مثل الخاسكية، والندى وشارع قابل، جملة من المميزات التي كانت غير موجودة ومنها وجود عدد كبير من السلع التجارية التي تحمل العلامة التجارية تحت سقف واحد، كذلك طرق العرض الحديثة في تلك الفترة، إضافة إلى ما يتميز به المركز من أجواء باردة بسبب التكييف المركزي الذي يعد سببا رئيسيا لتدفق الزوار إليه في ظل ما تعانيه جدة من ارتفاع في نسب الرطوبة».

وأضاف أن ما يميز هذه البناية أنها أخذت لقب «الملكة» دون الكثير من المراكز التي ظهرت فيما بعد، وهذا اللقب أضاف الكثير من الوهج مع الشكل الهندسي للعمارة التي صممت بحرفية غير مسبوقة في حينها، خاصة أن العمارة مصممة بالزجاج في شكل شبه بيضاوي، بعلو يزيد على 100 متر، وهذا التصميم يحتاج لخبرات خارجية يمكنها تنفيذ هذا المشروع وفق معايير ومواصفات جعلت البناية مع مرور السنوات تتمتع بشكل جذاب ومتميز.

ويبدو أن قاطني جدة ألفوا هذا التغير في طرق البيع والعرض، كما انعكس ذلك على سلوكياتهم في مطلع الثمانينات بعد مرور 10 سنوات من هذا التطور الاقتصادي، وذلك من خلال احتساء القهوة في أحد المحال بالدور الأرضي الذي منح مدخل العمارة تلك الرائحة المحببة وما زالت تلك الزاوية في الشق الجنوبي للبناية تتمتع بنفس النكهة والرائحة.

وكثير من الباعة الذين التقتهم «الشرق الأوسط» في السوق يؤكدون أن البناية كانت هدفا لجميع طبقات المجتمع، لما تحتويه من بضائع مختلفة، وكان موسم رمضان قبل 40 عاما يختلف عما هو عليه الآن؛ فكان المتسوقون يملأون المحال التجارية خاصة من بعد صلاة العشاء وحتى منتصف الليل. وما زالت البناية تستقطب الزائرين، خاصة مرتادي الأسواق المجاورة.

من جهته، يرى خالد الشريف صاحب عدد من المحلات التجارية في منطقة البلد، أن المركز التجاري بعمارة الملكة يعطي فرصة أوسع للتحرك في الطوابق كافة للتسوق من مختلف المستلزمات الشرائية التي تناسب جميع الشرائح، خاصة أن غالبية المنتجات ذات علامات تجارية، كما يتميز المركز بوجود مقاهٍ يفد إليها الكثير من الأشخاص في أوقات مختلفة، وهي المحطة النهائية بعد عملية تسوق على معارض الملبوسات بشقيها والذهب نهاية بأجهزة الحاسب الآلي والأدوات الكهربائية.

وكانت البناية شامخة تراها وأنت على بعد كيلومترات متجها نحو منطقة البلد، يبهرك منظرها، إلا أنه مع مرور الوقت مع الطفرة الاقتصادية، اختفت خلف البنايات والمراكز التجارية الشاهقة، لكنها ظلت المعلم الرئيسي الذي يستدل به الزائرون لقلب جدة التاريخية، ومركزا للصفقات التجارية في طوابقها العلوية.