باكستان تدخل الحداد وتعاود العمل بعقوبة الإعدام بعد مجزرة المدرسة

أحد الناجين: سمعت مهاجما يقول لشريكه لا تترك أحدا على قيد الحياة

ناشطون من المجتمع المدني الباكستاني يضعون وردا لتذكر ضحايا المجزرة في مدينة بيشاور أمس (أ.ف.ب)
TT

دخلت باكستان أمس في حداد لمدة ثلاثة أيام على ضحايا المجزرة التي ارتكبتها حركة طالبان في مدرسة وأسفرت عن مقتل 148 شخصا معظمهم من التلاميذ، في الهجوم الأكثر دموية في البلاد. ووضع هذا الهجوم الحكومة تحت ضغوط جديدة لمكافحة التمرد في البلاد. وإثر الهجوم الذي وقع أول من أمس في بيشاور، كبرى مدن شمال غربي البلاد، أغلقت معظم المدارس في مختلف أنحاء البلاد، فيما أقيمت صلوات خاصة في ذكرى الضحايا في المدارس التي فتحت أبوابها. وقامت مجموعة من مسلحي طالبان بالدخول من صف إلى آخر وقتل التلاميذ في هجوم استمر ثماني ساعات وأثار إدانات عالمية. وفي إقليم خيبر باختونخوا (عاصمته بيشاور) أغلقت المدارس والإدارات والأسواق.

وأعلن المتحدث باسم الجيش الباكستاني الجنرال عاصم باجوا أن حصيلة الهجوم ارتفعت من 141 ليلا إلى 148 قتيلا بينهم 132 تلميذا. وعلى الجانب الآخر من الحدود في الهند، وضع رئيس الوزراء ناريندرا مودي العداوة القديمة مع باكستان جانبا وطلب من المدارس الالتزام بدقيقتي صمت حدادا على الضحايا.

وتواصلت أمس مراسم تشييع الضحايا الذين سحبت جثثهم من المدرسة وكانوا لا يزالون باللباس المدرسي الأخضر الملطخ بالدماء. ويوم أمس، شوهد جنود متمركزون على سطوح المدرسة فيما كانت آليات عسكرية تدخل المبنى. وقال شهود إن المهاجمين الستة قدموا بسيارة بيضاء وأحرقوها قبل البدء في إطلاق النار لإبعاد المتطفلين، وقفزوا فوق جدار لدخول المدرسة. وأفاد أحد الشهود بأن «أحدهم سكب النفط على السيارة ثم أضرم النار بها، ثم فتحوا النار في الشوارع، وقد هربت مع شخص آخر لإنقاذ حياتنا». وسجلت أسوأ أعمال القتل في قاعة مسرح المدرسة، حيث كان مئات التلاميذ يتابعون محاضرة. وتم العثور هناك على أكثر من مائة جثة، حسبما أعلن الجيش.

وقال أحمد فراز (14 عاما) الذي نجا من الهجوم وأصيب برصاصة في كتفه من المستشفى «كان هناك تلاميذ تحت الطاولات. ولقد سمعت أحد المسلحين يقول لآخر: لا تترك أحدا على قيد الحياة». وأضاف «ثم بدأوا يقتلون التلاميذ واحدا تلو الآخر، تحت الطاولات وتحت المقاعد. كنت أراهم يقتربون مني إلى أن أطلقوا علي النار وأصبت بكتفي واعتقدت آنذاك أنها النهاية، ثم انتقل المسلح إلى طاولة أخرى».

وأكدت الحكومة والجيش تصميمهما على هزم المجموعة التي قتلت آلاف الأشخاص منذ بدء التمرد في 2007. وأعلن رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، أمس، إنهاء تعليق عقوبة الإعدام في حالات الإرهاب. وفي باكستان تصدر أحكام الإعدام بشكل متكرر عادة، لكن هذه العقوبة لم تعد تطبق منذ عام 2008، باستثناء الحالات المرتبطة بالأحكام العرفية، وذلك بموجب تجميد لهذه العقوبة القصوى.

وأعلن مسؤول كبير في مكتب رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف أن «رئيس الوزراء وافق على إلغاء تعليق عقوبة الإعدام في حالات الإرهاب». لكن وسائل الإعلام الباكستانية لفتت إلى أن وعودا سبق أن صدرت بعد وقوع هجمات مماثلة، إلا أن العنف لم يتوقف. وكتبت صحيفة «دون» الناطقة بالإنجليزية أن «قطع وعود بسحق تمرد بعد هجوم كبير لا معنى له». وأضافت أن «العمليات العسكرية لن تؤدي إلى نتيجة إلا إذا كانت هناك محاولات لاستئصال الجذور الآيديولوجية للتمرد».

من جهته، اعتبر المحلل رضا رومي، في «المعهد الأميركي للسلام»، أن إنهاء التمرد يعني أيضا إنهاء آيديولوجيا متجذرة بعمق في المجتمع الباكستاني. ونقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية قوله إن «ثلاثة عقود من التشدد أدت إلى قبول عام لأعمال ترتكب باسم الدين».

ولطالما اتهمت باكستان بلعب «دور مزدوج» مع المتمردين عبر دعم مجموعات معينة ظنا منها أنها يمكنها استخدامها لغاياتها الاستراتيجية الخاصة. وأطلق الجيش هجوما كبيرا خلال الأشهر الستة الماضية ضد معاقل حركة طالبان الباكستانية ومجموعات أخرى تنشط في منطقة وزيرستان الشمالية القبلية القريبة من بيشاور.

وأدت العملية إلى مقتل أكثر من 1600 مسلح، فيما اعتبرها الجيش ناجحة قائلا إنها أدت إلى تفكيك البنى التحتية للمتمردين.

لكن حركة طالبان الأفغانية دانت الهجوم، معتبرة أن قتل أطفال يتعارض مع تعاليم الإسلام. وقالت حركة طالبان الأفغانية في بيان نشر في وقت متأخر أول من أمس إن «إمارة أفغانستان (الاسم الرسمي لحركة طالبان) دانت على الدوام قتل أطفال وأشخاص أبرياء في أي ظرف». وأضافت أن «القتل المتعمد لأشخاص أبرياء، نساء وأطفال، يتعارض مع تعاليم الإسلام، وكل حكومة إسلامية وحركة يجب أن تلتزم بهذا المبدأ الجوهري». وتابعت أن «إمارة أفغانستان تقدم تعازيها لعائلات الأطفال الذين قتلوا».

من جهته، أدان الرئيس الأميركي باراك أوباما المجزرة التي ارتكبتها حركة طالبان الباكستانية. وقال «باستهدافهم الطلاب والمدرسين في هذا الهجوم البشع، أظهر الإرهابيون مرة أخرى درجة سوئهم». كما أدان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الهجوم قائلا «هذا عمل فظيع وجبان استهدف طلابا عزلا بينما كانوا يتلقون العلم».

وقال متحدث باسم الجيش الباكستاني «إن الإرهابيين بدأوا يطلقون النار عشوائيا فور دخولهم إلى المدرسة، ولم يكن في نيتهم احتجاز رهائن».